مطهر الآشموري -
< كنت مستضافاً في فضائية «سبأ» مساء التوقيع على اتفاق المبادرة الخليجية، وحينما طرحت بأنه لا يفترض الإفاضة في مدح الرئيس أو يصبح هذا المدح محورية أو قضية انفعلت المذيعة بعفوية وتلقائية أتفهمها.
وكنت مستضافاً بعد تشكيل حكومة الوفاق لمرتين عبر ذات الفضائية واحدة عبر الهاتف وأخرى بالمشاركة فيما آخرون شاركوا عبر الهاتف.
لقد تغيرت الأجواء وأصبحت بأعلى سقف قدراتي معنياً بالدفاع عن الواقع والواقعية، فيما لم يعد مثلي أو المذيع يستطيع الترافع والدفاع عن الرئيس إلاّ في إطار هذه الواقعية والواقع وما يربط أو يرتبط كقضايا ومتغيرات أو قراءات واحتمالات.
من حق وزير في حكومة شراكة ووفاق الطرح بأن حق الاعتصامات والمظاهرات السلمية مكفول في الدستور، ولكنه ليس من حقه التوجيه باستمرار اصطفاف ما سميت ثورة سلمية في الميادين والساحات لأن الأولوية أن تلزم كل الأطراف السياسية الموقعة على المبادرة أنصارها الانتقال إلى الموقف السياسي الجديد لهذه الأطراف أو لهذه الأحزاب، والوزير في حكومة الوفاق لايرفض فقط تنفيذ خطوة ملزم بها كل طرف وقع الاتفاق، بل يمارس التوجيه بالاستمرار من خلال التلفزيون أو الفضائية الحكومية.
هذا التثوير والثورة التي يدعو وزير لاستمرارها إنما يريدها ضد شريكه في الوفاق ويراد مركزتها ضد الرئيس علي عبدالله صالح وبعد توقيعه على الاتفاق والآلية المزمنة.
علي عبدالله صالح كرئيس لم يعد ذلك الذي ينصف بالطريقة أو الكيفية التي تصورته مذيعة مساء التوقيع على الاتفاق وإنما بات خلال أسبوع الطرف الأضعف حتى في هذه الفضائية.
هو ليس الطرف الأضعف من ضعف قوة وقدرات أو مشروعية وشعبية ولكن من انعدام الواقعية لدى أطراف المشترك في أثقالها حين تتموضع بين شعارات الديمقراطية والثورية وبين فكرها وتفكيرها وثقافاتها الشمولية.
إذا طرف سياسي في المشترك كما يعرف أبناء اليمن في الكثير من المناطق قام بحشد وتجييش أنصاره ومليشياته خلال الأزمة للقتال في أرحب وأبين وتعز وغيرها فالمشروعية أو الوطنية هي أقوى في إلزام أتباعه أن يسيروا في الموقف السياسي الذي سار فيه وغير ذلك هو عدم التزام بتنفيذ الاتفاق والمبادرة.
منذ دخول التلفزة حتى الفضائيات حياتنا العربية فإني أتحدى وجود حالة كما اليمن حيث لكل من يريد نسف الحاكم نسفاً وبلا موضوعية ولا إنصاف وفي فضائيات خارجية ومحلية تطور إلى الفضائيات الحكومية ولا يحدث له أو معه شيء وهو يعيش في اليمن وفي الواقع اليمني.
خلال تصعيد الأزمة في الفترة الانتقالية بعد الوحدة وبين شريكي الوحدة كنا في الوسط الصحفي نتندر بأن أقصر طرق النجاح للصحفي المبتدئ أن يتعلم بكتابات «ندف» الرئىس.
فحيث مثل هذا مجرَّم في كل البلدان العربية وفي اليمن حتى مجيئ الرئيس صالح فكل محرم مرغوب وكل ممنوع يشد وينشد الناس إليه سواءً في إثارته أو ثوريته.
فالشرعية الثورية استعملتها الأنظمة الثورية لقمع ومنع مس الحزب أو الحاكم الثوري وكانت مجرد شبهة أو اشتباه أو بقراءة ما في الصدور تنفي أو يصفي من يقرأ هذا.
حين تصبح هذه الأطراف في وضع تجربة ديمقراطية وفي اصطفاف وتكتل معارضة فهي تسقط تجاربها في التطرف العكسي والمضاد، وبالتالي فهي انتقلت من شمولية تتموضع كنظام حتى وهي شريكة كالأخوان «الإصلاح» إلى شمولية من وضع معارضة وبالتالي فهي كشمولية غالبة في ثقافتها وسلوكها بوعي أو بدونه ومع الحاجية لادعاء الديمقراطية ورفع شعاراتها لاتريد سوى فوضى ودمار واقتتال ودماء.
هي وافقت على المبادرة الخليجية مجاراة لموقف اقليمي ودولي فيما ليست مع المبادرة صادقة ولا بالحل السياسي مؤمنة، ولذلك تريد أن تظل كل الخيارات مفتوحة أمامها لممارسة انقلاب إذا واتت الفرصة في فترة الشهور الثلاثة أو العامين.
إذا وزير يطالب باستمرار التثوير والثورة فمثل «الحميري» خطيب جمعة 18 مارس يفكك القول ويوضح المرامي حين يتحدث من طرف «الثورة» حول نظرته لحكومة الوفاق بالقول: «لدينا نصف صديق في هذه الحكومة» وذلك يعني أن النصف الآخر عدو، والإخواني خالد الآنسي لم يخرج عما طالبت به هذه الأطراف سابقاً حين طرح أن الحل هو أن يوجه نائب الرئىس بالقبض على الرئيس ومحاكمته.. الخ.
حين انتخاب نقابة الصحفيين عام 1999م في ظل خلاف ومواقف صراعية حزبية انعكست على الانتخابات ونتائجها اضطررت وكنت الأمين العام المنتخب للكتابة عن هذه القضية في يوميات «الثورة».
أذكر حينها أن الأستاذ عبدالباري طاهر وهو استثنائي كنقابي ونقيب للصحفيين قبل وبعد الوحدة- أذكر أنه- رد عليّ وشرفني بأن يرد عليّ مثله.
ما لم ولن أنساه في رده، مثلاً، قوله كما أتذكر «على الأخ مطهر أن يعرف أن يوميات الثورة تأخذ المرتبة الثانية في الأهمية بعد كلمة «الثورة».
مع الأسف فأستاذي الذي أظل أعزه وأعتز به مهما تقاطعنا سياسياً أو تباعدت مواقف كل منا سياسياً لم يراع مثل هذه المعايير والاعتبارات لاتجاه الوضع الاعتباري لرئيس الجمهورية ولا الوضع المعياري لأطراف سياسية وصلت إلى اتفاق ووقعت عليه وجاء من خلاله حكومة وفاق.
لا يعنيني إن حدثت أزمة داخل الوفاق، أن يقال أني بين من أسهموا في الشقاق والوصول إلى مثل تلك الأزمة، لأن ذلك معتاد كإدانات بلا أساس ولا قياس وأحكام بلا حيثيات أو وقائع في أوضاع من الصراعات والتأزيم، والذي يعنيني هو الرقابة الذاتية في ضميري وانتمائي الوطني وفي وعيي وانتمائي للواقع بتجنب السير أو الاندفاع لمثل هذا المحذور واقعياً ووطنياً.
د. ياسين سعيد نعمان أمين عام الاشتراكي طرح في بداية الأزمة وعبر «الجزيرة» بأننا لو حاورنا الرئيس علي عبدالله صالح فسنحاوره على أساس قاعدة «الرحيل» وكان الأفضل للمشترك الحوار المبكر على أساس هذه القاعدة.
ذاته د. ياسين طرح بعد توقيع المبادرة بأنه حتى لو لم نسر في خط المبادرة واستمررنا لأي مدى زمني فالوضع والمشكلة في اليمن يستحيل حلها إلاّ عبر الحل السياسي.
إذاً فالمفترض السير في حكومة الوفاق على أساس هذا الوعي والواقعية وغير ذلك لن يكون أكثر من مزيد التأزيم وذلك لن يكون في كل احتمالاته لصالح المشترك.
أثقال «الأخوان» الواهمة التي توزعت بين أدوار الأثقال القبلية والمالية والعقائدية الأيديولوجية وبين التموضع في واجهة منظمات أهلية وواجهة ما تسمى ثورة تعيش وهم الحاجية الأمريكية لها في وضع الصراع مع إيران بمستوى حاجية الجهاد في افغانستان وكأن هذا الوهم بات أرضيتها وأرضية تماسكها في تدافع محموم في مسلك تصعيد الأزمات داخلياً وسلوك التطبيع والحمل الوديع مع الخارج.
فالمشترك إما أن يستطيع ترويض هذه الأثقال إلى أرضية موقفه السياسي بالتزاماته وإما أن تشده هذه الأثقال إلى وهمها بوهن أرضيته وذلك ما بدأ ويبدأ في التبلور من خلال الخطاب الإعلامي السياسي ثم في الخطوات اللاحقة لتنفيذ المبادرة الخليجية والقرار الدولي.
|