اعداد/ عبدالفتاح الأزهري -
منذ قيام ثورة (سبتمبر واكتوبر) المجيدة ظل الحلم الكبير الذي يراود الشعب اليمني.. هو اعادة تحقيق الوحدة الوطنية وتحويل الحلم إلى حقيقة..
وبذل العديد من الساسة الوطنيين في شمال وجنوب البلاد المساعي الكبيرة والحثيثة من أجل تحقيق هذا الهدف العظيم.. بيد ان تلك الجهود لم يكتب لها النجاح بسبب الكثير من العوائق التي كانت على الطريق..
غير أن الزعيم الوحدوي الرمز علي عبدالله صالح جاء ومنذ أول يوم لتسلمه زمام الحكم في البلاد بفكر جديد ورؤى ثاقبة راعت المعطيات والمستجدات وتجنبت اخطاء الماضي ليتحول بفضل حنكته وخبرته ووحدويته ومع نفر من الوطنيين المخلصين حلم الجماهير إلى حقيقة ناصعة وساطعة في سماوات الوطن.
لقد ظلت الوحدة اليمنية القضية الكبرى التي شغلت عقل وضمير شعبنا اليمني، الذي ظل على الدوام يعتبر النضال والتضحية في سبيل هذه القضية المصيرية، واجباً مقدساً يمليه الايمان المطلق بوحدة هذا الوطن الأزلية أرضاً وإنساناً، لذلك لم تكن الجهود والمحاولات التي بذلتها قيادات انظمة الحكم المتعاقبة في الشطرين سعياً لتحقيق الوحدة، إلاّ تعبيراً عن هذه الحقيقة، مثلما هي تجسيد لارادة الشعب الجسور، رغم انها كانت دائماً تجري وسط غليان الساحة الوطنية وعواصف التوتر والصراعات والاضطرابات في الأوضاع السياسية اليمنية شمالاً وجنوباً منذ ما قبل الثورة وما بعدها حتى منتصف العام 1978م، خاصة بسبب الاختلاف السياسي للنظامين في الشطرين وتباين كل منهما في كيفية تحقيق الوحدة، الأمر الذي جعل الحوار الوحدوي صعباً ومعقداً للغاية، بل والأكثر من ذلك كان غياب روح التفاهم والمعالجة السليمة للخلافات، وتباين الآراء حول مفهوم الوحدة كثيراً ما يؤدي إلى التأزم السياسي المتفاقم الذي وصل إلى ذروة المواجهة المسلحة بين الشطرين، وشكل التهديد الخطير والمحدق على الثورة ووحدة الشعب الوطنية..
عقبات ومعوقات
ورغم تلك الصعاب والنكبات والحروب والانتكاسات التي شهدتها تلك الحقبة وتأثيراتها السلبية على مشروع الوحدة، إلاّ أن وتيرة العمل الوحدوي شهدت المزيد من الدفع الجاد الذي بدأت محطاته الأكثر وضوحاً مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي، غير أن تلك المحطات واللقاءات وما تمخض عنها من اتفاقات لتحقيق الوحدة كانت كثيراً ما تصطدم بمعوقات كبيرة وعوامل احباط عدة ليس أولها التدخل الخارجي العربي والدولي، أو تردي وتعقيد الأوضاع الداخلية التي خلفها نظاما الإمامة والاستعمار، وليس آخرها التباين السياسي والاقتصادي وكذا التناقضات الأيديولوجية بين النظامين، وكلها ضمن منظومة عوامل معيقة وقاهرة، من نتائجها فقدان استقلالية القرار السياسي لنظامي الحكم في صنعاء وعدن، والذي بدونه يصعب تحقيق هدف مصيري بحجم الوحدة اليمنية.
رؤية ثاقبة
مع تسنم الزعيم الوحدوي الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد السلطة، وانتخابه رئىساً للجمهورية من قبل مجلس الشعب التأسيسي في 17 يوليو 1978م، اظهر الرجل دهاءً سياسياً ورؤية ثاقبة وواقعية في معالجة القضايا الوطنية الكبرى وعلى رأسها قضية اعادة تحقيق الوحدة التي كانت ضمن أولوياته الأولى والمبكرة، حيث كانت صرخته المدوية في بيانه يوم توليه مقاليد الحكم في 18 يوليو 1978م: «اننا عازمون على تحقيق حلم الشعب.. حلمنا جميعاً في الوحدة اليمنية المباركة».
لقد بدأ الزعيم الوحدوي علي عبدالله صالح أولى خطواته في هذا الاتجاه باخراج قضية الوحدة اليمنية من دوامة الصراعات والمزايدات للأنظمة السابقة إلى السياق العملي، وتميز بالقدرة على احياء الاتفاقيات الوحدوية واخراجها إلى النور بتجسيد مضامينها في الواقع التطبيقي والعملي.. ليبرهن بذلك فخامة الرئيس علي عبدالله صالح انه من طراز القادة الاستثنائيين المجللين بتاج الزعامة الوحدوية التاريخية عندما استطاع بعبقريته الفذة وعمق فكره المستنير ان يوظف عناصر الوحدة الوطنية في مصهر منهجه الوحدوي يستلهم منها طرائف عمله ويجسد مضامينها وارادتها بقوة ايمانه العميق بها.
وبرزت عبقرية الزعيم الوحدوي التاريخي علي عبدالله صالح بتجديد روح الفكرة الوحدوية مستفيداً من كل الأخطاء والسلبيات التي سبقت عهده.. وظل يرى مع كل مرحلة جديدة من التطور ضرورة الحاجة إلى اعادة تحديد الأولويات في التفكير الوطني الوحدوي، ومناهج العمل.. وكان عليه ان يغربل حصيلة تجارب السنوات الماضية ويعيد تقييم المواقف والتجارب السابقة التي اثبتت استحالة تحقيق الوحدة الوطنية بقوة السلاح أو بفرض الافكار والرؤى لطرف على آخر، وان ينطلق في توجهه الوحدوي المتأصل في فكره وفلسفته من حيث انتهت الجهود والاتفاقات السابقة بابتكار صيغ وأولويات العمل الوحدوي للمراحل اللاحقة.
عبقرية زعيم
ان المنجز الوحدوي الخالد كما يسجله التاريخ.. لم تصنعه رياح الصدفة.. بل صنعته عبقرية منقذ وقائد عظيم، قاد الوطن والشعب، بحكمة وعقلانية إلى تحقيق اعظم وأكبر انجازاته في عهده الحديث.. إلى اعادة تحقيق الوحدة المباركة ومعها إلى مسيرة البناء والتحديث والتقدم.
ولم تكن زيارة الزعيم التاريخية لعدن يوم 29 نوفمبر 1989م، إلاّ تواصلاً لمساراته ومحطاته الوحدوية العديدة، مثلما كانت كلماته واحاديثه المؤكدة على حتمية تحقيق الوحدة اثناء تلك الزيارة امتداداً لتوجهاته الوحدوية والتي بدأت من أول يوم لتوليه السلطة في يوليو العام 1978م واعلانه حينها: «إننا عازمون على تحقيق حلم الشعب.. حلمنا جميعاً في الوحدة اليمنية المباركة».
وهو كما يقول النشاشيبي: «لقد نقل فكرة الوحدة من الصالونات والغرف الموصدة إلى الشارع العام».. ذلك هو عين الحقيقة الساطعة التي جسدها التوقيع على اتفاق عدن التاريخي ليلة 30 نوفمبر 1989م تحت صخب هدير الجماهير الذي اهتزت له الأرض والجبال وتراخت من صداه فرائض المعارضين والمتحفظين والمترددين.. وصوت تلك المرأة التي هتفت عند وصوله عدن بين الجموع الهادرة لا يبارح ذهنه وهي تردد باستماتة «الوحدة يا علي.. الوحدة آني فدى لك».. حسب تغطية الاستاذ عبده بورجي- صحيفة «26 سبتمبر» العدد (375) 7 / 12 / 1989م.
تحقيق الحلم
وتتويجاً للقاءات الوحدوية.. بين قيادتي الشطرين جاء لقاء القمة في صنعاء في الفترة من 19-22 أبريل 1990م، برئاسة الرئىس الزعيم الوحدوي علي عبدالله صالح والاستاذ علي سالم البيض، حيث انتقلت حكومة الشطر الجنوبي إلى شمال الوطن في لقاء موسع للقيادتين السياسيتين وقد تم الاتفاق على اعلان الجمهورية اليمنية، وتنظيم الفترة الانتقالية كما نصت بنود الاتفاقية على النحو التالي:
1- يتكون في الفترة الانتقالية مجلس رئاسة مكون من خمسة اشخاص، ينتخبون في أول لقاء لهم رئىساً للمجلس ونائب رئيس، ويشكل مجلس الرئاسة عن طريق الانتخابات من قبل اجتماع مشترك لمجلسي الشعب الأعلى والشورى.
2- تحدد فترة انتقالية لمدة سنتين وستة أشهر من تاريخ نفاذ الاتفاق.
3- يصدر مجلس الرئاسة قرارات لها قوة القانون فيما يختص بالشعار والعلم والنشيد الوطني مع تكليف لمجلسي الشعب الأعلى والشورى بانزال الدستور للاستفتاء الشعبي العام قبل 30 نوفمبر 1990م.
وفي مدينة تعز انعقدت قمة اخرى بين قيادتي الشطرين للفترة 10-12 مايو 1990م، لم يصدر بيان رسمي عن تلك القمة.. وفي حديث لفخامة الرئيس الزعيم الوحدوي علي عبدالله صالح اشار فيه إلى «ان القمة انتهت أولاً: إلى قرار بتشكيل لجنة حوار مع التنظيمات والقوى الوطنية والشخصيات الاجتماعية على الساحة الوطنية، وثانياً: تم الاتفاق على اخلاء العاصمة صنعاء والعاصمة عدن من القوات المسلحة وسحبها إلى مناطق عسكرية يتفق عليها المسؤولون في رئاسة الأركان، وثالثاً: يتم تشكيل لجنة من وزيرى الداخلية ورئىسي جهاز الأمن الوطني وأمن الدولة، وتقرر حل هذين الجهازين لأنه لا يوجد داع لبقاء أي منهما.. ورابعاً: سيكون هناك جهاز في الداخلية مسؤول عن الأمن العام في العاصمتين وفي سائر مدن الجمهورية اليمنية.
وفي موكب رسمي كبير تحرك الزعيم الوحدوي علي عبدالله صالح إلى عدن، وكان مجلسا الشورى والشعب قد وافقا على القرارات الوحدوية بالاجماع، واجتمعا في 22 مايو 1990م في قاعة فلسطين بعدن بحضور الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتم من عدن الباسلة الاعلان عن قيام الجمهورية اليمنية ليرتفع علم اليمن الموحد، وليتحقق الحلم الوحدوي التاريخي العظيم كأهم وأكبر المنجزات في التاريخ اليمني المعاصر، كما تم في نفس اليوم اختيار مجلس رئاسة مكون من خمسة أعضاء برئاسة الزعيم علي عبدالله صالح والاستاذ علي سالم البيض نائباً للرئيس.
وهكذا اصبح علي عبدالله صالح الزعيم الوحدوي التاريخي الذي اعاد لليمن وحدته وللشعب اليمني امجاده وحضارته وقوته بين الأوطان، ولينتصر لليمن وشعبها بتحقيق أحد أهم أهداف الثورة اليمنية الخالدة اعادة تحقيق الوحدة اليمنية العظيمة، الذي قال الزعيم علي عبدالله صالح انها شكلت الأساس الجوهري لعمله السياسي.
|