مطهر الاشموري -
< أية قضية تصبح محل اهتمام الناس الى حد الهم على مستوى أسرتي أو قريتي الصغيرة الى مستوى بلدي الأكبر «الوطن» كاستثناءات أو محطات، فإنه لابد أن يكون لي موقف وكأنما لا أستطيع الحياة أو أستحق البقاء بين الأحياء بدون تسجيل هذا الموقف.
بغض النظر عن خطأ ذلك أو صوابه أو أن يكون فاقد الحكمة، أوضعيف الحنكة فهي مسألة فوق التراجع والمراجعة ولا تقنع أو تقتنع بما قد تكون حكمة حكماء أو قدرات فلاسفة لأنها مسألة فطرية أو ربما تخلق في إطار الخلق ومع المخلوق أكثر من كونها طبعاً غلب التطبع أو خياراً من ثقافة أو فلسفة أو نحوها..
أقل من تسعة شهور هي أقصر فترة لأمين عام نقابة الصحفيين أمضيتها خلال عام 1999م كأمين عام منتخب وقدمت استقالتي..
من أعز صديق كالمرحوم الاستاذ علي الاشول الى من أعزهم مثل الاستاذ عبدالباري طاهر وآخرين طلبوا مني عدم الاستقالة أو لاموني وخطَّأوني في تقديم الاستقالة، ولكني كنت وظللت ومازلت راضياً عن خطوة وقرار كذلك من أساسيات تفكيري أو طبيعة شخصيتي..
ربما في تلك الفترة وخلال الاستقالة وبعدها كان المستحيل قبول عمل في صحيفة مثل «منبر الشورى» ولكني اضطررت للقبول استجابةً لرغبة إنسان عزيز وأراه صاحب فضل أو معروف من جانب وفي إطار السعي للحد الأدنى من الرزق المشروع مهما قل، ولكن بالتبعات والتبعية التي أختارها وليس التي تختار لي، ولذلك انسحبت بعد فترة قصيرة والتجربة كانت شديدة المرارة فاقدة المردود لكنها في تقديري كبيرة المردود في إطار التجريب والتجارب وتوسيع الفهم وتوزيع المدركات الخاصة..
مع إصدارات الصحف الأهلية والخاصة التي يعج بها السوق فإنه عرضت عليّ حقيقة أكثر من عرض مغرٍ إن لم يكن بين الأكثر إغراءً لإصدار صحيفة، ولا أخطئ أي إصدار أو من تصدى للإصدار ولكن تظل لي واقعيتي ومعاييري بما يجعل المر هو الافضلية بالنسبة لي على «التمرير».
عقد ما بعد غزو وتحرير الكويت كان عقد الأثقال أو التحالفات الاقليمية من خلفية وخلافات التعامل مع كيفية تحرير الكويت والنظام في اليمن كان تحت وقع الصراع المركَّب الداخلي والخارجي «الاقليمي» كما مشهد 1994م.
العقد الثاني ومنذ أحداث سبتمبر 2001م كان عقد الأنظمة ومنها النظام في اليمن وفيه لم أبحث لذاتي أو أبحر في ملذاتي ولكني ظللت في استمرار البحث عن الذات وحثّ الذات.
لقد كان عقد الفرجة والتفرج أكثر من المشاركة أو التفاعل أو حتى المتابعة بالنسبة لي مع أي قدر للحد الأدنى من الرزق أو التعامل مع مشكلات خاصة كما في أية أسرة.
عقد الحرب ضد الإرهاب لم يقنع بحجم وخطر الارهاب كما يطرح ولا أن الحرب ضد الإرهاب كما يطرح، وبالتالي فهو الجزء الرهيب كترهيب بالحرب ضد الإرهاب وهو لعبة في السياسة الدولية وعليها يتم اسقاطها على أنظمة المنطقة لتصبح شراكتها في الحرب هي شراكة في اللعبة بقدر ما تعي وبقدر أهليتها وقدراتها لتشارك في اللعبة كلاعب دون ان تتقاطع لا مع إرادة ولا مع لعبة الكبار.
محطة 2008م ومطالبة المشترك بتأجيل الانتخابات تؤكد أن المشترك لديه نزوعات ثورية وقدرات تثوير، والثورة والتثوير هي من تفعيل الاحزاب السرية المقموعة أو الممنوعة، ولا تستطيع الأحزاب العلنية في ظل التعددية أن تمارسها ليس فقط بسبب قوة وقدرات نظام، ولكن عند وصول أوضاع الى تثوير وثورية أو ثورات، فالنظام الحزبي والتعددي «واقع الحياة السياسية» والنظام الديمقراطي وفي إطاره الدستوري تمثل قيوداً أو تقييداً بأي قدر للثورات والتثوير.
وبغض النظر عما سار فيه النظام كطرف بعد توقيع اتفاق 2008م فالمشترك وقع الاتفاق ثم بعد التوقيع وهو يمارس واقعياً التثوير والثورية، فكيف له التوقيع بين اللعبة السياسية كاتفاق يوقع عليه ولعبة ثورية يمارسها.
إنني لم أكن أتوقع البتة محطة الثورات السلمية، وسلوك وتصرفات النظام تؤكد عدم توقعه لمثل هذه المفاجأة، فيما المشترك عبر أثقال أو أطراف داخله كان لديه مستوى من المعلومات أو الخطوط العريضة، وحيث مارس التثوير قرابة العقد، فتثوير حين مجيئ المحطة أن يركب موجة الثورة أو يحتويها.الغرب وهو يضع أو يصمم سيناريو المحطة، ليس الهدف الأساسي كما يطرح الديمقراطية والدولة المدنية ونحوه، ولكن الأهم أن ما كانت تسمى الديمقراطيات الناشئة أو النسبية الديمقراطية لا تستحق حسبة أو وضع حساب لها كنسبية ديمقراطية.
ولهذا فالغرب تجاوز واقع الحياة السياسية الحزبية أو التعددية ليس فقط فيما يحسب لنظام كديمقراطية وإنما ينتزع للمعارضة كاستحقاق في المحطة فيما نسميه ركوب موجة أو احتواء، وبالتالي الوصول الى توقيع المبادرة الخليجية كأطراف سياسية.
فالغرب أرادها ويراها ثورات وهبات شعبية ضد الأنظمة لا يعترف فيها بنسبة ديمقراطية تُحسب للنظام ولا بأحزاب معارضة باستحقاق قيادة أو احتواء الثورة، وهو يتعامل بمعالجات واقعية لكل وضع وواقع بمفارقات حالات تونس ومصر وليبيا.
المدخل للمبادرة الخليجية في اليمن أو أرضيتها ليس فقط أزمة الواقع ولكن أيضاً أزمة الممكنات والمعالجات الغربية للتعامل مع هذا الواقع..
ولهذا فالاخوان «الإصلاح» أو المشترك أو حتى الحوثيون بدت كأطراف فاقدة التوازن في هذه المحطة بين حاجيتها الحيوية الطبيعية لأن تكسب الواقع وفي الواقع كأطراف سياسية وبين الحاجية الأهم آنياً للثورة والتثوير لأنه إذا لم يكن ما بين الحاجتين هو التقاطع فهو التباين الى مستوى من التنافر الذي لا يلتقي ولا يتطابق.
ولهذا فكل ما يطرح عن تشبث الرئيس بالسلطة وأنه ما كان يريد توقيع المبادرة الخليجية واستخدام الحصانة والمحاكمة للتثوير هي تقاطعات وتنافرات مواقف المشترك كتكتل وكطرف وكأثقال وحتى كقيادي أو فرد.
طبيعة المحطة وواقع وتجارب الصراعات في اليمن هي التي تجعل الحصانة عملاً وتعاملاً واقعياً لصالح أمان وتأمين الواقع، والرئيس علي عبدالله صالح لم يعد يريد السلطة ولا المتشبث كما يُطرح.
كل ما في الأمر هو أن الرئيس أو النظام استطاع تقوية وضعه في الأرضية الداخلية الى مستوى يؤثر على واقعية الارضية الخارجية الاقليمية والدولية، ومن خلال ذلك اصطاد المشترك بتنافراته بين الثورية والتعددية السياسية وبموفور التنافرات داخله كطرف وداخل كل طرف، فوضعه في حتمية الخاسر إن في التنفيذ الكامل والدقيق للمبادرة أو رفضها بالمباشرة أو بالالتفاف والمناورة.
منذ أول إشارة لبدء هذه المحطة بتونس فإني أرى أن الأفضلية للواقع ومصلحة البلد الأقرب والأبعد هي في الحل السياسي التوافقي والبديل الديمقراطي، وبافتراض أن الاعتداء على جامع دار الرئاسة نجح في تصفية الرئيس فذلك ليس بحل ولن يقدم حلاً.
الصراعات أو التمزق أو التجزئة لن تحل ولن تكون الحل، ولا حل في اليمن غير الحل السياسي حتى في عدم وجود ديمقراطية أو أحزاب سياسية.
الغرب الذي اغتال المشروع الديمقراطي في إيران ودعم الخميني بمشروعه الشيعي المتطرف كأسلمة، استفاد أكثر من الأسلمة السنية - إذا جاز التعبير- في حروب افغانستان، وبعد فترة انتقالية انتقل للحرب ضد الارهاب وهي ضد تنظيمها «القاعدة» والمنبثق منها الطالبانية.
العقد منذ 2011م هو عقد المعالجة لما نجم من اختلال عقوبات العراق وغزوه ومن عقد الحرب ضد الارهاب، فيكتفى مثلاً بدك الجناح العسكري لحماس أو حزب الله ثم مكافأة الجناح السياسي بالوصول للحكم.
وبذلك يستعاد قدر من التوازن شعبياً وواقعياً في المنطقة في إطار تموضع الصراع مع إيران من ناحية، كما يستطاع من خلال تغيير المزيد من الأنظمة إحداث مغايرات والتخلص من عبء أنظمة تدريجياً والأهم مما باتت تفهمه وتمارس أساليب للتمنع أو الممانعة في تسيير وتمرير ألعاب الكبار ولصالح مصالح الكبار.
من السهل استدعاء خطاب الشرق القومي والأممي ضد الامبريالية أو خطاب القاعدة ضد الهيمنة الامريكية أو خطاب الخميني ضد الاستكبار والشيطان الأكبر واستخدامه ضد النظام المحلي ما دام لم يعد لهذه الاطراف عداء أو عدو غيره.
مثلي ليست مشكلته إقصاء أو سقوط أو تصفية نظام، وماكان بمقدوري شيء تجاه الاعتداء على جامع دار الرئاسة.. ولا مثلي بين أولوياته الاصطفاف مع أو من أجل نظام في سياق ما أوردت.
إنني مؤمن كل الايمان بأن الرئيس علي عبدالله صالح يؤمن بالتغيير ولو وُفرت ظروف لكان رحل قبلاً ونهائياً، فكيف لي أن أدافع من أجل بقاء من أؤمن بأنه راحل لا محالة؟
إنني أدافع عن الواقع وإنْ بواقعية لا هي في وعي الثوريين ولا من وعي التثوير كأحزاب وتطرفات سياسية غير واقعية الى مستوى مخل ومخجل من فقدان الوعي..
إنني لا أداهن ولكني أراهن.. والزمن بيننا والمستقبل أمامنا!