احمد الصوفي - كل إنسان يخلق محاطاً بالقيود الأزلية، فهو لا يختار اسمه أو ينتقي من يكون أباه أو أمه، ولا يستطيع أن يصطفي لنفسه بلداً ينتمي إليه ولا اسماً يخبئه ليتفرد في صباه ورشاده، لكنه يملك فسحة اختيار معاركه والتمسك بمبادئه وأين يضع حياته ومستقبله، بل كل ما أنجزه في رهان لحظة تاريخية إما تجعله من الخاسرين، وإما تضمه إلى زمرة الفالحين. خلال العامين المنصرمين وجدتني في خضم معركتين، إنحزت بوضوح الى صف واضح الملامح وقضية نبيلة هي كانت الأولى: الوقوف في صف الوفاق الوطني أم التمسك بالديمقراطية، الثانية: التمسك بالشرعية الدستورية أو الانسياق وراء هديل الربيع العربي الذي قرر الإطاحة بكل الديكتاتوريات، وحين أتى الى اليمن كنت أعلم علم اليقين أنه يريد الإطاحة بالديمقراطية وليس لأنه لم يجد ديكتاتوراً كليبيا.. أو بوليسياً كتونس أو شمولياً كثقافة الحزب الوطني فقرر الإطاحة بصالح ونظامه.
جميع الذين رصدوا تحركات الصوفي ومواقفه والمعهد اليمني لتنمية الديمقراطية يمكنهم أن يدركوا وبوضوح تؤكده حقائق التجربة أن اتفاق فبراير الذي قاومت فكرة نشوئه وشككت بمصداقيته واتهمت صناعه بأنهم يخططون لتدمير المؤسسات الديمقراطية وتعطيل السياق الديمقراطي وينسفون البيئة القانونية المكونة لمصادر الشرعيه بانتزاع شرعية البرلمان من جهة عبر صيغة الاتفاق.. ومن جهة أخرى منع الشعب اليمني من ممارسة حقه في اختيار نواب يمثلونه، ولأنني أعلم ومتمسك بأن الديمقراطية هي للشعب ومن أجل الشعب وعبر تمكين أفراد الشعب فقد ناهضت ذلك الإتفاق الذي مهد لتحول خطير في النبرة والتوصيف للحالة اليمنية، برفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» وهو ذات الشعب الذي حرمه من ممارسة حقه بذريعة فشل الحوارات وعدم مصداقية رئيس البلاد وحزبه، ولكن هذه المرة كان الهدف إغتيالاً سياسياً لآخر معاقل الشرعية الدستورية، أي الرئيس علي عبدالله صالح، الذي وجد نفسه في خضم عاصفه هائجه وخطاب إعلامي تحريضي ومشاريع سياسية أقل ما توصف بأنها تصفوية.
لقد تخندق الذئاب وغادرت الثعالب خنادقها لتنضم الى مائدة اللؤم السياسي وتشكلت انحيازات إقليمية وتنامى الضغط الدولي، بل إن الأمر بلغ حد اقتباس موهبة 13 يناير 1986م في فن الإغتيال بعد فشل محاولات الاغتيال السياسي والإعلامي، وكانت الأشهر العشرة وهو الوقت الذي تصعدت وعاشت خلالها خياراتنا محنة الوقوف في وجه مؤامرة قرروا أن يسموها ثورة، ورجل وصف بالديكتاتور وهو واضع مداميك الديمقراطية، ودفنوا مشروع التفتيت والتفكيك للمؤسسات وهو من وحَّدها وأجرى في مفاصلها دم التحدي. في هذا الوقت كانوا يصفون موقفي بأنه يعود الى المصالح التي تربطني بصالح وأن هذا الأمر مدعاة شعور بالخزي وجريمة استحق عليها أن أدرج في قائمة من ينتظرهم الموت إذا ما انتصرت رغباتهم المتعطشة للسلطة وجميعهم يعلمون أنه ليس لدي مصالح خارج ماهو شرعي وقانوني وفي إطار اللوائح التي تنظم الوظيفة العامة وتطبق على كل العاملين في جهاز الدولة، ويعلمون كذلك أنه ليس لدي استثمارات ولا أملك صلاحية صرف مالي، كما أن الوقت الذي تواجدت فيه في محيط الرئيس لا يسمح حتى بحفظ أسماء من يعملون معه أو اكتشاف آلية العلاقة مع هذا المكون الحساس والمدهش في طريقة أدائه، الأمر الذي جعل العديد ممن يطلقون على أنفسهم «صناع الثورة» لا يكلون أو يملون من تأكيد أن مكاني هو بينهم في ساحة الجامعة، وكلما أوضحت لهم أنني مع تغيير افضل لا يهدر المكاسب التي أنجزت يلتبس عليهم الأمر ويستنكرون من حيث المبدأ الاعتراف بأن للرئيس ما يمكن إدراجه في خانة المنجزات كانت وليمة وحشية الكل إنخرط بفعل النكاية أو المصلحة لينجز مهمة إغتيال الرئيس وتاريخه السياسي وكان من واجبي الوطني والأخلاقي أن أقف في صفه لثلاثة أسباب هي:
1- أن الرئيس علي عبدالله صالح جاء الى السلطة عبر إنتخابات تنافسية ونتائجها قانونية وقبل بها من نافسوه، وبالتالي لا يمكن لأي شرعية ثورية أو غيرها ان تحل أو تنافس أو تبرر وجودها في مواجهة سلطة رجل استمدت من الانتخابات وليس لأحد أن ينازعه عليها بعد وقت طويل من ممارستها وتموضع إرادته في قلب المؤسسات والهياكل وكذا في صميم التاريخ السياسي للبلد.
2- وقفت الى جانبه لأنني اخترت الانحياز الى الشعب اليمني الذي مارس بثقافة حضارية إرادته وميز بمحض حريته وأعمل مراس خبرته ليختار علي عبدالله صالح، ومثل هذا الاختيار ليس أبدياً، بل يمكن حماية حق هذا الشعب ليس باعلان ثورة وقطع الطرقات وتدبير الاغتيالات واختطاف الصحفيين والتعدي على المنشآت العامة واشعال النعرات القروية والمناطقية، وغرس قيم نبذ وتداول ثقافة الاقصاء والمصادرة وتحويل اليمن -أرضاً وإنساناً ومؤسسات- الى حقل تجريب كل مواهب الدجل والتضليل والإفتراء كان يمكن عوضاً عن ذلك أن يطالبوا بانتخابات مبكرة ويؤمنوا دروب الوصول الى يوم الاقتراع عبر التمسك باكثر معايير النزاهة والشفافية والقانونية والتنافسية مع تأكيد عدم ترشيح الرئيس لنفسه.
أليس هذا الحق الذي نتقاسمه جميعاً كشعب قمينٌُ بالدفاع عنه والذود عن حياضه لأن الشعب هو مالك السلطة وتقولون بأنكم الشعب وترفضون إختبار إرادته إن كانت تنحاز الى الساحة أو تتمسك بالشرعية.
3- لا يمكن لشعب يهين زعماءه ويتنكر لفضائلهم وانجازاتهم ان ينبت زعماء من بين صفوفه يمكن الاعتماد على نزاهتهم وشرف مقاصدهم، كما ان شعباً يراقب تفاصيل مأساة محاولة اغتيال الرئيس وأركان مؤسساته الاستشارية والتنفيذية والبرلمانية يمكنه ان يقدم رئيساً يجسد إرادة شعبه لأنه سيكون نهباً للخوف من قتلة قادرين على الوصول الى فراش نومه، ومتربصين لمواقفه، ومتقرصنين على إرادته فمثل هذا الرئيس سيكون لعبة بيد من يستطيعون قتله كما أنهم يستطيعون حمايته طالما التزم أن يكون مطية لرغباتهم وصدى لأصواتهم، وعنوان أجندتهم، ودليل اغتصابهم لسلطة لا يستحقونها.
باختصار وقفت في صف رئيس شرعي وتمسكت بحق شعب وحده صاحب السلطة في اختيار أن يضع ثقته.. وثالثاً حتى لا يأتي رئيساً من جوف المؤامرة والخوف ويشق طريقه الى الكرسي من بوابة الدم والجريمة وبرنامجه السياسي استكمال فصول المؤامرة.
لهذا كله.. يحق لي أن أكاشف القارئ أن معركتي انتهت بتوقيع الرئيس على المبادرة بعد أن أمن الشروط التي تبرر هذا التوقيع ونجح في صيانة مصالح الشعب وجنب البلاد مهالك التناحر والفوضى وهذا وحده مصدر اعتزاز لأننا انتصرنا على جنون الربيع العربي وهزمنا واحدة من أسوأ المخططات التي تخفت وراء صيحات الشباب، وفي نفس الوقت لم نحل دون حدوث التغيير.
إن هذا الجمع العبقري بين الشعور بالنصر والإعتراف بأن لا أحد هزم أو انتزعنا منه النصر.. بين رئيس تمكنا من خلاله إعطاء فكرة التغيير -روحاً وعقلاً ومثالاً- يجعل من الدرس اليمني أيقونة كل تغيير إيجابي يمكن التفكير أو العمل به، انتصرنا لأن الشعب معنا ولم نهزم معارضينا لأنهم أيضاً جزء من هذا الشعب الذي عليه أن يتعلم الدفاع عن الحق والفضيلة والشرعية. |