الميثاق نت -
في كثير من الحالات يكون الحديث عن الموهبة والإبداع ضرب من ضروب الاستهلاك.
الصحافة التي تتناول إنجازات المبدع وتتجنب الحديث عن مثبطات مسيرته هي صحافة زائفة خادعة !
السياسات المؤقتة الناقصة للحكومات العربية تجاه قضية الإبداع ولّدت الإحباط في نفوس المبدعين.
نحن لا نملك براءة اختراع حقيقية أخذت صبغة دولتها العربية!!
حال الإبداع العربي كمن يزرع قمحاً في أرضه ويرويه بمائه ويعمل به ثم يصدّره للخارج ليعود ويستورده مغلفاً كي يصنع منه خبزاً !!
نحن لا نملك مقومات استثمار الإبداع في الوطن العربي.
هناك دائماً في بلادنا مَن يرون العالم من ثقب خزان ماء !!
ماذا تنتظر حكوماتنا من مبدع منشغل بقوت يومه وردّ ذل النهار وهم الليل عنه؟!
لا أطالب حكوماتنا بتهيئة مناخ الإبداع، بل أطالبها بعدم المساس بمناخ الإبداع لأبنائها.
الأخطر من هجرة العقول العربية هو تبدّل ولاءاتها وانتماءاتها بعد الهجرة!!
وسام الملك عبد العزيز شرف ما بعده شرف، ولكنه يزيد العبء أعباء، والحمل أحمالاً، والثقل أثقالاً، والمسؤولية مسؤوليات.
بعض ذوي الاحتياجات الخاصة يعتقدون أني مرجعية .. وأنا في ظل عدم الاستثمار التنموي لإبداعاتي واختراعاتي أعد نفسي فاقد المرجعية!!
الحل لا يمكن أن يكون بيد من لا يملك قراره!!
التمرد والتخاذل لا يعيش إلا في النفوس التي تخاف التفكير وترفض نعائم الحرية والمكاشفة.
الموهبة والإبداع أسس يقاس بها تقدم الأمم وتبنى على فكرها الحضارات، وهي الأداة التنموية الفاعلة بيد الحكومات التي تحسن استثمارها، واستثمار عقول وأفكار أصحاب الموهبة والإبداع قبل ذلك، لتؤسس لكيانها مكاناً متقدماً في مساحة التنمية العالمية.. ومَن بيده التنمية فإن في يده كل القوة في جميع جوانبها.
صحيفة (.................) أرادت أن تنفرد في هذه السطور بلقاء خاص عن فكر الموهبة والإبداع.. كيف يكون؟ وما المعنى الحقيقي لرعايته؟ وهل هو مجرد إنجاز ينتهي بترجمة الفكر العلمي والعملي إلى أدوات؟ ما مجالاته ومؤثراته؟ وكيف يمكن أن يتحول إلى أداة تنموية ذات سلطة على مختلف المستويات؟
هذه الأسئلة طرقت لها (صحيفة................) بوابات فكر البروفيسور محمد بن حمود الطريقي الحاصل على براءات اختراع عالمية.. أمريكية وأوروبية.. وهي اختراعات حصدت جوائز عالمية في أهم المعارض العالمية المعنية بقضايا الموهبة و الاختراع، كما استحق بها البروفيسور الطريقي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى والذي ناله من يدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – يحفظه الله - ... والبروفيسور الطريقي صاحب تجربة علمية وعملية ناجزت عقدين من الزمن، وحفلت بالعديد من الإنجازات التي كتبت لها العالمية، حتى غدا اسمه علماً في محافل الفكر الإنساني بين خبير عالمي في مجال الإعاقة والتأهيل، ومؤلف ومترجم في علوم المعرفة الإنسانية، ومؤسس ومشرف ورئيس لعدد من منظمات المجتمع المدني المعنية بقضايا التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان، وصاحب قلم فذ تتبارى وسائل الإعلام العربية في نشر نتاج فكره وإبداعه.
يرأس دار الاستشارات الطبية والتأهيلية ومجلس العالم الإسلامي للإعاقة والتأهيل، وهو الباحث الرئيسي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان ، والمراكز المشتركة لنشر ومراقبة التأهيل، وغني عن تعريفنا له بأنه رئيس التحرير المشرف العام على مؤسسة العالِم للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع التي يصدر عنها مجلات (العالِم) و (الصحة العربية) و (عالم الإعاقة) بإشرافه المباشر.
من قلب التجربة المفعمة بالهمّ والإنجاز نفرد هذا اللقاء المتميز الذي كان لنا مع البروفيسور الطريقي عن الفكر المؤسسي للموهبة والإبداع .. فإلى نص الحوار:
هل لنا بداية أن نتعرف على قصة إنجازكم لبراءتي اختراع عالميتين وماهيتها ومعطياتها؟
- لقد وفقنا الله بدعم المخلصين لإنجازين هامين في علوم هندسة تقويم الأعضاء والتأهيل، الأول : اختراع مفصل كاحل دوّار قابل للانغلاق لطرف اصطناعي ذي بنية تجميعية للبتر تحت الركبة وهو اختراع تظهر أهميته عند معرفة ما يتوافر في الوقت الحاضر من أطراف اصطناعية متنوعة تستعمل لمن بترت سيقانهم تحت الركبة، فليس من بين هذه الأطراف واحد يسمح بدوران القدم حول محوره بالنسبة لقصبة الساق. وعدم وجود مثل هذه الوسيلة الميسرة يحد بالضرورة من عمل هذا الطرف الاصطناعي إذا كان الشخص الأبتر مسلماً يؤدي الصلاة، فالصلاة في وضع الجلوس تكون مصدراً كبيراً لمعاناة المبتور تحت الركبة الذي يلبس طرفاً اصطناعياً من هذا النوع من أحدث طراز، وكثير من هؤلاء المبتورين يشكون من ألم في ركبهم وإجهاد للوركين والظهر عندما يكونوا جالسين أثناء أداء الصلاة. كذلك فإن الطرف الاصطناعي لا يمكن أن يحاكي الطرف السليم أثناء الجلوس لأداء الصلاة، وبالتالي يظهر بشكل واضح أن الإنسان الذي يصلي يلبس طرفاً اصطناعياً، الأمر الذي قد يجعل المعاق متحرجاً ومتضايقاً نفسياً ،وطالما شاهدت بألم بالغ ما يعانيه إخواننا المسلمون ممن ابتلوا ببتر إحدى الساقين تحت الركبة وركبت لهم ساق اصطناعية عندما يجلسون لأداء التشهد أثناء الصلاة، فقدم الساق الاصطناعية ولو كانت من أكثر الأنواع تطوراً غير قابلة للدوران في أي اتجاه مما يجعل من المستحيل على أصحابها أن يضع الساق الاصطناعية في وضع مماثل للساق الطبيعية تحته أثناء جلوسه لتلاوة التشهد في الصلاة.
من هنا جاءت ضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة التي يعاني منها ملايين المبتورين من تحت الركبة في العالمين العربي والإسلامي، ويتلخص هذا الحل بتصميم مفصل الكاحل الدوار الذي يسمح لقدم الطرف الاصطناعي بالدوران للداخل أو للخارج بزاوية 90 درجة مما يمكن المبتور من الجلوس بوضع مشابه لجلوس الإنسان السوي، وهذا ما قمنا بتصميمه وتم تسجيله كبراءة اختراع في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1989م، وهو تصميم يتميز بالبساطة والمتانة وقلة التكلفة، كما يتميز أيضاً بسهولة التركيب.
وقد مكّن هذا الاختراع العديد من مسلمي العالم الذين أفادوا منه واستخدموه، من تأدية شعائرهم الدينية بيسر وسهولة ودون الشعور بأدنى قلق أو حرج، فكان هدية منّا لأبناء أمتنا العربية والإسلامية.
وقد تعرض هذا الاختراع لعدة مراحل تعديلية منذ أن نال براءة اختراعه بهدف الوصول إلى أعلى درجات الفائدة، والحرص على رقيه إلى أعلى مستويات التقنية الحديثة، ونال هذا الاختراع الميدالية الفضية في معرض جنيف الدولي الثاني والثلاثين للمخترعات 2004م.
أما اختراعنا الثاني : فكان جهاز التحليل الكمي لعدم وثاقة الركبة البشرية في الجسم الحي دون التعرض للأنسجة ويهدف الاختراع إلى تقديم جهاز يمكن استخدامه لتحديد دقيق وموثوق لعدم وثاقة الركبة بشكل كمي عبر قيامه باختبارات وثاقة أربعة للركبة دون التعرض لأنسجة الجسم وهي علامة الإزاحة الأمامية الخلفية والدوران الأروح – الأفجح والإلتواء الظنبوبي وعلامة الإزاحة الإنسية الوحشية.
وهو يهدف أيضاً لتوفير جهاز يستطيع تقييم آثار الانقباض العضلي وثقل حمل الجسم على وثاقة الركبة وتحديد الأحمال القصوى ومعدلات التحميل وتقييم الأثر الوثاقي لقوى الاحتكاك الظنبوبي – الفخذي على المفصل وتوفير مؤشر على متانة المفصل وقياس عزوم اللي والدوران الناتجة عن الانقباض العضلي.
وباختصار فإن الغرض من هذا الجهاز هو القياس الآمن والدقيق لوثاقة الركبة في مستويات اختبار مختلفة تشتمل على وظائف الإجلاس المريح للمريض، والتثبيت الآمن للفخذ ولقمتي عظمة الفخذ، والتثبيت الآمن للقدم والكعب، وإمكانية التعديل لملاءمة مختلف أطوال الأرجل، وإمكانية التعديل والضبط لملاءمة مختلف زوايا الثني للركبة والورك، وتحميل الظنبوب محورياً مع الاستمرار في قياس ما يوضع من أحمال. وتحميل الظنبوب للأمام أو للخلف مع القياس المستمر للوزن المحمل والإزاحة الناتجة للأمام أو للخلف. وتحميل الظنبوب أنسياً أو وحشياً مع القياس المستمر للوزن المحمل والإزاحة الناتجة للجهة الأنسية أو الوحشية، وتطبيق العزم الأفجح أو الأروح على الركبة، وتطبيق عزم دوان محوري خارجي أوداخلي على الظنبوب مع القياس المستمر لعزم الدوران المطبق ودوران الظنبوب الناتج للجهة الخارجية أو الداخلية، وقياس نشاط العضلات حول مفصل الركبة، والمراقبة المستمرة لإشارات تخطيط العضلات الصادرة من الجهاز العضلي، وعندما يكون هناك توصية بعمل تمارين من أجل تقوية العضلات والأربطة فإن هذا النظام يمكننا من تقييم تأثير التمارين على أداء العضلات والأربطة.
كما يزودنا هذا النظام بتقييم عدة أنواع من الركب الاصطناعية المستخدمة في استبدال مفاصل الركب الطبيعية وذلك من خلال التقييم قبل وبعد العملية.
ويمكن استخدام هذا النظام لتقييم نتيجة كل من العلاج الوقائي والجراحي لعدم وثاقة الركبة.
ولقد أثبت هذا الجهاز فعاليته في قياس عدم وثاقة الركبة، ويمكن استخدام مبدأ هذا الجهاز لقياس خصائص القوى والانزياحات على مفاصل أخرى في جسم الإنسان.
هذا وقد أثبتت الاختبارات العملية التي أجريت من خلال هذا الاختراع الذي تم تسجيله كبراءة اختراع أوروبية في عام 1991م ،على الأشخاص الأسوياء وعلى المرضى جدوى وفعالية هذا الاختراع الذي نال الميدالية البرونزية في معرض جنيف الدولي الثاني والثلاثين للمخترعات 2004م.
عُرف عن البروفيسور الطريقي أنه يحمل فكر الموهبة والإبداع ويطرقه في كل جانب وعلى أكثر من صعيد، هل لنا أن نتعرف على منطلقات وركائز هذا الفكر؟
- فكر الموهبة والإبداع بصيغته التقليدية هو فكر تنظيري يبدأ من الاهتمام والتشجيع وينتهي بالإنجاز والرعاية، ولكني دائماً أطرق هذا الفكر من منظور وعمق نتاجه ونتائجه ومدى تأثيره في المسيرة التنموية.
في كثير من الحالات يكون الحديث عن الموهبة والإبداع ضرب من ضروب الاستهلاك، فعندما تقتصر وسائل الإعلام المختلفة في طرحها لهذا الموضوع على التعريف بالاختراعات وتمجيد المخترع والإسهام في ذكر الجوائز التي حصّلها من هذا الاختراع تكون هذه الطروحات بلا شك... طروحات زائفة وخادعة للقارئ لأنها تسلط الضوء على هالة لهذا المخترع ،هو نفسه لا يشعر بها ! كما أنها تتجنب الحديث عن معوقات وإرهاصات ومثبطات مسيرة الإبداع، وعن مصيرها ومصير المبدع معاً.
إذاً هل تريد من هذا الكلام أن تشكل لنا صورة المبدع في الوطن العربي؟
- الحقيقة أني لا أبالغ إطلاقاً إذا قلت أنه إذا ما أردنا الحديث عن الإبداع وواقع المبدعين في الوطن العربي فإن الأجدر بنا عند ذكر صاحب الإبداع أن لا نكتفي بقول مبدع بل لابد أن نجمعها مباشرة بكلمة معاق.. مبدع معاق.. والسبب في ذلك أن غالبية مبدعينا إن لم يكن جميعهم يعانون من الإحباط الذي ولّدته السياسات المؤقتة للحكومات العربية في التعامل مع قضايا الإبداع، وهي سياسات بطبيعتها ناقصة، تهتم بالإبداع ولا تقدم ما يدل على هذا الاهتمام، تشجع الموهبة والابتكار والاختراع ويقتصر تشجيعها على التحفيز بلا دعم وإشهار الإنجازات دون تطبيقها.. إننا في العالم العربي نعلن عن كم هائل من براءات الاختراع كل عام ولكننا لا نملك براءة اختراع حقيقية صنعت وأخذت صبغة دولتها العربية.. بل إننا الأسرع في تصدير وتهجير الكفاءات إلى الخارج ونحن الأحوج إليها !! إننا كمن يزرع قمحاً في أرضه ويرويه من مائه ويقوم على رعايته أبناؤه ، ثم يصدّره إلى الخارج ويعود لاستيراده مغلفاً كي يصنع منه خبزاً !! .. آن الأوان للاعتراف بهذه الحقيقة في واقع قضية الإبداع في وطننا العربي.
ولكن جميع الدول العربية في دساتيرها وأنظمتها وتشريعاتها ما يدعم البحث العلمي ويشجعه؟
- أتفق معكم تماماً في هذا، ولكن لنسأل المشرِّع وصانع القرار والمسؤول في آن واحد.. ونطلب منهم إجابة .. وأنا شخصياً أطلبها أن تكون إجابة علنية على مسمع ومرأى جميع القراء.. هل نملك في الوطن العربي البنية التحتية الأساسية للإبداع من النواحي السياسية والاقتصادية على وجه التحديد؟ هل تملك الكيانات العربية خططاً طويلة الأمد واستراتيجيات فاعلة مواكبة للتطور العالمي في قضايا البحث العلمي والإبداع والموهبة والابتكار والاختراع؟ هل تتعامل الحكومات العربية المتعاقبة مع هذه القضية من موضوعية مرجعية ومبادئ ثابتة أم أنها تعاملها كإحدى القضايا الطارئة التي تحتاج إلى فريق إدارة أزمات؟ ما هي أولوية قضية الإبداع عند صنّاع القرار في الوطن العربي؟ هل تستطيع أية حكومة عربية أن تعطي رؤية واضحة عن مصير البحث العلمي والإبداع ولو في المستقبل القريب في بلدانها؟
هذه الاستفهامات تحيط بنا جميعاً، وإن كان الكثيرون يعرفون إجاباتها المؤلمة!!
وهل لديكم أنتم إجابة على هذه الأسئلة أو رؤية معينة تجاهها؟
- مَن يملك الإجابة على هذه الأسئلة، يملك عصاً سحرية يستطيع بضربة منه أن يلملم شتات فوضى الأولويات في حكوماتنا، ولكني ولكي لا أدّعي على أحد ولا أتقول ما قد يظنّ به بعض المتحاذقين.. سأمثل على معاناة المبدع من تجربتي أنا الشخصية.
وما هي ملامح المعاناة في تجربتكم الشخصية وكيف تكون المعاناة عند المبدع؟
- بالعودة إلى تاريخ حصولي على براءة الاختراع قبل ثمانية عشر عاماً تتمثل المعاناة، فأنا أتحدث عن ثمانية عشر عاماً كان ولا زال فيها الاختراع نظرية علمية مسجلة بأرقى المواصفات العالمية باسم مخترع سعودي، ولعل الغرب يظنون أن هذه النظرية استثمرت وطبقت، وأننا ننعم بنتاجها في محصلة رصيدنا الشمولي لأكثر من عشر سنين، ويعتقدون أني الآن متفرغ تماماً للمزيد من هذه الاختراعات التي إذا أحسن استثمارها أكسبت الوطن بأكمله قبل المخترع مكاسب معنوية ومادية، فضلاً عن السمعة العالمية الراقية، ولكن خاب ظنهم... فاختراعي إلى اليوم مجرد أوراق حبيسة الأدراج، ومجرد حلم يقترب كي يكون وهم.. ويبدو أنه سيبقى كذلك حتى يصبح هذا الاختراع قطعة أثرية تصلح للعرض في المتاحف ذات القطع النادرة ويُكتب عليها (محاولة سعودية لم تكتمل)!!
تحدثت عن استثمار الاختراع أو الابداع، فلماذا لم يتم هذا الاستثمار برأيك سواء لك أو لغيرك من المخترعين والمبدعين السعوديين والعرب؟
- الجواب ببساطة لأننا لا نملك مقومات استثمار الإبداع في وطننا العربي، وإلا ما تفسير أن أخاطب أكثر من جهة ومرجع للاستثمار في هذا الاختراع وتحويله إلى أداة تنموية تصيب هدفين في آن واحد.. الهدف الإنساني حيث الاختراع لذوي الاحتياجات الخاصة الذين نتبجح دائماً بأننا نقدم لهم كل الإمكانات، ونذلل لهم كل المصاعب، وأن قضاياهم وحقوقهم في سلّم أولوياتنا، أليس من أبسط حقوقهم أن يؤدوا شعائرهم الدينية كمسلمين بكل سهولة ويسر، وليس من أول قضاياهم أن يشعروا بقيمة التأهيل الحقيقي؟ أما الهدف الثاني وهو الهدف الاقتصادي فهذا حدّث عنه ولا حرج بلغة الأرقام المتزايدة.
لقد وصلت مطالباتي المباشرة وغير المباشرة شفوياً وإعلامياً وعبر قنوات الاتصال الرسمي إلى أعلى المستويات لكن دون جدوى.. لأن هناك دائماً من يرون العالم من ثقب خزان الماء !!
تحدثت عن تفرغ المبدع لأبحاثه العلمية وإبداعاته التي تعود بالفائدة على الوطن بأكمله.. فهل أنت من دعاة هذا الاتجاه؟
- كنت سابقاً من دعاته، نعم، أما اليوم فأنا لا أطالب حكوماتنا بتهيئة مناخ الإبداع لأبنائها، بل أطالبها بأضعف الإيمان وهو عدم المساس بمناخ الإبداع لأبنائها، فلا يعقل أن يكون المبدع منشغلاً بقضايا حياته اليومية وأعبائها واللهث وراء حقوقه في العيش الكريم.. ماذا تنتظر منه؟ .. نعم ماذا ينتظر من العالِم المشغول بقوت عياله؟ أو بردّ ذل النهار وهمّ الليل عنه؟.. على العكس لقد أصبح الاختراع عبئاً عليه لأنه في فسحة من الزمن كان حلمه الذي سرعان ما تكسر على أسوار البيروقراطيات وسياسات التهميش واللامبالاة.. بكل بساطة ووضوح الإبداع والموهبة ليست قضيتنا، لأننا نعتقد أن القنبلة النووية أو الذرية التي تتبجح بها الدول المالكة لها يمكن شراؤها من أي بقالة !!
هل هذا ما يفسر هجرة العقول العربية والكفاءات عن بلادنا؟
- الأخطر من هجرة العقول .. هو تبدل ولاءات وانتماءات هذه العقول، وهذا أكثر ما يجب على الحكومات العربية التنبّه له، لأن الأمر غاية في الجديّة والحساسية، و لأننا يجب أن نقر بالحقيقة التي تأتي جواباً منطقياً للسؤال المحرم: لمن سيكون ولاء المبدع وانتمائه.. لنظامه الذي قيّد إبداعه ووطنه الذي حرمه من أبسط حقوقه.. أم لأي نظام يطلق العنان لإبداعه ويرعى هذا الإبداع ويدعمه ولأي وطن يحتضنه ويكرّمه؟.. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المبدعين المسلمين والعرب يملكون بفضل الله ثم عروبتهم حصانة من هذا التبدّل، ولكنهم في ذات الوقت يثور هذا السؤال في فكرهم بفعل عوامل كثيرة لا مجال لذكرها هنا، كما أن ذكرها قد يثير حفيظة المنتفعين من إقصاء الإبداع والمبدعين !!
أما موضوع الإبداع ودعم الدولة له في أي بقعة هو برمته أبسط من تعقيدات الهجرة أو الخوض في أزمات وطرائق البحث العلمي، لأنه بكل بساطة يعني أن تملك عربة ولا تملك حصان يجرها، وأن تملك أوراقاً ولا تملك قلماً يسطر عليها، وأن تملك حطباً ولا تملك شعلة نار توقده، وأن تملك جهاز حاسوب ولا تملك كلمة السر التي يعمل بها ، وأن تملك رجلاً آلياً يفعل كل ما تأمره به، لكنك لا تملك كهرباء لتشغله.. وأن تملك اختراعاً ولا تملك ما يجعله عنصراً تنموياً وحقيقة عملية تستفيد منها البشرية !!
المبدع الذي يصنع العربة ويحسب كل حساب لاستدارة عجلاتها ووزنها وسعتها لا يمكن أن يجعلها في خدمة البشرية إن لم يسعفه أحد بالحصان، والمبدع الذي بين يديه أوراق بيضاء صافية يريد أن يسطر عليها فكر التنمية الحقيقي بلا خوف أو مواربة، لا يمكن له أن يقدم فكراً ناضجاً ملتزماً إن لم يسعفه أحد بالقلم ، والمبدع الذي جمع الحطب وميّز صلبه من ليّنه الندي و رتبه بطريقة تجعله يشع بالضوء لا يمكن له أن يضيء قبساً من النار والنور إن لم يسعفه أحد بشعلة نار، والمبدع الذي يملك التصرف ببراعة على جهاز الحاسوب ليضع برامج التقنية ويذلل الصعاب لا يمك له أن يحقق ثورة تكنولوجية تسد الفجوة أن لم يسعفه أحد بكلمة السر، والمبدع الذي اخترع رجلاً آلياً وبرمجه ليفعل به ما يريد في خدمة البشرية – لا لدمارها – لا يمكن له أن يعطي أمر تشغيله إن لم يسعفه أحد بالكهرباء، وأما المبدع المخترع في أي مجال كان وخاصة في المجال الإنساني وخدمة الضعفاء لا يمكن له أن يدّعي أنه حقق لهم تأهيلاً شاملاً و أوفاهم حقوقهم إن لم يم يسعفه أحد بتمويل هذا الاختراع، والمسعف دائماً هي الدولة والحكومات.. وبغير ذلك فإن الإبداع ناقص.
ألا تعتقد أن الحكومات والدول العربية تقدر قيمة المبدعين وتكرمهم باستمرار، وأنت منهم فقد حصلت بموجب إبداعاتك واختراعاتك على وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى؟
- بداية أؤكد أني لا أنتقص في حديثي هذا من قيمة المبدعين العرب بصفة عامة والمبدعين السعوديين بصفة خاصة، كما أني لا أقصد إثارة ما يعكر صفو العلاقة بين المبدع ودولته أو حكومته، بل إني أفكر بصوت عالٍ وأنا أعلم حال الإبداع والمبدعين في الوطن العربي، وحيث أن مساحة الحرية والمكاشفة والوضوح في بلاد الحرمين الشريفين وخاصة في ظل عهدها الزاهر الميمون بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبدالعزيز – يحفظهما الله – تسمح لي بالتفكير بصوت عال وتتقبل كل صوت بصدر رحب وبحرية قلما تجد مثيلاً لها في العالم، في حين تكبت الحريات، وتوصد الألسنة في أماكن أخرى فإني أتحدث وأتناول طرحي على هذا الأساس.. ومن يملك أي طرح مغاير لي فصحافتنا ووسائل إعلامنا السعودية منابر حرة له.
أما وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى والذي تسلمته من يدي خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله – فهو شرف ما بعده شرف، وهو خطوة باتجاه الاستراتيجية الحقيقية المأمولة، وشهادة أمام العالم على تقدير الإبداع والمبدعين، ولكني أؤكد أنه في مجال العمل الإنساني يزيد العبء أعباءً، والحمل أحمالاً، والثقل أثقالاً، والمسؤولية مسؤوليات، فكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة بدأوا يلجأون إلينا كمرجع كرّمته الدولة وأنا للحقيقة أقول أني لا أعي حتى هذه اللحظة هل من ميزات هذا الوسام ما يجعل منّا مرجعية ؟ وأخاف أن يكون الجواب نعم.. لأني أنا شخصياً في ظل غياب الاستثمار التنموي الحقيقي لإبداعاتي واختراعاتي أعد نفسي فاقد المرجعية، فلا مجيب على نداء، ولا معين على مطالب ولكن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن أتخلى عن مسؤوليتي تجاه وطني وأبنائه وقادته الأفذاذ – حماهم الله -.
إذاً أين يكمن الحل.. ومتى نعي قيمة مقدراتنا الإبداعية ؟
- الحل لا يمكن أن يكون بيد مَن لا يملك قراره !! أما مقدراتنا الإبداعية فلا يمكن لنا أن نعي قيمتها ونستثمرها الاستثمار التنموي الأفضل إلا إذا أدرك طرفا المعادلة من مبدعين وحكومات واجباتهم في الإبداع المنتمي والدعم والرعاية التي تبادل المبدع ذات الانتماء، فإذا كانت الحكومات عاجزة عن الدعم سقطت حقوقها في المساءلة، وإذا كان المبدع غير مستعد لتقديم أية إجابة فلا يطلب الدعم من الدولة، أما إذا كانت الحكومات قادرة والمبدع جاهز لأية مهمة، فماذا يمنعنا من ركب التقدم والعالمية؟!.. لا شيء إلا إذا كانت معايير دعم الإبداع وتنصيب صناع القرار معايير لا علاقة لها بالعدل والمنطق.. فالمصيبة أعظم !!
ونهاية ماذا يقول البروفيسور الطريقي في ختام هذه المقابلة الجريئة؟
- أقول آمل أن يتسع صدر الجميع لما قلته، أو فكرت به بصوت عالٍ، وقد يدعي داعٍ أن في هذه الكلمات ضرب من التمرد أو التخاذل، فأقول له عبر صفحات أكثر صحفنا جرأة في الطرح في مملكة الإنسانية بكل معانيها أن التمرد والتخاذل لا يعيش إلا في النفوس التي تخاف أصلاً من التفكير وترفض نعائم الحرية والمكاشفة، لتظهر أول بأول ما قد يصبح كيداً نسأل الله أن يدفعه عنا.. والله من وراء القصد.
المؤتمر نت