نصر طه مصطفى -
أخيراً اتفق الفلسطينيون على تشكيل حكومة وحدة وطنية رغم المقدمات الدامية التي سبقت هذا الاتفاق والتي كانت توحي باستحالة وصولهم لمثله خاصة مع فشل كثير من الوساطات العربية سواء في وقف المواجهات المسلحة بين أنصار فتح وحماس، أو في إقناع الطرفين بتشكيل حكومة وحدة وطنية بعد أن وصلت دعوة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة إلى طريق مسدود، وبقدر الترحيب الشعبي الفلسطيني الكبير باتفاق مكة المكرمة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، فإن هناك صعوبات كثيرة تكتنف تنفيذه بلاشك بسبب التعقيدات التي سبقته والخلافات السياسية الجوهرية بين الطرفين الرئيسيين فتح وحماس تجاه عملية السلام والعلاقات الإقليمية وغير ذلك من الأمور. ومثلما نجحت الوساطة السعودية في جمع الطرفين وإلزامهما بالاتفاق بما تملكه القيادة السعودية من كاريزما وقبول وعلاقات جيدة معهما، فإنها بالتأكيد لن تقبل فشل تنفيذ الاتفاق الذي حشدت له قدرا جيدا من التأييد العربي والدولي إذ أيدته كل الدول العربية والإسلامية وعدد من دول الاتحاد الأوروبي التي تعتقد أن حماس أصبحت رقما صعبا يصعب تجاوزه في أي عملية تسوية سلمية. فالانتخابات التشريعية الأخيرة التي قادت حماس لأغلبية كبيرة غير متوقعة سببت حرجا كبيرا لكل الدول الغربية الداعمة للمشروع الديمقراطي في المنطقة، وبعد أكثر من سنة على هذه الانتخابات والتزام دول الاتحاد الأوروبي بالموقف الأمريكي في مقاطعة الحكومة الحماسية، بدا واضحا أن القطيعة لن تؤدي إلى نتيجة، وأنه حتى الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية فالساحة الفلسطينية ليست مهيأة لحرب أهلية ولا تملك أسباب اندلاع واستمرار مثل هذه الحرب ومن ثم فلا بد من حل ما، لذلك بدت الوساطة السعودية والنجاح الذي حققته مفتاحا لبعض الدول الغربية لمراجعة موقفها العدائي من حماس بحجة أن الحكومة هذه المرة ستكون مشكلة من الطرفين الرئيسيين في المعادلة. مضى على اتفاق مكة حتى الآن أكثر من أسبوعين، وبدأ الطرفان يتجاوزان مصاعبهما وشروطهما شيئا فشيئا، فصدر قرار الرئيس عباس بتكليف هنية بتشكيل الحكومة الجديدة في أجواء متفائلة تبادل الجميع خلالها القبل والعناق، في وقت كان رئيس الوزراء “الإسرائيلي” إيهود أولمرت يطلب من الرئيس عباس عدم تشكيل هذه الحكومة، وكذلك كانت الإدارة الأمريكية تلوح بأنها لن تعترف بها في حال تشكيلها، وجاء اللقاء الثلاثي الذي جمع عباس وأولمرت ورايس يوم الثلاثاء الماضي بالكثير من التوقعات حول الموقف الذي سيخرج به تجاه موضوع تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، ويبدو أن السكوت عن هذا الموضوع كان نتيجة لضغوط من الرئيس عباس بهدف إعطاء الحكومة فرصة كافية لتحديد موقفها من العملية السلمية، ناهيك عن أن الأمريكيين والأوروبيين لا يريدون أن يظهروا كأنهم وراء إفشال المبادرة السعودية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن طرفي الاتفاق (فتح وحماس) لا يريدان هما أيضا أن يخسرا المملكة باعتبارها الداعم السياسي والمالي الأساسي للشعب الفلسطيني في المنطقة، وهذا كله يعني أن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية تحظى بعوامل نجاح غير مسبوقة إن استطاعت توظيف الظرف الإقليمي والدولي الحالي ونجح طرفاها في توزيع الأدوار بينهما لإخراج الشعب الفلسطيني من أزمته الاقتصادية الحالية، وفي نفس الوقت إحراج المجتمع الدولي بمواقف سياسية مدروسة تمكنه من الضغط على “إسرائيل” خاصة بعد تأكيدات وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة على مبدأ الدولتين كحل وحيد للصراع. نجاح فتح وحماس في تحييد الوزارات الثلاث الرئيسية يبشر باحتمالات نجاح كبيرة لحكومتهما، ذلك بأن إعطاء الخارجية والداخلية والمالية لمستقلين سيجنب حماس - إن أرادت - الكثير من الحرج السياسي، إذ إن مصدر قوتها هو الأغلبية التشريعية التي تملكها وهذه الأغلبية كفيلة بأن تجنبها أي محاولات تهميش، وفي الوقت ذاته فإن ورقة فتح القوية هي علاقاتها الخارجية سواء مع الدول العربية الأكثر تأثيرا أو مع الولايات المتحدة والاتحاد الدولي، ومن ثم فإن هذه الميزة التي تملكها فتح قادرة - بالتنسيق والتفاهم مع حماس - أن تخرج الفلسطينيين من أزمتهم المعيشية الراهنة والحصار الاقتصادي الذي يعانون منه. إذاً، إن على الفلسطينيين أن يدركوا اليوم أن الفشل ممنوع لحكومتهم الموحدة، لأن الفشل لن يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني بل سيصب في مصلحة أطراف إقليمية مستفيدة من استمرار الأزمة بين فتح وحماس للأسف، وليس بينهما من ناحية و”إسرائيل” من ناحية أخرى، ولعل الهدوء الذي يسود الشارع الفلسطيني منذ اتفاق مكة المكرمة دليل على رغبة الطرفين في الوصول إلى حل، كما أنه دليل على قدرة قيادتي فتح وحماس على السيطرة على فصائلهما المسلحة وإجبارها على وضع سلاحها والكف عن إراقة الدماء على عكس ما كان يقال في بعض الأحيان من أنهما فقدتا السيطرة على هذه الفصائل. لا شك أن مواقف فتح واضحة تجاه الحل السلمي، ويبقى أن تكون رؤية حماس أكثر وضوحا باعتبارها أعلنت في أكثر من مناسبة قبولها بهدنة طويلة مع “إسرائيل” وهو تعبير يتسم بالحياء لمعنى صلح أو سلام، كما أنها أعلنت قبولها لمبدأ دولة فلسطينية على أراضي الضفة وغزة وهو يعني بشكل أو بآخر قبولها لفكرة وجود “إسرائيل” على أراضي ،48 وهذا يجعلنا نتساءل: هل يمكن لكل تلك المواقف المعلنة أن تتحول إلى خطوات تفاوضية برؤية وطنية موحدة ودعم عربي من أجل محاولة الوصول إلى حل دائم أو مؤقت يخفف عن الشعب الفلسطيني معاناته ويقوده إلى دولة حقيقية بدلا من السلطة الوهمية القائمة؟ الخليج الاماراتية