ابــن النيل -
كم كان عراق ما قبل الغزو الأمريكي لأراضيه وفرض الهيمنة الأجنبية على مقدرات شعبه.. عزيزاً وحضارياً ومتقدماً، مقارنة بما آلت إليه أوضاعه في راهن الوقت، وقد جرى تشويه ملامح ما كان عليه هذا البلد العربي الشقيق في زمن ليس ببعيد، ولم يتبق لنا منه سوى اسم »العراق« المسكون بروح المقاومة الوطنية بين أرجائه، ولو أنهم كانوا قد تمكنوا من استبدال »علمه« الممهور بشعار »الله أكبر« لما ترددوا للحظة واحدة في تغيير اسمه كذلك.
فلقد باتت »بلاد الرافدين« تحت وطأة من جاءوا بدعوى تخليصها من ديكتاتورية رئيسها الشهيد، ومن ثم دمقرطتها.. مرتعاً خصباً للملثمة وجوههم من عناصر »فرق الموت« والميليشيات المتواطئة مع قوات الاحتلال الأمريكي والمنضوية تحت لوائها.
أما عشرات الجثث التي يجري العثور عليها يومياً في أنحاء متفرقة من العاصمة العراقية »بغداد« وغيرها من مدن العراق وقراه.. فهي دائماً وأبداً لأناس مجهولي الهوية على حد زعمهم، وكأنما أضحى الشعب العراقي في معظمه.. مجرد حاصل جمع لقوافل ضحاياه »النكرات« من القتلى مقطوعي الرؤوس، بينما القتلة من صناع ما اصطلح على تسميته- أمريكياً- بالفوضى الخلاقة هناك وحدهم أعلام الوطن المعروفة هويتهم في عراق مابعد »صدام حسين«، لكونهم يتمتعون بحصانة الغزاة وحمايتهم..
ولاغرابة في ذلك.. فقد بات العراق بكامله وطناً مجهول الهوية، بفعل ما أصابه منذ كان الغزو، وكان الاحتلال، ويبقى مصيره مجهولاً كذلك، مادامت الفتنة الطائفية البغيضة إياها.. قد أطلت برأسها من بين أنقاضه، ولم يعد أمام المجتمع الدولي الذي يتحدثون عنه إلاَّ أن يعمل مشكوراً على توطين الملايين من أبنائه اللاجئين أينما هم، لتمكينهم من أداء واجب المساهمة في إيواء من قد يتمكن من اللحاق بهم من بني جلدتهم في قادم الأيام.. وإلى حديثٍ آخر.