بقلم الشيخ/ موسى يحيى المعافى -
لازالَ صعترُ يمضي في الضلالات
ويُرشدُ الناسَ جَهراً للعداواتِ
لازالَ يكذبُ باسم الدين واعجباً
أمِنْ هُدى الدين تفريق الجماعاتِ
أمْ هَلْ مِنْ الدينِ أن نغتالَ عزتنا؟
ونُحرقنّ إخانا بالنزاعاتِ
أم هَلْ مِنْ الدين أن نفني مكاسبنا
والمنجزات ونطغى في الخطاباتِ
أمْ يا تُرى هلْ مِنْ الإسلام فرقتنا؟
والاقتتالُ وتهجيرُ السعاداتِ
يا صعَتر «الشَرِ» يا قلباً يعيشُ بهِ
إبليسُ.. يكفيك تصعيدَ الخلافات
الدين حُبٌ فأين الحُبُ في خُطبٍ
تدعو بها أنتَ فينا للصراعاتِ
عُبِّدت للهِ لكني أراكَ هُنا
عَبّدت نفسك «طوعاً» للريالاتِ
ثقافةُ الكُرهِ والبغضاءِ تنشرُها
فمَنْ لِصَالحِه ذكُ العلاقاتِ
القتلُ والهدمُ يا هذا لصالح مَنْ
أم مَنْ لصالحِه ذبَحُ الأُخواتِ
لولا خطاباتكم لمْ يغلِ شارعُنا
كلا ولا عاشَ شعبي في المعُاناتِ
مساكنٌ هُدمتْ والساكنون بها
قَدْ شُردتْ واستقت كأسَ المراراتِ
ويتُمت بأيادينا طفولتنا
واستهدفُ الأمنُ فاسودت صباحاتي
وحورب الناسَ حتى في معايشهم
وأُزهقت أنفسُ الناس البريئاتِ
واستهدِف النفطُ مثل الكهرباء فما
تبغون بعدُ بتسخين البياناتِ
يا صعتر الشر لا كُرهاً أهاجمكم
لكنه الحبُ يُهديك انتقاداتي
فأنت شيخٌ جليل والحريُ بكمْ
أنْ ترشدونا إلى بر السلاماتِ
وأن تكونوا مصابيح تضيء لنا
طريقنا لارتقانا والنجاحاتِ
أن تزرعوا في قلوب الناس معرفة
بالخالق الحق جبار السماواتِ
اهدأ أيا شيخُ بالرحمانِ أسألكمُ
فالمحنةُ اليوم آلت للنهاياتِ
وهدئوا فتية الساحات والتزموا
قواعد الصُلحِ، خلوا للعِنَاداتِ
لاشك أن- القارئ الكريم- يعلم الكثير والكثير عن الإسلام.. عن سماحة الإسلام.. عن الوسطية والاعتدال في دين الإسلام.. هذا الدين العظيم الذي أزال الله به فرقتنا.. وبه جمع كلمتنا وبه وحد صفنا.. وبه بلسم جراحنا.. وبه أعلى مكانتنا.. وبه أغنى فقرنا.. وبه أضاء دروبنا.. وبه حقن دماءنا.. وبه هذب أرواحنا.. وبه خلد ذكرنا..
نعم.. لقد جاء الإسلام ليصنع من أمة ضعيفة بائسة تتخبط في ظلمات الجهل والضلال أمة قوية.. عزيزة.. مبصرة.. وأهَّلها سبحانه وتعالى لتتحول إلى سيدة للأمم بعد أن كان أفرادها يشتغلون برعي البقر والإبل والغنم..
رفعها الله بعد أن كانت وضيعة.. وشرفها وأكرمها بعد أن كانت مهانة وهذبها وعلمها بعد أن كانت جاهلة ضائعة ضالة.. وأغناها بعد أن كانت فقيرة.. وأعزها بعد أن كانت ذليلة مُذلة.. ورفع شأنها بعد أن كانت محتقرة.. وأعلنها أمة واحدة على اختلاف السنتها وألوانها وقبائلها وأفكارها ومذاهبها فأصبحت جسداً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.. وسواها كالبنان أو كالبنيان يشدُ بعضه بعضاً.. فكانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.. وإن اختلفوا فيما بينهم ردوا خلافاتهم ونزاعاتهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.. عملاً بقول خالقهم الكريم: «فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر».
وبهذا الدين العظيم عصمت دماؤنا وأموالنا وأعراضنا.. فهو دين العزة والكرامة ومتى طلبنا العزة في غيره أذلنا الله.
واليوم ونحن في يمن الإيمان والحكمة نبتعد عن هدي هذا الدين وننسى قواعده السمحة..
اليوم.. ونحن ننسى أو نتناسى أن رازقنا هو الله ومعزنا هو الله ومذلنا هو الله ومعطينا وما نعنا هو الله ورافعنا وحافظنا هو الله ومحيينا ومميتنا هو الله.. نختلف فيما بيننا ونتنازع فيما بيننا.. ونعيش ما يزيد على عشرة أشهر، نعيش فترة عصيبة.. قُطعت فيها صلاتنا.. وهدمت ديارنا.. وشردت أسرنا.. وأُزهقت أرواحنا.. وأُريقت دماؤنا.. وقطعت ألسنتنا.. وضربت ظهورنا.. وأرهب أمننا.. ويُتمت أطفالنا.. ورُملت نساؤنا وثكلت أمهاتنا.. وهجرت أفراحنا ونحرت سعادتنا.. وبكت عيون يمننا.. ودمرت منجزاتنا.. وقطعت طرقاتنا.. وخربت منجزاتنا وتدنت أخلاقنا.. وزعزع أمننا واستقرارنا، واستهدفت أنابيب نفطنا وكهرباؤنا.. وتراجع عن النمو اقتصادنا.. وبدت العداوة والبغضاء فيما بيننا.. وتدخلت رأفة الله ورحمته فأشرقت في ليل الخلافات والنزاعات الحالك الظلمة أشرقت أنوار مبادرة اخواننا في دول مجلس التعاون الخليجي.. واستجاب ولي أمرنا وحكيمنا الرئيس علي عبدالله صالح- حفظه الله- وأبدى تواضعه بينما تكبر المعارضون.. وأظهر صدقه بينما كذب المعارضون.. ووجه بضبط النفس وعدم الاعتداء بينما اعتدى وطغى المعارضون.. ووقع بنفسه على المبادرة الخليجية مبتسماً مستبشراً رغم أنه بتوقيعه يعلن تخليه عن الجاه والسلطة والسلطان والعظمة والهيلمان.. ويغلب مصلحة الوطن العليا على مصالحه الذاتية.. وفرحت الأمة كل الأمة التي احبت اليمن وطناً غالياً عظيماً.. فرحت بهذا النصر العظيم الذي يجنب الله به اليمن ويلات الحروب والدمار والاقتتال فيما بين أبناء الوطن الواحد.. وشكلت «حكومة الوفاق الوطني» وأعلن المؤتمر الشعبي العام وقف المسيرات والمظاهرات والمهاترات الإعلامية ليترك فرصة لحكومة الوفاق الوطني تعمر فيها ما خربته الأيادي الآثمة وتصلح فيها ما أفسدته الفئة المأجورة.. وتعمل فيها على اخراج البلاد من هذه المحنة التي نتجت عن هذه الصراعات، ولكن المؤسف، والمؤسف جداً أن يستمر اخواننا في التصعيد والتحريض والسباب والشتائم الجارحة والأقوال البذيئة والاعتداءات المتكررة..
والأعظم من ذلك أن يرتقي خطباؤهم المنابر ويصورون الحق باطلاً والباطل حقاً والصدق كذباً والكذب صدقاً والأمانة خيانة والخيانة أمانة والبِّر فجوراً والفجور براً والهزيمة نصراً والنصر هزيمة.. والفضائل رذائل والرذائل فضائل.. فيا للأسى والأسف إذ يجنح القائد والحكومة الرشيدة إلى السلم ويواصل مهندس الفتن عبدالله صعتر- هداه الله- خطاباته البركانية التي تهدم ولا تبني وتفرق ولا تجمع وتمزق ولا ترقع.. وتبعثر ولا تُلملم.. وتلهب الجراحات ولا تُبلسمْ..
إنها الخطابات التي تنضح بالعداوة والحقد والبغضاء والكراهية والشحناء.. فإلى فضيلته وكل من نحى منحاه من الخطباء والمرشدين.. أقول: «أنِ اتقوا الله وخافوا يوماً كان شرُه مستطيرا»..
اتقوا الله ويسروا ولا تُعسروا وبشروا ولا تنفروا واجمعوا ولا تفرقوا واصدقوا ولا تكذبوا.. فوالله ليسألنكم الله ويحاسبكم حساباً عسيراً.. فلماذا عن الحق تعدلون؟ ولثقافة الكره والبغضاء تسوقون؟ ولإحسان الزعيم القائد تجحدون؟ ولماذا للعهد والميثاق تنقضون؟ وللفتنة النائمة لماذا توقظون؟ ولشبابنا وشاباتنا تضللون؟ وبأبناء الأمة تغررون؟ ولأمانة العلم تخونون؟ ولسفك الدماء تبيحون؟ ولسمعة اليمن المجيد تشوهون؟ ولمنجزات شعبنا ومقدراته تخربون؟ وللآمنين تروعون؟ وللصلات فيما بيننا تقطعون؟ ولمبادرات اخواننا في الخليج الرامية إلى إخماد نيران اختلافاتنا ونزاعاتنا ترفضون؟ وللمشاكل لإزهاق روح هذه المبادرة تفتعلون؟ ولإثارة الدمار والفوضى تصعدون؟
وختاماً أتساءل يا صعتر الفتن ويا كل مَنْ انتهج نهجه واقتفى أثره: إن سألتم في يوم العرض الأكبر من الملك العظيم بهذه الأسئلة.. فبماذا عساكم تُجيبون؟