عبدالرحمن مراد -
< كنت قد تحدثت عن حجة في زمنٍ مضى ليس بالقصير في عدد من الصحف منها صحيفة «الأولى» وصحيفة «اليمن» وقرأت أثر بعض الإجراءات على مستقبل محافظة حجة، ولم يمض الزمن حتى شهدت الأيام ما كنت قد تخوفت وحذرت منه، وها هي حجة اليوم تشهد مخاضاً لن ينبثق عنه إلاّ أثر مدمر قد يعمل في المستقبل القريب على تغيير المعادلة الوطنية لصالح طرف دون الآخر.
ما حدث في أبين قد ينتقل بالضرورة إلى حجة في ظرف زمني قصير، إذ أن ثمة تهيئة وتمهيداً إعلامياً تقوده قناة «وصال» وثمة استهداف إقليمي تتجه سهامه إلى جبال ونجود وسهول محافظة حجة، كما أن ثمة فراغاً أمنياً وفكرياً وثقافياً وإدارياً، فالدولة في حجة تكاد تغيب غياباً كلياً، وغيابها بالضرورة ترك أثراً مفتتاً لنسيج النظام العام والطبيعي، وترك شعوراً بالانتقاص من القيمة والمعنى وهو الأمر الذي سيغير من اتجاه القوى الاجتماعية إلى مسارات انحرافية بحثاً عن القوة والقيمة والمعنى، وقد دلت شواهد التاريخ أن دخول حجة في أي صراع سياسي يعمل على تعزيز حضور القوى الأكثر حضوراً فيها في المشهد السياسي الوطني ومثل هذا القول تكرر معنا كثيراً ولعل قابل الأيام سوف تثبت صدقه في حال أن يستمر الحال في حجة على ما هو عليه الآن من إقصاء وتهميش وغياب.
في ظني أن القضية الوطنية منظومة متكاملة ولا يمكن تجزئتها في سياق تراتبي بحيث يكون الفراغ من الجزئية الأولى تمهيداً للانتقال إلى الأخرى، لأننا قد لا نصل إلى الأخرى إلاّ وقد اتسع الخرق على الراقع، وبذلك قد تتكرر السيناريوهات ونصبح في متواليات تدور في الفراغ ولا يمكنها الوقوف عند نقطة التقاء وطني، من شأنها تحقيق الاستقرار وترميم ما تصدع في النظام العام والطبيعي، ولعل «الاخوان المسلمين» الذين أوصلوا مصر إلى حالة اللااستقرار والفراغ الدستوري واللادولة يسيرون في ذات الاتجاه في اليمن طمعاً في سرعة الوصول إلى السلطة والتحكم في مقاليدها دون أدنى شعور بحجم المخاطر والمعوقات التي تحول دون ذلك، فالقضية الوطنية لديهم ليست إلا هوساً سلطوياً يدور في فلك مركزية الذات والآمر الناهي كما دلَّ على ذلك بيانهم الذي اعلنوه بحضرة رئيس الجمهورية.
ولعل ما يحدث في حجة اليوم لا يمكن الحديث عنه بمعزل عن مجرى التوجه «للاخوان» وهو الأمر الذي ينذر بتكرار السيناريوهات الدامية التي حدثت وماتزال تحدث في بقاع شتى من الوطن العزيز، ولعل المتابع لقناة «وصال» يدرك أن الاستهداف الاقليمي هو الأشد خطراً في تهديد البنية الاجتماعية وتحويل الوطن إلى كيانات متصارعة، فالخطاب التحريضي للقناة يهدف إلى خلق عراق آخر هنا في اليمن والأشد مرارة أنه يتحدث باسم الله والإسلام ويعلن شفاهاً وصراحة عن تبنيه مشاريع في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب والبؤس لهذا الوطن الذي ظل يعاني ومايزال من يد الغذر والخيانة وروح التآمر على أمنه واستقراره.
لن تكون حجة بالبلد السهل والمسالم كما نتخيله إذ ثمة هويات تاريخية تتنازعه ولعل الذاكرة الوطنية لم تزل تتذكر ما حدث في سبعينيات القرن الماضي من التفاف ذلك البلد حول العميد مجاهد أبو شوارب وإعلانها التمرد على حركة (13 يونيو) ولولا الحس الوطني والتاريخي للرئيس إبراهيم الحمدي لتحدث التاريخ عن مسارات متغايرة، ولعل سوء التقدير قد يوقعنا في اخطاء تاريخية لا تحمد عقباها، وقد أصبح من المهم القول إن معالجة الوضع الإداري في حجة ضرورة وطنية لا يمكن أن تتم بالترف الذهني والتصلب في المواقف، إذ أن ما يعتمل في حجة ليس ترفاً ذهنياً ولكنه مخاض ينذر بشر، فالحوثية ذات العمق الثقافي والتاريخي تسد فراغ غياب الدولة هناك، والسلفية المدعومة من الإقليم تتهيأ لقتال الحوثيين في أكثر من جبهة والمجلس المحلي بالمحافظة والكيانات الاجتماعية في صدام مع قرار الرئيس القاضي بتعيين محافظ لم يتمكن من ممارسة مهامه حتى الآن، والأحزاب السياسية في مسارين وقد عزز هذا التباين من غياب الدولة كما عمل على تهيئة مناخات الانقسامات والتمترس حول الكيانات والتمكين لبعض القوى من الحضور الجماهيري أكثر من ذي قبل، ومثل ذلك ناتج عن تخوف وترقب في ظل استفزازات يقوم بها الاخوان هناك، إذ شكل التفافهم حول العميد القيسي المحافظ المعين، تذكيراً للكيانات الاجتماعية الفاعلة بموقعه التنظيمي السابق كرئيس المكتب التنفيذي للإصلاح بحجة، الأمر الذي ترك أثراً سلبياً مناهضاً لقرار الرئيس عبد ربه منصورهادي.
وأمام مثل ذلك المشهد قد تصبح حجة بلداً آيلاً للسقوط إن لم تتداركه حكمة الرئيس هادي، وتعمل على معالجة وضعه الإداري والأمني، وتبذل جهداً مضاعفاً في ترميم ما تصدع في النفوس وما علق في الأذهان من تصورات خاطئة، وتعزز من حضور الدولة إذ أن استمرار غيابها سيترك أثراً مدمراً، كما أن حضورها يتطلب قدراً من التوازن في الأبعاد الثلاثة الاجتماعي والسياسي والثقافي.