مطهر الاشموري -
< علينا التسليم بأن اليمن واقعياً وسياسياً لم تستقر قبل أو بعد الوحدة إلا من خلال معادلة توازنات سياسية مصالحية..
إذا زحف توحيد اليمن شيوعياً بالقوة بافتراض نجاحه كان سيربط اليمن الواحد بالمظلة السوفييتية وحلف وارسو، فمواجهة وايقاف هذا الزحف بالاخوان لا يعني الارتباط بواشنطن وحلف النيتو وإنما يعني الربط بأسلحة متطرفة كالجهاد في افغانستان وإرهاب ما بعد ذلك والحرب ضد الإرهاب بعد ذلك ثم محطة ثورات الأسلمة المسماة سلمية وواشنطن حاضرة في لعب التأثير أو بالمؤثرات وذلك هو الفارق في غير المباشرة عن الشرق في المباشرة..
فصنعاء لو أرادت الاستمرار في التطرف الثوري لم يكن أمامها غير الانتقال إلى خط وخيار السوفييت، وعدن لو أرادت السير في خط واقعية بعد جلاء الاستعمار فمدخل ذلك خط علاقات واقعية مع السعودية كثقل اقليمي.
ما دام النظامان وصلا إلى اتفاق لوحدة اندماجية كاملة فكان يفترض دمج النظامين كنظام واحد وطرف واحد وفي إطار ذلك يدمج الجيش، ولكن الاشتراكي ومن ثم الإصلاح لم يسمح كل منهما أو كلاهما ببلورة خيارات وأساسات سياسية واقعية تسمح باستحداث أو احداث أرضية ديمقراطية سليمة وذات ثقة بسلميتها، وبالتالي فالاشتراكي والإصلاح ظلا في ممارسة وتفعيل الصراعات وفي تعبئة وتعبوية الصراعات تحت مسمى الديمقراطية أو استعمال شعاراتها.
النظام ليس الطرف البريئ أو الملائكي، ولكن لنا تصور ما بمقدور أي نظام أن يعمله في إطار الديمقراطية أو غيرها في ظل واقع تفعيل الأطراف الأخرى للصراعات، واستهدافه بالانقلاب أو الإقصاء من خلال الصراعات فالنظام وضع أو حشر تحت أولوية منع الانقلاب عليه أو إقصائه وتنظيم الانتخابات التي يستمد منها مشروعيته.
كما ارتباط طالبان.. افغانستان بمعاهد طالبان في باكستان، فالقاعدة في اليمن جاءت أساساً من المعاهد العلمية وجامعة الإيمان، وحين نفذ قانون توحيد التعليم قبل احداث سبتمبر 2001م بعام تقريباً مارس الإصلاح ثورة لمنع تنفيذ هذا القرار وبالتالي لا مجال لنفي علاقة القاعدة بالإصلاح أو تحميل المسئولية أي طرف آخر أياً كان.
المحطات والتطورات أصلاً كما محطة 2011م تجاوزت هذا الربط وتحميل المسئولية والعالم بات يتعامل مع القاعدة كطرف والأطراف التي خرجت من تحت عباءتها هي المرغوبة أو المفضلة للوصول للحكم كما نتابع وبالتالي لم يعد من حاجة لعناء ومعاندة حقائق لأي أسباب أو أهداف صراعية أو أخرى.
إذا المؤتمر الشعبي بات هو الحزب أو التنظيم الذي ينتمي إليه علي عبدالله صالح بعد الوحدة فالإصلاح هو الذي ظل يحكم طوال فترة علي عبدالله صالح أكثر من المؤتمر كحزب حاكم أو الحزب الحاكم كما اطلق عليه قبل محطة 2011م.
وقبل عقد وعام من هذه المحطة وتحديداً في انتخابات 1999م فالإصلاح استبق في ترشيح علي عبدالله صالح الذي قال إنه مرشح الإصلاح وعلى المؤتمر اختيار مرشح له ولذلك خلفيته ومدلوله..
هؤلاء الوزراء المعتقون والمخضرمون كانوا عتاولة عصرهم وعهد علي عبدالله صالح ولو كانوا يريدون ثورة لثاروا وغيروا علي عبدالله صالح وغيروا الواقع، لو كانت لديهم إرادة أو نوايا تغيير هي غير موجودة أصلاً فيما خروجهم بهذه الطريقة إنما خروج نفاق أو ارتزاق للإفادة منها كمحطة.
هؤلاء الوزراء والذين تويزروا من الشباب كان سيعتز بهم كثوار لو أنهم فقط رفضوا الوزارات والويزرة التي اعطاهم علي عبدالله صالح، أما أن يقبلوا كل عطاياه وهباته ومناصبه ووزاراته ويستقبلون محطة ثقلها الغرب بالتهليل إلى جانب استقبال التكبير فهذا أنموذج من تلقيح وتلاقح النفاق ربطاً بالمصالح المتوقعة كما الربط بالمصالح المتحققة.
وهكذا عندما نؤصل المشاكل إلى صراعات تأسست وتطورت في الواقع أو عندما نفصلها من اصطفاف وتعبوية الواقع فإننا قد نجد حقيقة بأن المحيط الإقليمي أو الأثقال الدولية والمجتمع الدولي ربما لأول مرة منذ ثورة (سبتمبر وأكتوبر) تنصف الصراعات في اليمن وتنصف واقع اليمن من خلال المبادرة الخليجية بما يجعل هذه المبادرة هي بمثابة ثورة بأعمق وأبعد مما تطرحه المحطة كتثوير أو ثورة.
أطراف المشترك ظلت في حوارات دائمة ومستمرة مع علي عبدالله صالح طوال حياته كرئيس وآخرها محطة واتفاق يوم تنصيبه 2010م، ولكنها مع صدفة مجيئ محطة 2011م اكتشفت عدم الحاجة للحوار أو اكتشفت فقدان الثقة به «ويا ما أحلى الصدف».
الطرف الذي يرفض الحوار هو الرافض للمبادرة الخليجية أو أية مبادرة هي وفي حد ذاتها بمثابة «حوار»..
المشترك قبل وخلال وبعد توقيع المبادرة ظل يرفض بالمباشر أو يوعز الرفض لمسمى الثورة، ومنذ توقيع المبادرة وبقدر ما بات الرافض مضحكاً كفاقد للواقعية انتقل إلى بدائل «الفرض» ومن خلال مسمى الثورة وجاء في إطار ذلك ما سميت ثورات المؤسسات وأفعال أخرى أو تفعيل آخر.
المبادرة الخليجية استوعبت مطالب الشعب ودعم وتأييد هذه المبادرة بأكثر من 90% من أبناء الشعب يجعل مطالب الشعب هي تطبيق المبادرة من كل الأطراف وتنفيذ التزاماتها..
والشعب انتخب الرئيس وخوله كامل الصلاحية كرئيس إنما ينتخب ليمارس صلاحيات ويتحمل مسئولية وهذا الشعب لم ينتخب أوصياء عليه أو على مطالبه أو على الرئيس، ولذلك فالذي بات لي كحق أن انتقده ما أراه خاطئاً أو غير صائب في أداء الرئىس أو خطوات أو قرارات له، ولكنه ليس من حقي رفض قرارات أو اصطفاف للرفض ولا ممارسة وصاية على الشعب في صيغ الأمر أو الإملاء على الرئيس بطريقة أن الشعب يطالب بإبعاد «زعطان» أو إحلال «فلتان».
مثل هذا المسلك المتعالي على الشعب كوصاية والمتطاول على الرئيس كإملاء أو رفض أقل ما يعنيه هو أن هذا الطرف أو حتى الشخص الذي مثل هذه ممارساته لايحترم ذاته ولا يحافظ على الحد الأدنى من احترام الآخرين له.
هؤلاء الذين يجرؤون على تصور وصايتهم على الشعب ويتطاولون على الرئىس يسيرون في ذلك بزهو بلغوا مرتبة لا تضاهى في فهم سياسة أو في الفهم السياسي فيما ما يمارسونه إن كان سياسة فسياسة بهيمية وإن كان فهم سياسة فبمثل فهم الحيوان للسياسة كفهم بهيمي..
من العيب على فاهم سياسة أو مبتدئ بعد توقيع اتفاق سياسي هو المرجعية لمطالب الشعب أن يتحدث عن مطالب للشعب فوق أو خارج المبادرة، فهذا الذي يتصور من الذكاء هو كل السذاجة ومنتهى الغباء..
المشترك ذاته كأطراف في تكتل مازال وسيظل يعاقب نفسه بعلي عبدالله صالح أكثر مما عاقبه أو استهدفه علي عبدالله صالح، فهو مصمم بطريقة الخيار الأممي المرتهن للسوفييت والمرهون ببقائهم أو بتكوين ومكون الجهاد في افغانستان لمواجهة السوفييت ولذلك فانتهاء الخيار الشيوعي بانهيار السوفييت أو انتهاء الجهاد بانسحاب السوفييت من افغانستان ينهي الجهاد وإذا هذا الطرف يريد الاستمرار فمن خلال العدو والعداء القديم..
المشترك صمم ذاته لتنتهي صلاحيته برحيل علي عبدالله صالح وحين رحل فهو لايريد ولن يقبل إعلان انتهاء صلاحيته ولذلك يلجأ لاستدعاء أوهام وتهاويم مثل بقايا نظام، فماذا يعني وزير الدفاع في عهد مبارك من نظامه أو رئىس الوزراء في تونس من نظام بن علي أو نائب الرئيس في نظام علي عبدالله صالح.
إذا كان من بقايا نظام بقت أو ستبقى بعد رحيل علي عبدالله صالح فهو المشترك كأطراف وقيادات والثورة كأقطاب وقيادات.
ولهذا فالمشترك يعنيه أن يحرر نفسه ويتحرر من علي عبدالله صالح كبقايا نظام قبل وصم آخرين بذلك وقبل ادعاء وصاية جديدة على الشعب أو الرئيس المنتخب.
علي عبدالله صالح بين ميزاته وتفرده ظل حزبه هو الذي يسمعه ويطيعه ونظامه هو الذي يعارضه بتشدد أو تشدق والمشترك لم يكن أكثر من فكرة أو تفكير علي عبدالله صالح كنظام يحكم من خلاله أكثر مما هو من خلال حزبه ويقوم بوظيفة التشدد والتشدق كمعارضة ومثل هذا ثابت بكل الثبوتيات وإلاّ لماذا كل هذا الخوف والرعب المشترك من رئيس رحل؟