فائز سالم بن عمرو ٭ -
المعهود عن الأمة الإسلامية والعربية أنها تجتمع وتتقارب في وقت الأزمات وعند اشتداد الفتن ، ولكن هذا أصبح ماضياً يترحم عليه، وطلل يبكي أبطاله وشخوصه.. وحينما داهم أمتنا الربيع العربي والثورات العربية وما صاحبها من كسر وتشويه وقتل لقيم التسامح والحوار وقبول الاختلاف والالتزام بالثوابت الأخلاقية والشرعية عند الخلاف، فهذا الربيع نبش موروث الفوضى الخلاقة من سباب وشتم وكذب وزيف وادعاء الوطنية والشرف وحرمان الآخرين منها واتهامهم بالبلطجة والظلم .
لقد اشرأبت الأمة ونخبها إلى العلماء والموقعين عن رب العالمين واعتبرتهم ملجأً وحصناً حصيناً يلجاؤن إليه عند اشتداد الفتنة والخروج بالأمة والأوطان من الأزمات ، ولكن العلماء انقسموا واختلفوا وجيروا الدين والعلم للسياسة فانقسموا إلى فسطاطين احدهم يمجد والآخر يرفض ويحرض ، أي صاروا جزءاً من المشكلة بدلاً ان يكونوا مرجعاً أو طرفاً يحتكم إليه ويصار لرأيه العادل ، المعهود من العلماء الربانيين أنهم يقفون على الحياد ويدعون الطرفين المتنازعين إلى نبذ العنف والاختلاف والفرقة ويدعونهم للوحدة والتماسك والاعتصام بحبل الله والابتعاد عن أسباب الفرقة ، ولكن ما نشهده من علمائنا أو بعضهم شدة التكالب والتزاحم على السياسة وبذل كل الطرق للوصول إلى الكرسي والحكم بأي وسيلة حتى لو كانت على حساب الدين وقيمه وتعاليمه ، فجيّر الكثير من المنابر المسجد والخطاب المسجدي والمنبري للسياسة ولبث الفرقة والاختلاف بين الناس وصار المنبر وسيلة للاختلاف والاحتراب ويخرج الناس من خطبة الجمعة فريقين احدهما مؤيد لما قيل، والآخر رافض وساخط.
اتسعت موجة تحويل المنابر المسجدية إلى صالونات سياسية تدافع عن قضايا حزبية أو سياسية أو مذهبية، فصار المسجد محسوباً على جماعة معينة وعلى أئمة معروفين يتحدثون عن قضايا معروفة حسب اتجاهات وميول الجماعة المسيطرة على المسجد، فهذا يدعو للثورة والانقلاب على الظالم ، والآخر يدعو للجهاد والنصرة ، وآخر يطالب بنصرة جماعته ومجموعته.. ولا شك ان الخطاب الحزبي والضيق والفئوي يقابله خطاب آخر مضاد له ورافض له ، ليصار المسجد والمصلون ساحة هذا الاحتراب والاختلاف والتنابز .
إن المشكلة الحقيقية أن أئمة المساجد يجب ان يصاروا مرجعية محترمة ومحل توافق من الجميع، ولكن لن يحصل هذا إلا إذا تجرّد العلماء عن نظراتهم الحزبية والمذهبية ، فبعض أئمة المساجد أسسوا أحزاباً سياسية، وآخرون انخرطوا في مجالس وهيئات سياسية، وفرضوا على الناس بقوة المنبر واستغلوا صمت الناس في خطبة الجمعة للترويج لأحزابهم ومجالسهم، وحين انتفض الناس عليهم ورفضوا تجيير مساجدهم لمنابر حزبية وسياسية زعموا أنه لا يجوز الحديث على العلماء لان لحومهم مسمومة، ليواجهم الآخرون بمنطق مقابل ومعاكس.. لحوم العلماء مسمومة وليس السياسيون، والأمر الآخر ان الإسلام يرفض ان يؤم الإمام الناس وهم له كارهون انطلاقاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لعن الله من أمّ قوماً وهم له كارهون “ ، فلا يجتمع الشيء ونقيضه في رجل واحد.
إننا نطالب الجميع وخاصة علماءنا الذين لهم حظوة ومكانة كبيرة في قلوبنا ان يتوافقوا على ميثاق شرف للمساجد يرتكز على إبعاد مساجدنا ومنابرنا من الخلافات الحزبية والسياسية وان يكون هدف الخطبة والمنبر توحيد الناس وحثهم على التسامح والمحبة والرحمة.
[email protected]