محمد علي عناش - بعد حرب صيف 94م التي أشعلها وفجرها بدرجة أساسية حزب الاصلاح، وأفتى بوجوبها وشرعيتها قيادات إصلاحية متطرفة، باعتبارها حرباً مقدسة بين فئة مؤمنة وفئة ضالة أو بين دار كفر ودار إسلام، توقع الجميع انهيار شامل للحزب الاشتراكي اليمني، وأنه لن يتمكن من النهوض مرة أخرى، فكل المعطيات حينها كانت تؤكد ذلك، وأيضاً التوجهات السياسية تجاه الحزب خاصة توجهات الإصلاح الرامية الى القضاء نهائياً على الحزب الاشتراكي ومحوه من الخارطة السياسية، لذا ظهر الإصلاح بعد الحرب مباشرة، أكثر حماساً واندفاعاً من المؤتمر الشعبي العام بخصوص إصدار بحل الحزب الاشتراكي ومنعه من مزاولة أي نشاط سياسي وتنظيمي مجدداً..
كان موقف الاصلاح تجاه هذه المسألة موقفاً جماعياً على مستوى القيادات والقواعد، وعلى مستوى القيادات الدينية والقيادات السياسية، فلم يكن هناك ثمة معترض، حيث تساوى الجميع في تحقيق غاية واحدة وهدف واحد، فالذي لم يصدر فتوى دينية بحق الحزب الاشتراكي أصدر فتوى سياسية.. وكما قيل كل الطرق تؤدي الى روما..
هذه المسألة أخذت موقفاً متبايناً في أروقة المؤتمر الشعبي العام، فالذين كانوا مع قرار الحل- وهم قوى تقليدية تمت في غالبيتها بعلاقة صلة ثقافية أو تنظيمية مع الاصلاح- جُوبهوا بموقف رافض من قبل قوى سياسية مؤتمرية ليبرالية التوجه، وحُسم الأمر لصالح رفض قرار حل الحزب الاشتراكي، استشعاراً من هذه القوى المؤتمرية، بأن قرار الحل سيخل بالمعادلة السياسية، ولن يخدم التطور السياسي والنهج الديمقراطي في البلاد، وهو موقف كل القوى المدنية والثقافية الحزبية والمستقلة، الذين كانوا يدركون أهمية الحزب الاشتراكي في الحياة السياسية وترسيخ قيم الوحدة والديمقراطية، بل ويراهنون عليه في قيادة المشروع الحداثي والتنويري في البلاد..
ظل الحزب الاشتراكي سواءً قبل الحرب أو بعدها، هدفاً استراتيجياً لتوجهات الاصلاح العدائية والانتقامية مستمرة وبوتيرة عالية، وكأن خطة أسامة بن لادن المتعلقة بالقضاء على الحزب الاشتراكي وتحرير المحافظات الجنوبية منه- وهي الخطة التي كان بن لادن قد أجَّلها حتى يتم الانتهاء من مرحلة افغانستان- قد أخذت تنفذ بحذافيرها على يد الاصلاح، وهو ما يؤكد استجابة الاصلاح لدعوةٍ كان قد وجهها بن لادن سنة 91م لقيادات متطرفة في الاصلاح للاشتراك والتعاون في تحقيق ذات الهدف والغاية، وليس صحيحاً ما تردد من أن الاصلاح تحفَّظ على هذه الدعوة ولم يستجب لها.
من المؤكد أن فكرة اجتثاث القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في الساحة هي فكرة متأصلة في وعي وتوجهات الاصلاح وهاجس ملازم له حتى اللحظة، ولم تسلم منه حتى الائتلافات والتكتلات الثورية الفاعلة في الساحات والتي حاولت أن تتحرر من سيطرة الاصلاح، وأن تشكل صوتاً شبابياً وجماهيرياً معارضاً لمواقف الاصلاح ولاستبداده السياسي وإرهابه الثقافي والفكري وعلاقته المشبوهة مع تنظيم القاعدة، ويأتي على رأس هذه الائتلافات التي أصبحت هدفاً من أهداف الاصلاح الإقصائية، التحالف المدني - كتلة الصمود - ملتقى القوى الثورية.
وبالعودة الى التوجهات الاجتثاثية المسعورة لحزب الإصلاح تجاه الحزب الاشتراكي، فقد كانت توجهات ممنهجة تحمل أبعاداً وأهدافاً استراتيجية في أجندة الاصلاح وطموحاته المستقبلية من أهمها:
- القضاء على عدو تاريخي يُعتبر في أدبيات القيادات المتطرفة في الاصلاح في حكم الخارج عن الملة والمحارب للدين الاسلامي.
- ملء الفراغ السياسي والجماهيري الذي سيتركه الحزب في المحافظات الجنوبية.
- القضاء على ماكينة ثقافية وفكرية كبيرة يمتلكها الحزب الاشتراكي طالما أزعجت الاصلاح كثيراً وفككت منظومته الفكرية والدينية المتشددة.
- القضاء على خبرة وتجربة مؤسسية هائلة في الحكم في جميع المجالات.
- منع أي تقارب أو تحالف مستقبلي بين الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام.
- الانتقام من الحزب الاشتراكي الذي قدم اثناء الأزمة- أي قبل اندلاع حرب 94م بأشهر قليلة- ملفاً كاملاً للسلطات المصرية يتضمن معلومات دقيقة عن أنشطة وتحركات عناصر من تنظيم الجهاد المصري في اليمن، ومنها عناصر وقيادات مطلوبة أمنياً، يعتقد أن الدكتور أيمن الظواهري من ضمن من شملهم الملف، وعلاقة قيادات متطرفة في الاصلاح بتوفير ملاذ آمن لهم، بل وتحويل اليمن الى ترانزيت لعبور عناصر هذا التنظيم الى باكستان وافغانستان.
وعلى الرغم من كل ما تعرض له الحزب الاشتراكي من ضربات، إلا أنه فاجأ الجميع بنهوضه من جديد تحت قيادة أمينه العام السابق القيادي الجسور علي صالح عباد مقبل، الذي تمكن في أسوأ الظروف التي مر بها الحزب وأخطرها على الاطلاق، من أن يلملم شتات الحزب، وأن يبث لدى أعضائه روح النضال وإرادة التحدي وعزيمة إكمال مشوار مشروع التحديث للحزب الاشتراكي اليمني.
كما عاودت صحيفة «الثوري» الصدور وسجلت حضوراً إعلامياً قوياً ومؤثراً، بل وأصبحت من أكثر الصحف انتشاراً، وأهم المنابر الاعلامية التي تشكل رأياً عاماً واسعاً في البلاد، لم تكن «الثوري» منبراً سياسياً فقط وإنما أيضاً منبر ثقافي وفكري وتحليلي متميز، ومنبر حداثي وعصري يحترم العقل ويحترم الحقيقة ويجسدها، لم تتمكن كل وسائط ومنابر الاصلاح الاعلامية من مجاراة «الثوري» أو مواجهتها بنفس الأداة الثقافية والفكرية، وإنما عبر التحريض عليها وجرجرتها في المحاكم، وعبر الفتاوى والاحتساب وعبر «مَنْ كتب لبج».
حزب الاصلاح الذي يطرح نفسه اليوم كمدافع عن الحرية والديمقراطية- والتي يرغب أن يكفيها بما تتواءم مع أهدافه وطموحاته- يعتبر السبب الاول في تعثر التجربة الديمقراطية في اليمن والمعوق الرئيس لتطورها ونضوجها، فقد عمل بكل الوسائل والامكانات، على إفشال جهود الكتلة الوطنية المعارضة التي تشكلت تحت مسمى «مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة» بقيادة الحزب الاشتراكي، وإعاقة فعالياته وأنشطته وتحركاته الجماهيرية، امتداداً لتوجهاته التآمرية على القوى السياسية والدسائس التي ظل يحيكها ضدها، وامتداداً لنزعته الاقصائية والإلغائية تجاه كل مختلف معه فكراً وتوجهاً، لذا كان أكثر حماساً على إقرار التعديلات الدستورية المعيقة لنشاط الاحزاب والمؤسسات المدنية، والمعيقة لتطور الحياة السياسية والديمقراطية، وكان أكثر حماساً في مجلس النواب لإفشال تزكية مرشح مجلس التنسيق الاعلى لأحزاب المعارضة للانتخابات الرئاسية في سبتمبر 1999م الاستاذ علي صالح عباد مقبل، وبانتهازية مفرطة في النفاق السياسي، أعلن على لسان أمينه العام محمد اليدومي، أن مرشح الاصلاح هو الرئيس علي عبدالله صالح، وليبحث له المؤتمر الشعبي العام عن مرشح.
يدرك حالياً الكثير من أعضاء وكوادر وأنصار الحزب الاشتراكي حجم التآمر الذي تعرض له الحزب من قبل حزب الاصلاح، وكيف تمكن في نهاية المطاف وفي ظل تحالف اللقاء المشترك أن يشل فاعليته ويعطل طاقاته ويستولي على مساحة واسعة من حضوره الجماهيري..
فالحزب الاشتراكي في ظل قائده الاستثنائي (مقبل) تمكن منفرداً في انتخابات المجالس المحلية في ابريل 2001م وفي مواجهة المؤتمر والاصلاح، من أن يفوز بأكثر من (546) عضواً محلياً، وهو إنجاز انتخابي كبير يعكس حضوراً جماهيرياً قوياً ومؤثراً للاشتراكي في الساحة السياسية، غير أن هذا الرقم تقلص الى ما دون (390) عضواً محلياً في انتخابات 2006م والتي خاضها في إطار اللقاء المشترك.
تُرى كم سوف يحصد الاشتراكي اليوم فيما لو أجريت انتخابات محلية أو نيابية؟ من المؤكد أن النتيجة كارثية وصادمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. يدرك قيادات الحزب هذا الأمر، لذا لا يطرحون قضية الانتخابات ولا يناقشونها، وسوف يكونون أكثر الداعين والمطالبين بتأجيلها وبأسباب واهية.
كل المحللين السياسيين يجمعون اليوم على أن الحزب الاشتراكي اليمني يعيش أسوأ حالاته ضعفاً وتدهوراً، ويدركون أنه الخاسر الأكبر في معادلة التحالف السياسي «اللقاء المشترك»، وخصوصاً مع حزب الاصلاح، وأن كل المتغيرات السياسية والثقافية والجماهيرية التي حدثت منذ 2002م حتى اليوم كانت على حساب الحزب الاشتراكي وحضوره الجماهيري والتنظيمي ورصيده التاريخي.
الحزب الاشتراكي اليوم هو في أمسّ الحاجة الى التنظير ومراجعة الحسابات والمواقف.. في أمسّ الحاجة الى الاصطفاف الذي هو في حد ذاته يتماشى ويتناغم مع الاصطفاف الوطني، في مواجهة الانهيار ومواجهة أعداء الحرية والديمقراطية والدولة المدنية، فالثورة الحقيقية في الحالة اليمنية لها معنى آخر واتجاه آخر غير الذي ترسمه وتحدده الساحات بطريقة قوى الاصلاح أو بطريقة الماوري ونصر مصطفى وحورية مشهور أو حتى بالدموع التي لا تطفئ نيراناً ولا حرائق بل تزيدها اشتعالاً.
إلى المؤتمر الشعبي العام
العين عليك باعتبارك المحطة قبل الأخيرة في مشروع الاجتثاث الاصلاحي، ولكن لديك من القوة والامكانات ما يجعلك القوة السياسية والوطنية الأكثر حضوراً وفاعلية وتعبيراً عن طموحات الشعب، بل ويمكنك من أن تصنع ثورة حقيقية أَنضج وأرقى من ثورة أدعياء الثورة بمنطقتي الحصبة وأرحب.
الأمر يحتاج الى تقييم وإلى دراسة واعية وقرارات صائبة وتفعيل المستويات التنظيمية والقطاعات الشبابية.. الأمر يحتاج وعلى وجه السرعة الى ثورة مضادة في الشارع أيضاً، تحمل مشروعاً وطنياً وحضارياً، وتعبر عن تطلعات وطموحات كل أبناء الشعب. |