د. علي مطهر العثربي - < لم تتمكن القوى الأجنبية الطامعة في اليمن من فرض السيطرة عليه دون ايجاد أيادٍ عميلة لها في داخل الأرض اليمنية وبدرجة أساسية من أبناء البلاد نفسها، لأن القوى الطامعة في الموقع الاستراتيجي المتميز لليمن قد جربت عبر مراحل التاريخ القديم والمعاصر وأدركت تمام الادراك بأن اليمن صعب المراس لأنه محمي بالطبيعة الجغرافية المتنوعة وببأس وقوة رجاله الأوفياء الذين لم يفرطوا في قدسية التراب الوطني منذ آلاف السنين، وفوق ذلك محمي اليمن بإرادة الخالق جل وعلا الذي جعل مشكاة نور الحرية والسلام تنطلق من اليمن بشكل دائم، وجعل من أهلها أرق قلوباً وألين أفئدةً وهم رسل السلام إلى العالم ورجال عدالة وتسامح مع وجود الشواذ.
إن المتابع لمراحل التاريخ السياسي لليمن سيجد أن القوى الاستعمارية قد سلكت سبلاً شتى في سبيل فرض السيطرة والهيمنة على اليمن، وكانت كل وسائلها تبوء بالفشل وإن كانت قد نجحت في بعض المراحل في فرض السيطرة على بعض اجزائه إلاّ أنها لم تستطع فرض السيطرة الكلية على خارطة اليمن الطبيعية، وحتى تلك السيطرة المحدودة لم يذق فيها المستعمر طعم الراحة على الاطلاق، لأن مقاومة الاحتلال تظهر في كل شبر من قداسة التراب اليمني، وكانت أفظع الوسائل التي توصل إليها الطامعون في اليمن هي زرع الشقاق والفتن في اليمن وتحريض طرف على الآخر.
إن ما تشتهده اليوم اليمن من الأزمة السياسية الراهنة لايعدو أن يكون تكراراً للماضي القريب والبعيد على حدٍ سواء، فلو أمعن الدارسون للمظاهر السياسية لوجدوا أن اليمن استطاعت خلال نهاية القرن الماضي خصوصاً قبيل انتهاء العقد قبل الأخير تحقيق الاستقرار السياسي الذي قاد اليمنيين إلى إعادة لحمة اليمن الواحد في بداية العقد الأخير من القرن المنصرم، وذلك لأن أهل اليمن اصحاب حكمة وإيمان استطاعوا أن يقتنصوا فرصة انشغال القوى الطامعة في تراب اليمن وبحارها وجزرها وشطآنها وجرفها القاري وسواحلها وواحاتها وهضابها وجبالها وصحاريها وقصورها الشاهقة، فاقتنص اليمنيون تلك الفرصة الذهبية وأقدموا على إعادة لحمة الوطن في 22 مايو 1990م.
إن ذلك التغيير الجذري الذي أحدثته وحدة اليمن أرضاً وإنساناً ودولة وضع العالم أمام الأمر الواقع، ولم يكن أمام القوى الطامعة غير المراوغة والتكتيك وبناء الاستراتيجيات لتدمير اليمن، فتارة بحجة الإرهاب تحشد أساطيلها وأخرى تتهم اليمن بأنه دولة فاشلة، ولم تكن القوى الطامعة في اليمن واحدة موحدة بل متعددة ومتناقضة في الأهداف والنوايا، والأكثر من ذلك أنها قوى تكن لبعضها البعض عداوة وأحقاداً شديدة، وهذا من لطف الله باليمن..
ولم يكن أمام كل تلك القوى الطامعة إلا أن تتبنى لها عناصر من الداخل استطاعت إجراء غسيل دماغ لتلك العناصر ودخلت لليمن عبر تلك العناصر المخدوعة والمغفلة باسم الدين وكل القوى المتآمرة والمتناحرة اتفقت أو تلاقت رغباتها في تدمير اليمن عبر عناصر الفتنة باسم الدين وحاولت أن تجعل من أرض اليمن ساحة للتصفيات والانتقام من بعضها البعض بتلك العناصر المأجورة وعلى ثرى اليمن لتجعل اليمنيين يقتلون بعضهم بعضاً.
إن القوى الواقعة في إطار القارة الآسيوية أو قارة أوروبا قد وجدت السبيل الذي اثلج صدرها من خلال عناصرها التي تمكنت من كسبها إلى صفها وبما يحقق الرغبات الشخصية والنفسية لتلك العناصر، ولم تجد القوى الأجنبية المتصارعة على اليمن غضاضة من اتفاق عناصرها التدميرية في اليمن مادام الأمر سيؤدي إلى إنهاء الكيان الإنساني لليمن، ومسألة الصراع بين تلك القوى على أرض اليمن تم تأجيله وحددت تلك القوى ثلاثة عناصر أساسية لاسقاط اليمن ووقوعها تحت رحمة الطامعين وهي: تدمير القوة العسكرية، وتدمير العلم والمعرفة، وتدمير الاقتصاد الوطني، واعدوا لذلك خططاً واستراتيجيات منها كسب عناصر لديها اطماع واحقاد على النظام السياسي، والتغلغل في الأحزاب السياسية، واستغلال منظمات المجتمع المدني لإعداد عناصر فاعلة لاشعال الفوضى والتخريب والتدمير، وذلك ما شهدته الأزمة السياسية خلال عشرة أشهر، ولكن الله سبحانه وتعالى خيب آمال المتآمرين على اليمن وافشل استراتيجياتهم العدوانية على مقدرات اليمن ودماء اليمنيين، لأن الشعب قد استوعب أساليب المؤامرات الخارجية من خلال عناصرها في الداخل وكان الجميع لها بالمرصاد وكان اعتصام الشعب بحبل الله هو طوق النجاة عندما حافظ على الشرعية الدستورية وحمى التجربة الديمقراطية والتعددية السياسية.. فهل تدرك القوى التي مازالت تمارس القتل ضد الشعب داخل تكتل اللقاء المشترك، أنها تخدم الأعداء بأفعالها وتنفذ مخططاتهم العدوانية على السيادة اليمنية؟نأمل ذلك..
|