توفيق الشرعبي - إن تغيير الواقع للأمة نحو الوضع الأمثل أصبح ضرورة عصرية آنية ومستقبلية وهذا التغيير لا ولن يتأتى إلاَّ بخطاب دعوي ينبثق من رؤية عصرية حضارية تواكب دور الإعلام الذي انتشرت آثاره الكبيرة في جميع الجوانب الثقافية والسياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية، هذا الدور الذي يجب علينا ان نوظفه بمختلف وسائله في التوجيه والإرشاد والدعوة عامة..
> يقول الشيخ جبري: »إن الواقع اليوم يصدمنا بغياب استراتيجية إعلامية إسلامية دولية في مواجهة هيمنة الأجهزة الاتصالية الحديثة ذات النسق التغريبي العنصري وذلك رغم الأهمية المطلقة لهذه الاستراتيجية بهدف خلق رأي عام عالمي مناصر للإسلام وناشر لدعوته، مما يقتضي التوسع في إنشاء أجهزة وكيانات دولية للإعلام الإسلامي تأخذ على عاتقها أهمية وضع الخطط وإعداد البرامج لتحقيق مجموعة أولويات تتمثل في مواجهة الدعاية المضادة للإسلام وتصحيح صورته وتأهيل الكوادر الإعلامية أو القيادات المسلمة للقيام بهذه المهمة..«.
وهذا لايقتصر على الوسائل الدينية فقط بل كل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة حتى تسهم اسهاماً حيوياً ملموساً في التكوين الفكري والسلوكي لقاعدة التغيير المتمثلة بالشباب الملتزم المثابر الذي يحتاج إلى »ترشيد مسيرته لإبعاده عن المزالق الفكرية والاندفاعات العاطفية«.
إعلام.. من روح الإسلام
> أمامنا اليوم أحدث التقنيات التكنولوجية التي يمكن لنا أن نجعلها »طريقاً لترسيخ مفاهيم الرحمة والتزكية والخير والعدل والعلم والمعرفة النافعة وحمل رسالة الإسلام ونشره عالمياً« لأنه دين يقوم على التسامح والوسطية ومستوعب للبشرية جمعاء.. إذاً نحن بحاجة ماسة لإعلام إسلامي معاصر تقوم رسالته من روح الإسلام ويخدم قضايا الأمة وينشر قيمها الحضارية المشعة.
> يرى الدكتور أحمد العجل »بأن للإعلام دور في انجاح مسئولية التوجيه والإرشاد وتحقيق أهداف الخطاب الدعوي ذلك ان مؤسسات ووسائل الإعلام الجماهيري كالراديو والتلفزيون والسينما والصحافة.. إلخ.. تستطيع الاضطلاع بأدق المهام وأخطر الأدوار لما تتمتع به من التنوع والتعدد والانتشار والقدرة على الوصول إلى الجمهور في أي و قت وفي أي وضع وفي أي مكان، إلى جانب دورها الكبير والرئىسي في نشر الأفكار وإشاعة المعلومات الحديثة المتصلة بنهضة الأمة.. وهي بهذا المستوى والقدرات لها دورها في التوجيه والتوعية والإرشاد لاسيما وأن علاقة الإعلام بالدعوة علاقة من نوع خاص، فالإعلام هو المحرك الرئيسي الذي تدور به قافلة الدعوة، ومن خلاله تتحقق أغراضها، ومن ثم فإن الفصل بين النشاط الدعوي والنشاط الإعلامي يجافي الحقيقة ومن هنا فنحن نؤكد على وحدة النشاطين«.. لأن الدعوة الإسلامية ذات طبيعة إعلامية مميزة ولها سماتها التي تؤكد قدرتها على إبراز كافة عناصر الرسالة الإعلامية القادرة على التعامل بإيجابية بما يجعلها في مكان الريادة والقدرة في مجال الدراسات الإعلامية المعاصرة..
من تركه فعليه اثمه!!
> وهذا ما أكده الشيخ جبري إمام وخطيب جامع غزوة بدر الكبرى- من أن مسئولية إعداد الإعلاميين القادرين على مخاطبة المجتمع جماهيرياً تقع على الفرد والأمة معاً فمن وجد من المسلمين رجالاً ونساءً في نفسه القدرة والعلم والكفاءة على ولوج ميدان الإعلام ومخاطبة المجتمع من خلال رسائله المتنوعة فيقع عليه إثم ترك ذلك وعدم محاولة القيام به.. أما الأمة وولاة الأمر من المسلمين فعليهم تشجـــــــيع العمل بــــــالإعــــلام الإسلامي عقيدة ومبادئ وتقنيات وتوفير الظروف اللازمة لنجاح وإمكانية العمل في هذا الميدان المهم..
ولتكوين هذا الإعلام لابد أن نضفي على معطيات إعلامنا في واقعها الراهن طابعاً دعوياً يجعله يتلاءم مع ذواتنا ويعبر عن هويتنا، وينبثق من قيمنا وتراثنا الحضاري الأصيل وهذا ما أشار إليه الدكتور عبدالوهاب كحيل في كتابه (الأسس العلمية والتطبيقية للإعلام الإسلامي)، »بأن تلك الأنظمة والنظريات والأفكار التي نستوردها ونحاول تطبيقها في مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة ووسط شعوبنا لنظهر بمظهر المتحضرين قد صممت ونبعت من طبيعة تلك المجتمعات التي صدرتها لنا، فهي تتلاءم مع من يعيشون فيها وتتماشى مع أذواقهم، وتتناسب مع ميولهم، أما مجتمعاتنا الإسلامية فلها أيضاً أفكار وآراء وأهواء ولها ما يناسبها« من معطيات الثقافة والتوعية والبناء والتدعيم والترسيخ والانتقائية الراشدة وهذا يعني ان الإعلام الدعوي يراعي الخصائص الجماهيرية ويركز على الثوابت والأسس والمبادئ العامة بعيداً عن إثارة الطائفية، وقضايا الخلاف وكل ما يؤدي إلى الفتن »فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها«..
3٪ مقابل 54 من الارسال!!
> وحتى لانجافي الحقيقة أشارت دراسة أعدتها الإدارة العامة للتخطيط والدراسات والبحوث بأنه لو نظرنا إلى المساحة والحيز الزمني المتاح للخطاب والبرامج الدعوية في مختلف وسائل الإعلام الجماهيري سنجد الحيز قليلاً والمساحة ضيقة، مقارنة بالبرامج الأخرى ولنأخذ مثالاً على ذلك دورة 2003م حول توزيع ساعات الإرسال على أنواع البرامج في الفضائية اليمنية سنجد أن البرامج والمواد الدينية حصلت على نسبة 3-7٪ بينما حصلت المواد الفنية الغنائية على 54٪ من ساعات الارسال..
فالواقع إذاً يؤكد- بحد قول الدكتور العجل- ان المساحة أو الحيز الزمني المتاح للبرامج الدينية والدعوية محدود وضيق، وهذا يعني ضرورة توسيع الحيز والمساحة الزمنية للبرامج الدينية وعلى أساس أن يكون الخطاب الديني الدعوي خطاباً اقناعياً، يتم أداؤه بالطرق المباشرة والطرق غير المباشرة وان يتم تغليف تلك البرامج بالقوالب المتعددة والمشوقة والمؤثرة حتى نتجاوز هذا الواقع غير المطئمن.. ويضيف العجل: على كل حال فإنه ومن منظور مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح، ومراعاة الأولويات والصبر على أهون الضررين مقابل دفع أشدهما، نقول إن هناك نسبة كبيرة من جوانب الاتفاق بين الخطاب الإعلامي الإرشادي، والواقع الإعلامي السائد ويظهر هذا الاتفاق في مسائل كثيرة منها على سبيل المثال: »توعية المرأة والأسرة والمجتمع بالمعالجات والحلول السليمة، وكذا التوعية الإعلامية الأمنية، وقضايا حقوق المواطنة وضرورة الحفاظ على الثوابت وترسيخ الوحدة والأمن والاستقرار« هذا لايعني أننا لانحتاج أو قد استكفينا من الإعلام الديني المترجم بصدق لروح الإسلام والمعبر عن فلسفتنا في الوجود وفقاً للتصور الإسلامي.. نحن وبالضرورة نتطلب إعلاماً يعري الإدعاءات المنطوية على الشعارات ويعمل على توجيه الشباب وإبعادهم عن الانحرافات والإنجراف وراء أهواء دعوية لاتقوم إلاَّ على الأسس الهشة والرغبات الذاتية لأعداء الإسلام والأوطان.. ما أحوجنا للإسراع بوضع آلية تنسيق بين الوسائل الإعلامية والمؤسسات الإرشادية حتى يحقق الخطاب الدعوي أدواره المتنوعة في مجال التوعية العلمية والاقتصادية والتقنية والمعرفية والتنويرية والتثقيفية والتربوية، »والتصدي لأعباء التنمية الشاملة في المجتمع«.
واقع الخطاب الديني
> خلاصة القول إن الخطوة الإيجابية التي قام بها مركز التدريب والتأهيل بوزارة الأوقاف تعدُّ مهمة وجيدة حيث تم عقد دورتين تدريبيتين لأكثر من 15 إعلامياً- من مختلف الوسائل الإعلامية- و15 خطيباً ومرشداً استمرتا لمدة 8 أيام، وقد شخصتا واقع الخطاب الديني في بلادنا من حيث أدواره ومواقعه، وكذا دور الإعلام في الخطاب الدعوي.. حيث أشار يحيى النجار وكيل وزارة الأوقاف إلى أننا كلنا نعرف وندرك مخاطر الانزلاق والانحراف الذي تعاني منه الأجيال ومن التطرف الذي يولد الإرهاب والتعصب والغلو ولايولد إلاَّ الشر والعنف، وهو الأمر الذي يتطلب منا تفعيل دور الإعلام الديني لإحياء السلوكيات والممارسات الهادفة إلى بناء قيمنا الوطنية.. إذاً لابد من رفع مهارات الإعلاميين والمرشدين الدينيين في الخطاب الإعلامي الديني وهذا بهدف الخطاب الموحد للرؤى والتوجه العام الذي يجسد الوسطية والاعتدال ويرسخ قيم الدين الحنيف وينبذ التطرف والتشدد والتنطع الذي يوصل في نهاية المطاف إلى الإرهاب بحد قول النجار..
خطاب واحد
> وبما أن الحكومة في بلادنا جاءت لتؤكد على خطاب واحد يجب أن يمارس في مواقع التأثير والدعوة واستخدام الكلمة المؤثرة من أجل توصيل رسالة القيم والمبادئ الثابتة لديننا الإسلامي لتكون نمط الالتزام بالنسبة للإنسان أىنما كان موقعه حسب- حسن اللوزي- وزير الإعلام الذي قال: إن السياسة الإعلامية التي تعمل وفقها جميع وسائل الإعلام الرسمية بنيت وتأسست في كافة محتوياتها وتفصيلاتها الكبيرة والصغيرة على التزام واحد لايتزعزع ولايتغير وهو الالتزام والاستهداء والعمل من خلال الإسلام عقيدة وشريعة وجعل كل المعايير القيمية الإسلامية والأحكام الشرعية المعيار الحاكم للعمل الإعلامي وهي الحصانة التي تقي عملنا الإعلامي من الانزلاق ومن الانحراف إلى كافة جوانب الانحراف وأقصاها الغلو.. وبالتالي نحن لواء واحد في ميادين الجهاد الأكبر جهاد الرسالة الإعلامية والرسالة التوجيهية والتي ندرك أنها حق من حقوق الإنسان ومن حق هذا الإنسان ان نوصل إليه بالمعرفة ونعرفه بما يشتمل عليه دينه الحنيف من مثل وقيم وأخلاق سامية..
> ويبقى المأمول من الإعلام الدعوي ان يستشـــرف آفاق المستقبل للمشروع الحضاري البديل حتى نخرج بالأمـــــة مما هي فيه وننقذها من الانزلاق في الوهن التي تجره وتجرجره إلينا ما تسمى بالعولمة!!.
|