محمد علي عناش - كنا قد تكلمنا في حلقة سابقة عن هذا الموضوع «قصة القاعدة» أن الجيل الأول لتنظيم القاعدة ارتبط بفترة الجهاد في افغانستان ضد الاحتلال السوفيتي، وهم من بات يطلق عليهم لاحقاً «الافغان العرب».
وكما هو معلوم أنهم تشكلوا من عدة حركات اسلامية يغلب عليها التوجه السلفي، تهدف جميعها الى إقامة دولة الخلافة الاسلامية كهدف مركزي لكل هذه الجماعات والحركات بما فيها الاخوان المسلمون، والمتتبع للخلفية الفكرية لهذه الحركات سيجد أنها تنطلق من أسس فكرية وتربوية واحدة أهمها:
- الغلو والتطرف في الآراء والمواقف، وتبني منهج تكفيري عنفي في مواجهة مخالفيهم من الاحزاب والمذاهب الاخرى.
- رفض فكرة الدولة المدنية التي يقيمها كل أبناء المجتمع على أساس من الاختيار والكفاءة والمسؤولية ويحترم فيها العقل والعلم والتفكير الانساني الحر، كما يتساوى فيها الجميع أمام القانون دونما تمييز أو إقصاء، فهم يعتبرون الدولة المدنية توجهاً ضد الدين ولا تقيم شرع الله.
- يدعون الى إقامة الدولة الدينية التي تكون فيها السلطة للحاكم الذي يتم اختياره من قبل أهل الحل والعقد، وهم عبارة عن مجموعة قليلة من العلماء تختزل فيهم إرادة المجموع أو الشعب، فتكون قراراتهم وآراؤهم محل قداسة لا يمكن مراجعتها أو اعتراضها حتى لو كانت تتعارض مع مطالب ومنافع الغالبية، ومن هذه القداسة يستمد الحاكم عصمته حتى ولو كان ظالماً أو مستبداً.
- تحريم وتكفير الديمقراطية والانتخابات والاحزاب، باعتبارها تقليداً غربياً، وباعتبار أنها تمثل حكم الشعب نفسه بنفسه، وهذا فيه منازعة لحكم الله، كما أنها تتيح الفرصة للملاحدة والعلمانيين للوصول الى السلطة والحكم.
تنظيم القاعدة الجيل الثاني
< بعد خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في أواخر الثمانينات عاد معظم الافغان العرب الى بلدانهم والكثير من هؤلاء عادوا الى اليمن خاصة أولئك الذين كانوا سيواجهون مواقف متشددة من قبل السلطات في بلدانهم، ولقد تولى رجل الاعمال اليمني وعضو التجمع اليمني للاصلاح عبدالسلام الحيلة ملف الافغان العرب المتواجدين في اليمن للقيام بعملية ترحيلهم الى بلدانهم، وكما هو معلوم أن السلطات المصرية قد ألقت القبض على الحيلة في القاهرة ومن ثم سلمته الى السلطات الامريكية.
أما بالنسبة للأفغان العرب اليمنيين فإنه تم استيعاب الآلاف منهم في معسكرات الفرقة وبعض المؤسسات عن طريق القائد علي محسن الاحمر، والبعض الآخر منهم توجهوا الى المحافظات الجنوبية لنشر الفكر الجهادي وإعلان الحرب على الحزب الاشتراكي - حسب خطة بن لادن بعد مرحلة الجهاد في افغانستان، وايضاً إعلان حالة التعبئة الجهادية ضد من وصفهم أبو مصعب السوري.. بالصليبيين الذين احتلوا بلاد المسلمين ودنسوا مقدساتها تداعياً لصرخة أطلقها بن لادن لمجابهة القوات الغازية وحماية المقدسات الاسلامية، قاصداً بذلك المائة ألف جندي أمريكي، دخلوا السعودية لحمايتها من الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية سنة 1991م..
معلوم أنه في بداية التسعينات لم يكن قد أعلن رسمياً عن تأسيس تنظيم القاعدة إلا أنه لوحظ انتعاش قوي للجماعات الجهادية، وخاصة تنظيم الجهاد الاسلامي، وارتبطت بهذا التنظيم معظم الحوادث الارهابية في البلدان العربية ومنها اليمن ابتداءً من محاولة تفجير فندق «جولد مور» الذي أسفر عن قتل وجرح العديد من السياح، والهجوم على فندق عدن في أبين والذي كانت قوات المارينز الامريكية متواجدة فيه، وايضاً محاولة اغتيال الامين العام السابق للحزب الاشتراكي علي صالح عباد مقبل والذي كان حينها محافظاً لمحافظة أبين.
كان لصرخة بن لادن الجهادية لتحرير الخليج من الاحتلال الصليبي بقيادة أمريكا، والدفاع عن مقدسات المسلمين وثروتهم، أثره الكبير والعميق ليس فقط على الجماعات الجهادية التي خاضت تجربة الجهاد في افغانستان أو أعضائها الذين لم يسبق لهم ذلك، بل امتد تأثير هذه الدعوة للجهاد الى الجماعات والحركات الاسلامية الاخرى، وعلى وجه الخصوص (السلفية التقليدية)، حيث تأثر الكثير من اتباعها بدعوة بن لادن، وعارضوا الفتوى الدينية لقياداتها التي بررت الاستعانة بالقوات الاجنبية لمواجهة القوات المعتدية والمحتلة حتى ولو كانت مسلمة.
من هنا بدأ يتشكل وينشأ الجيل الثاني لتنظيم القاعدة حيث تحول الكثير من أعضاء السلفية التقليدية الى سلفية جهادية مرتبطة مباشرة بأسامة بن لادن، وسافر الكثير منهم ومن الجماعات الجهادية الاخرى الى افغانستان وبنفس الكيفية تم إعداد قاعدة بيانات بالتفصيل عن كل عضو وفرز قيادات جديدة وتأهيلها تأهيلاً عالياً في مجال التعبئة الجهادية والفكرية، والقدرة على قيادة الجماعات والخلايا الجهادية وبالتحديد في السعودية واليمن.. في هذه الفترة كانت قد اندلعت الحرب الأهلية في افغانستان بين الجماعات الإسلامية المتعددة، لم ينحز بن لادن لأي طرف من أطراف هذه الحرب، حيث تركزت خطته على ضرب المصالح الغربية وبالذات الامريكية اينما وجدت، وتمثلت خطته الثانية في جهاد القوات الامريكية في الصومال، مع استمرار تنفيذ خطته في محاربة الحزب الاشتراكي وتصفية الكثير من قياداته، وهو ذات الهدف الذي تدافعت من أجله الكثير من الجماعات الجهادية بما فيها جماعات محسوبة على حزب الاصلاح، للاشتراك في حرب صيف 94م.
من منتصف التسعينات كثفت الخلايا الجهادية من تحركها وانتشارها خاصة في محافظتي أبين وشبوة ولمع في هذه الفترة اسم ابو الحسن المحضار وهو من عناصر الجيل الجهادي الاول (الافغان العرب) الا أنه يعتبر المؤسس الفعلي لعناصر الجيل الثاني، حيث تمكن من تشكيل جيش عدن - أبين الاسلامي مكون من أكثر من مائتي شخص جاعلاً من جبال المراقشة محافظة أبين مقراً لهذا الجيش، ولقد تبنى جيش عدن - أبين عمليتين ارهابيتين باسمه، قبل ان يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتنظيم العالمي لتنظيم القاعدة، منها عملية اختطاف مجموعة من السياح في ديسمبر 1998م في مديرية مودية أدت الى مقتل أربعة من السياح البريطانيين وجرح آخرين.. وهي العملية التي باركها بن لادن وأشاد بشجاعة المحضار ومجموعته الجهادية وتأتي مباركة بن لادن كتأكيد منه على جواز قتل المعاهد والذمي متأثراً بكتاب «العمدة» لمؤلفه سيد فضل الذي أباح ذلك مستنداً كما يقول الى حديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.. نصه: «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب ولا أدع إلاّ مسلماً».
في فبراير من نفس العام 1998م كان قد أعلن تأسيس «الجبهة العالمية لمقاتلة اليهود والصليبيين» أطلقت عليها مختلف دول العالم «تنظيم القاعدة» وأعلنت جماعة الجهاد المصرية انضمامها اليها بقيادة الدكتور «أيمن الظواهري» وارتبطت بهذا التنظيم الارهابي العالمي معظم الاحداث الارهابية من بعد هذا التاريخ بدءاً من تفجير المدمرة الامريكية كول والسفينة الفرنسية لمبرج واللتين جاءتا انتقاماً لإعدام أبو الحسن المحضار.
عقب أحداث 11 سبتمبر 2001م وما تبعها من نتائج وردود أفعال، أهمها القضاء على دولة طالبان في افغانستان وتشكيل حلف دولي لمكافحة الإرهاب، تشكل الجيل الثالث من تنظيم القاعدة، يجمع كل المحللين والباحثين أنه الجيل الأعنف والأكثر قوة والأكثر تنظيماً وانتشاراً، وإقلاقاً للمجتمع الدولي، باعتباره تنظيماً إرهابياً عابراً للقارات وأكثر من يهدد السلم العالمي ويثير النزاعات والصراعات الطائفية والدينية.
لذا فالكثير من الباحثين والمهتمين بشئون الحركات الإسلامية وظاهرة العنف الديني المرتبط بتنظيم القاعدة في نسخته الثالثة يجدون صعوبة في دراسة الظاهرة دراسة دقيقة وفي تتبع نشوئها التنظيمي والفكري و التنبؤ بمآلاتها.
د. سعيد علي الجمحي أحد الباحثين المتميزين بشئون الحركات الإسلامية، أورد في كتابه المهم جداً «تنظيم القاعدة في اليمن، النشأة- الخلفية- الامتداد» أن أسامة بن لادن عندما أعلن عن تأسيس تنظيم القاعدة في 1998م والذي تكون من مختلف الحركات الإسلامية، أعلن عن اعتماد كتاب أو رسالة «العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله» لمؤلفه سيد إمام عبدالعزيز الشريف، كمنهج فكري وتربوي لأعضاء التنظيم وهو منهج سلفي متشدد ومغالٍ في الدين ومحرض على التعصب والعنف وإباحة الدماء، وهو المؤلف أو الكتاب الذي تبرأ منه صاحبه في فترة لاحقة عندما وجد أن الكثير من العمليات الإرهابية كانت تستند إلى ما ورد في هذا الكتاب..
كما يعتبر كتاب «القاعدة والسلفية الجهادية الروافد الفكرية وحدود المراجعات» لمؤلفه «هاني نسيره» من الكتب المهمة التي قرأت وحللت الظاهرة، حيث تناول المنطلقات والأسس الفكرية لتنظيم القاعدة، وهي أسس فكرية جهادية محرضة على العنف تقول بها وتجمع عليها مختلف القوى والحركات المتشددة، سلفية التفكير والثقافة، كما تناول الكتاب ثلاثة عوامل للقضاء على القاعدة وتجفيف منابعه.. منها القضاء على ما تبقى من رموز روحية للتنظيم من الجيل الأول.
إن المدارس والجمعيات السلفية والمؤسسات التعليمية التي تدرس الفكر الديني المتشدد صارت بيئة خصبة لنشأة التيار الديني التكفيري والذي تفرز منه العناصر التي تميل إلى العنف، ليكون تنظيم القاعدة أنسب إطار لافراغ طاقات العنف لدى هذه العناصر (محمد أحمد عمير العولقي الذي قتل بغارة جوية في منطقة رفض بشبوة في ديسمبر 2009م قد تلقى تعليمه الشرعي في دار الحديث بمأرب والذي يعرف بـ«مركز أبي الحسن»، قبل أن ينضم لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب) صحيفة «الشارع» العدد (190) 7 / 5 / 2011م.. كما يعتبر الشيخ حسين عمر محفوظ أحد المراجع الفكرية لعناصر القاعدة في اليمن حالياً، وقد كان سابقاً أحد مشائخ جمعية الحكمة ثم خرج منها، نفس المصدر.
وعليه فإن فهم الظاهرة في اليمن التي أخذت تتوسع وتتمدد بشكل مفزع، وكان آخرها دخول واحتلال أجزاء من مدينة رداع من قبل عناصر القاعدة بقيادة طارق الذهب، يستلزم الأمر قراءة علمية ودقيقة للظاهرة وخاصة في محافظة أبين وتتبع نشأتها وتوسعها وارتباطاتها منذ منتصف التسعينيات حتى اليوم، فهناك باضت وأفرخت ومن ثم تناسلت في المناطق الشرقية التي تعج بالمدارس والمراكز الدينية المتشددة، أما اطلاق الاتهامات على نحو ما تروج له صحف المعارضة وبعض المحسوبين عليها، لن يحل المشكلة، ويعتبر تعاملاً سيئاً للغاية مع قضايا ومشاكل الوطن المصيرية
|