د./ علي مطهر العثربي -
< إن قوة اليمن وقدرته على الصمود أمام التحديات الداخلية والخارجية تكمن في اعتماده نطاقاً سياسياً نابعاً من الإرادة الشعبية، وهو النظام السياسي الحالي الذي يميل كثيراً الى النظام النيابي الذي توفرت فيه أركانه الأساسية لولا أخذه ببعض صفات النظام الرئاسي، ولكنه دستوري- من وجهة نظري، نظام نيابي لأن الأركان الرئيسية قد توفرت وكفلها دستور الجمهورية اليمنية الحالي، كما أن قوة اليمن وقدرته على الصمود في اختياره الدستوري لشكل الدولة وهي الدولة الموحدة البسيطة ذات السيادة والإرادة والدستور والمؤسسات الدستورية الواحدة والاقاليم غير المجزأة والقانون الواحد.
إن دراسة العقد الاجتماعي الذي صنعه اليمنيون عبر سنوات عدة منذ بداية السبعينيات وحتى اليوم وهو دستور الجمهورية أنه في كل مرحلة من مراحل الحوار الوطني قد استوعب الإرادة المطلقة للشعب وأن هذا الدستور لم يأتِ بين عشية وضحاها، بل جاء عبر مراحل مختلفة، ومر باستفتاءات وتعديلات جعلته مستوعباً للإرادة الكلية للشعب، الأمر الذي يفرض على صناع القرار الإلمام بكل نصوصه الماماً منهجياً، لأن المشرع اليمني في كل مرحلة من مراحل إعداد الدستور كان ينظر إلى المستقبل البعيد للأجيال ولم يكن محصوراً في حقبة زمنية معينة أو مرتبطاً بفئة اجتماعية أو حزبية أو قبلية أو مذهبية معينة على الاطلاق، بل كان المشرع اليمني يمتلك رؤية وطنية استراتيجية بعيدة المدى، تستوعب الطموحات الشعبية صوب الافضل.
إن الحديث الباهت المتخلف الذي نسمعه من البعض حول الفيدرالية يأتي من الناس الذين لا يمتلكون رؤية وطنية استراتيجية للحفاظ على اليمن واحداً موحداً ودولة مركزية قادرة على تحقيق الطموحات الاستراتيجية لليمن الواحد الموحد، والأكثر من ذلك أن هذا الحديث لا يأتي الا ممن في نفوسهم المرض المناطقي والفئوي والقروي والمذهبي الذي رفضه اليمنيون وتعافوا منه منذ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من اكتوبر عامي 62 و1963م، ولأن ذلك المرض والشعور بالنقص وعدم القدرة على الفهم لمعاني القوة والعزة والاقتدار لدى ذلك البعض فإنهم يظهرون بين الحين والآخر بمثل هذه الاطروحات التخاذلية المتراجعة عن الطموحات الاستراتيجية للأمة العربية والإسلامية التواقة الى الافضل والأكثر اقتداراً.
إن دراسة مراحل الحوار الوطني من أجل الوصول الى إعادة لحمة الوطن الواحد منذ الثلاثين من نوفمبر 1967م، وحتى الثاني والعشرين من مايو 1990م سيجد أن اليمن قد مرت بالاتحاد الكونفدرالي من خلال الاتفاقات الاقتصادية العديدة التي انتهجها الحوار الوطني منذ بداية السبعينيات ثم واليمن بالاتحاد الفيدرالي من خلال توحيد رؤية اليمن للسياسة الخارجية بين الشطرين إبان الثمانينيات وتشكيل المجلس الاعلى للدولة اليمنية والتنقل بالبطاقة الشخصية بين أقاليم اليمن وتلك ابسط صور الفيدرالية التي ينعق لها اليوم البعض، ثم وصلت عبر الحوار الوطني الشامل الطويل إلى أرقى صور التوحد وهو الوحدة الاندماجية الكاملة في 22مايو 1990م.
إن محاولة التراجع الى الخلف أمر بالغ الخطورة، ولذلك ينبغي على الشرفاء والنبلاء من أبناء اليمن أن يدركوا بأن محاولة التراجع الى الخلف إنما هو سير باتجاه التمزق والشتات ولا يجوز العودة الى الماضي، لأن الإرادة الكلية للشعب تسعى صوب الافضل والأكثر عزة ومنعة، فهل يدرك المخدوعون بأن الإرادة الكلية للشعب لن تقبل الا بما يحقق تجسيد وحدتها وتطوير آليات التحديات والتطوير، ولعل الحكم المحلي كامل الصلاحيات هو الرؤية الاستراتيجية التي تحافظ على وحدة الوطن أرضاً وإنساناً بإذن الله.