د. عبدالعزيز المقالح -
جاءت اتفاقية الطائف الشهيرة بين الأشقاء في لبنان لوقف الحرب الأهلية التي كان عمرها الأسود قد بلغ الخامسة عشرة من السنين العجاف وكادت تعود بلبنان إلى القرون الوسطى. ويبدو أن المطلوب الآن طائف أخرى لكي توقف خطر الانحدار نحو حرب أهلية جديدة لو حدثت فلن تكون هذه المرة بأسلحة تقليدية عفى عليها الزمن وإنما بأسلحة من طراز جديد من شأنها ومن شأن الحرب الأهلية لو عادت، لا سمح الله، أن تعيد لبنان إلى القرون الأولى وتجعل ابناءه قبل اشقائهم يقولون بكل ما في اللغة من أحزان: لبنان كان هنا.
لقد اختلف اللاعبون في لبنان اليوم عنهم بالأمس، وتطورت المبررات الداعية إلى فتنة تؤدي إلى حرب، لكن الأسلوب لم يختلف كثيراً، وهو استفزاز المشاعر وإصرار كل طرف على أنه يمتلك كل الحقيقة وليس لخصمه شيء منها، وتلك كلها بوادر خلافات يمكن نزع فتيلها في الوقت المناسب إلا أن العدو المتربص بلبنان وبغير لبنان لن يفوته استغلال الخلافات أياً كان مستواها وأياً كانت أسبابها ولن يدع الفتيل في يد العقلاء من الأطراف المتنازعة، سوف يسحب الفتيل ويشعل أطرافه بيده أو بأيد أخرى وحينئذ تحدث الكارثة ويجد العقلاء والجهلاء أنفسهم وقد أصبحوا وقوداً لمعركة ما كان أحد يتوقع أن تصل إلى ما وصلت إليه.
وبما أن الطائف مدينة عربية مفتوحة، وهناك مدن عربية أخرى مفتوحة أيضاً على استعداد لاستقبال الفرقاء المتخاصمين على اللاشيء فإن في إمكان الباحثين عن حلول تضمن إذابة الجليد الذي تراكم طوال شهور الشتاء، وأن تقطع الطريق على الأعداء الذين لم يعد لهم من هم في العالم سوى إشعال الحرائق وتدمير الشعوب وتمزيق نسيج الوحدة بين ابنائها، وليس ما يحدث للعراق ببعيد، إنه النموذج الذي ينوي الأعداء تطبيقه بإخلاص على شعوب المنطقة، وقد اعترفوا ولا يزالون يعترفون بأنه سيكون نموذجهم لبقية الأقطار العربية، وهو نموذج بشع، وما أظن مواطناً عربياً يمتلك ذرة من ضمير يوافق على أن يتكرر ذلك النموذج في وطنه أو بالقرب من وطنه.
إن الحقيقة التي لا تقبل الشك تقول وتكرر القول إن لبنان لا يستحق ما يحدث له، وإن لبنان لا يتحمل حرباً أهلية ثانية، وإن لبنان سيبقى مركز الاشعاع العربي إبداعاً وفكراً وعقلانية، ومن المؤكد أن ابناءه سوف يستجيبون لنداء الاخوة، وإذا ما احتاجوا إلى طائف أخرى فلن تتردد الطائف ولن يترددوا عن الإنصات إلى صوت الحكمة والعقل، ومهما وصل الحال بالاستفزازات، والاستفزازات المضادة فإن طريق الاحتكام إلى المنطق لا يزال هو الباب المفتوح على مصراعيه، وذلك ما سوف يتم قريباً جداً رضي الأعداء أم كرهوا، فالتجربة المريرة التي دخلها لبنان منذ منتصف السبعينات وحتى أواخر الثمانينات لن تتكرر ولن يجد النافخون في قربتها المقطوعة فرصتهم الثمينة لسبب واحد ومهم هو أن لبنان المتسامح يحب ابناءه ويعشق الحياة.
نقلا عن الخليج