د. عبدالعزيز المقالح -
كما ترحل النسمة الرقيقة عن الأفق في صيف ملتهب، وكما تختفي النغمة الجميلة في زمن الأصوات النشاز رحل الشاعر الكبير محمد حسين هيثم، واختفى بجسده فقط، بينما بقيت أعماله تثري واقع الحياة الأدبية والفكرية محلياً وعربياً. وأعترف أنه واحد من المبدعين الكبار القلائل الذين أقنعوني بأن الإبداع سموٌّ في الأخلاق وفي طريقة التعامل قبل أن يكون سموَّاً في المعاني وأسلوب العبارات المكتوبة أو المنطوقة.. وحين تلقيت نبأ وفاته فجر الجمعة الماضي ظننت في البداية أنه جزء من بقايا كوابيس الليل يتسلل عبر الهاتف لأن الشاعر الكبير، رغم معاناته من متاعب صحية تعاوده بين حين وآخر، كان قادراً على مقاومتها وأحياناً على تجاهلها بانخراطه في الإبداع وبمحبته للناس وللشعر ولكل ما هو جميل وصادق في الحياة. وعندما أشرقت شمس ذلك اليوم بأشعتها الداكنة كان النبأ قد أصبح حقيقة، ليس عبر أسلاك الهاتف الميتة وإنما عبر اللحظات الحزينة التي تمثلت في وقفة صامتة خاشعة حول الجثمان النبيل الطاهر المسجى في سرير المستشفى، وفي كل عين دمعة وفي كل قلب ما لا يحصى من الدموع. كنا قبل يومين فقط نتحدث عن مشاريع كبيرة، عن ديوان جديد وعن دراسات نقدية مطولة، وعن استكمال قراءة الكتب الكثيرة والبديعة التي حملها العزيز محمد معه من معرض الكتاب الأخير في القاهرة: روايات، دواوين شعر، كتابات فكرية راقية.. كان يمسك بعضها بيديه في حنان وهو يقول: هذا كتاب مدهش، وهذا بديع، وهذا الكتاب تعبت كثيراً في البحث عنه في عدد من المكتبات إلى أن عثرت عليه، سأقرأه من الغلاف إلى الغلاف، ومعروف عن شاعرنا الكبير أنه كان يتلذذ بالقراءة، يستعيد الصفحة مرة ومرتين، ولا يبخل على الأصدقاء في تقديم خلاصة ما يقرأ ليشاركوه الفائدة والمتعة. وبالمناسبة، لقد عرفت السبعينيات من القرن القريب الماضي كوكبة من المبدعين الذين تعتز اليمن بحضورهم فيها ويعتزون بحضورها فيهم. وكان هيثم - دون انتقاص من الآخرين - واسطة العقد وأول السابحين في بحار اللغة، كان جديداً ومجدداً، يغترف من ذاته ويحلِّق في فضاء خاص به، وقد ظل ذلك الفضاء يمتد ويتسع دون أن يغير من تصاعده أو يعكر من صفاته مدح مادح أو قدح قادح، فقد كان يعرف نفسه جيداً، ويدرك من هو في عالم القصيدة وفي دنيا الفرادة الإبداعية، يتقبل آراء الزملاء وآراء الآخرين بصدر رحب، إنه بلا أدنى مبالغة أرحب صدر عرفته الحياة الأدبية في بلادنا. ولا مناص من أن نتذكر أن محمد حسين هثيم ظهر في مدينة الشعر مكتملاً، وكان ديوانه الأول "اكتمالات سين" تعبيراً عن ذلك الاكتمال والنضج المبكر. بعض الشعراء الكبار في بلادنا وفي الوطن العربي والعالم يبدأون صغارا ثم يكبرون، أما هو فقد بدأ كبيراً وظل يكبر ويضيء وتمتلئ كلماته بما ليس لكلمات الآخرين من رؤى ومعانٍ وأضواء.. كل قصيدة كان يكتبها محمد حسين هيثم تفوق سابقتها وتضيف جديداً إلى شعره وإلى الشعر العربي الحديث الذي استمرت إضاءته تتقدم وتتطور بفضل متابعته ومتابعة أمثاله ممن يكتنزون في ذواتهم عوالم من الإبداع الذي لا يدركه النقص ولا النفاد. إنني حزين لرحيلك أيها الشاعر، أيها الصديق، البلاد حزينة عليك، والشعر والشعراء، زملاء العمل، رفاق المسيرة المرهقة الطويلة بكل ما حملت من تجارب جميلة مثمرة وأخرى عقيم، كلهم في غاية الحزن لرحيلك المفاجئ. وسيطول حزننا جميعا عليك، وستبدو الأيام المقبلة بالنسبة لنا قاتمة حين لا ترى وجهك المشرق يضيئها بابتسامة هي الأصدق والأنقى في زمن الابتسامات المغشوشة والكاذبة. الشاعر حسين بن حسين اسكندر اليافعي في بحور شعره الشعبي: العنوان الذي اختاره الشاعر حسين بن حسين اسكندر اليافعي لديوانه هو (من بحور ابن اسكندر) ويضم الديوان أربعة محاور شعرية: المحور الأول "قصائد الحكمة والتأمل والابتهال إلى الله"، والمحور الثاني: "القصائد الوطنية والسياسية والتوعوية"، والمحور الثالث: "القصائد الاجتماعية". أما المحور الرابع والأخير فعن "المساجلات والزوامل والألغاز الشعرية". والشاعر حسين اسكندر اليافعي يتولى مهمة المسؤول الثقافي بجمعية الشعراء الشعبيين في اليمن، يقع الديوان في 173 صفحة, وصدر عن مركز عبادي للدراسات والنشر. تأملات شعرية: من رأى وجه "غيمان" في آخر الليل وهو يواري عن الفجرِ دمعتَهُ، من رآه يصلِّي وعيناه عالقتان بسقف الزمنْ؟! من رآه يشيل الجنازةَ في كفهِ وكأن الجنازةَ كلُّ البلاد وكلُّ اليمنْ؟ نقلاً عن الثورة