محمد أنعم -
يبدو أن السيد جمال بن عمر ممثل الأمين العام للأمم المتحدة استطاع أن يصبح نجماً لامعاً بفضل الأزمة اليمنية.. مع سفراء الدول العشر.
وهذا النجاح يعود فضله إلى حكمة الزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام الذي حرص على حل الأزمة سلمياً وتمسك بخارطة طريق لعملية الانتقال سلمياً للسلطة وعبر انتخابات رئاسية مبكرة.
ولأن العودة لسرد تفاصيل الأحداث فيما يتعلق بتنفيذ المبادرة وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي تحتاج الى كثير من الوقفات المسؤولة سلباً وإيجاباً.
نجد أنه من المهم اليوم هو معرفة إلى أين تتجه اليمن مع المبادرة والآلية التنفيذية وقرارات مجلس الأمن..
ولو من باب التقدير لجهود السيد جمال بن عمر وحزب السفراء الذي صار يضم 14 دولة.. التي لا ينكرها الا جاحد، والشعب اليمني لن ينسى هذه الوقفة التاريخية العظيمة والتي بفضلها حالت دون سقوط اليمن في أخطر الخيارات الدموية في تاريخه.. وبالرغم من ذلك علينا أن نعترف أن بر الامان لا يزال بعيداً وخيار الحرب يزداد اتساعاً ويحكم سيطرته على رقاب اليمنيين.. ولهذا تتبدد الآمال وتتمدد نذر الحرب شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، كل هذه التداعيات برزت الى السطح بسبب أن نصوص المبادرة وآليتها وقرارات مجلس الأمن ملزمة لطرف وغير ملزمة لطرف آخر.
كما أن سوء تطبيق نصوص المبادرة والقفز على بعض بنودها سينسف اتفاق التسوية عاجلاً أم آجلاً..
إن ما يحدث في المشهد السياسي يجعل الشارع اليمني يشعر بالإحباط وخيبة الأمل ولا يجد تفسيراً عندما يجد جمال بن عمر يقفز من القوات الجوية الى اللواء الثالث حرس جمهوري ولا يشاهد متاريس الحصبة ومليشيات الفرقة المتمردة تحتل المدارس وجامعة صنعاء والمنازل على الرغم انه يعرف -حق المعرفة- أن آلية المبادرة وقرار مجلس الامن الدولي شددت على إزالة المتاريس وإخراج المليشيات من العاصمة وإخلاء المباني العامة من المسلحين وغير ذلك، وليس هناك أية إشارة فيها - لا من قريب أو بعيد- الى أن أهم مسببات الأزمة تكمن في الجوية والحرس الجمهوري.
واضح أن هناك من نقل المعركة بمهارة للهروب من تنفيذ بنود المرحلة الاولى كقضية أساسية الى افتعال مشكلة وتضخيمها حول قرارات إجرائية هي أصلاً إدارية ولا تستحق ذلك التهويل الذي وظف للتملص من عدم تنفيذ المرحلة الاولى للآلية.
ولعل الأخطر اليوم من كل هذا وذاك هو إضفاء شرعية لبعض الاشخاص المتسببين في الأزمة وفي معاناة الشعب اليمني بتلك اللقاءات التي يحرص رعاة المبادرة عليها بعد كل لقاء مع عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب والذي يمتلك الشرعية للتحدث باسم الشعب دون سواه..
تلك اللقاءات لا تستفز رئيس الجمهورية ولا وزراء حكومة الوفاق، وانما الشارع اليمني الذي يشعر ان قوة المليشيات القبلية ومحتلي المدارس والوزارات ومشطري العاصمة أصبحت شرعية اكبر من المبادرة وأعظم من الشرعية الشعبية.
وما يبعث على القلق أكثر هو أنه لم يتساءل السفراء أو ممثل الامين العام للأمم المتحدة كيف يقابلون صادق وحميد وحسين الاحمر وعلي محسن وهم من اسرة وقبيلة واحدة وبأي صفة طالما ولدينا رئيس جمهورية وحكومة وفاق وطني.. وما المبرر من وجود حكومة ولجنة عسكرية ووزير دفاع والمبادرة ايضاً طالما وشرعية الرئيس والحكومة أقل من شرعية أسرة أولاد الأحمر.
وما يزيد المشهد قتامة هو أن رعاة المبادرة اصبحوا لا يكترثون لمعاناة الشعب اليمني وصارت حياة 25 مليوناً ليست أهم من حياة بضعة أشخاص حيث يحرصون على زيارة مكاتبهم ومنازلهم منذ عام بحميمية عجيبة وكأنهم يتشفون من الشعب ويقبلون أيادي قاتلي أبنائه.. أو يستخدمونهم لترهيب رئيس الجمهورية.
إن استمرار حصار معسكرات الحرس واختطاف قائد اللواء 62 حرس جمهوري وإثارة الفوضى والشغب في تعز وأعمال التقطع ومنع وصول الخدمات للمواطنين وضرب أنابيب النفط والغاز وشبكة الكهرباء تؤكد أن مخاطر فشل التسوية تتزايد مهما حاول البعض تغطية ذلك بإرسال رسائل مطمئنة.
للأسف لقد تسببت الانتقائية في تنفيذ بنود المبادرة وآليتها والقرارات الدولية في خلق مزيد من التعقيدات والمشاكل أمام تنفيذ إتفاق التسوية، فها هو أداء الحكومة لا يجسد حقيقة رغبة الشعب اليمني فسياسة اللاوفاق وممارسة الاقصاء والفساد والإلغاء واستغلال الوظيفة العامة للانتقام الحزبي ما كان لها أن تحدث لو كان هناك حرص على الزام جميع الاطراف بتنفيذ اتفاق التسوية السياسية.
ولعل الإصرار على إقصاء الشباب المستقلين وشباب ساحات المؤتمر والمنظمات المدنية من لجان الحوار هو نتيجة لتلك الاخطاء التي تتراكم كمخزن بارود سيتفجر في أية لحظة ورغم أن الجميع يدرك خطورة ذلك ، لكننا نجد أنه لم يكترث رعاة المبادرة لاستقالة جميع الوزراء من اللجنة الحكومية للحوار مع الشباب احتجاجاً على ممارسات رئيسة اللجنة التي هي وزيرة حقوق الانسان والتي تتعامل بعقلية إقصائية وانتقامية حتى مع وزراءهم أعضاء معها في اللجنة.
حقيقة أخشى أن تنتهي المبادرة بنفس تراجيديا ذلك التحكيم الشهير الذي تم بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية.. ومثلما اتفق أبو موسى الاشعري وعمرو بن العاص على خلع طرفي الأزمة كحل للمشكلة التي نشبت حينذاك فقد كان الاتفاق مجرد خدعة عند التنفيذ حيث تم الإطاحة بعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وتثبيت معاوية في الحكم .. وبسبب عدم المصداقية والحرص على وحدة المسلمين انقسم العرب من يومها ولم تحل الأزمة الى اليوم.
أتمنى أن يتحلى جمال بن عمر بدهاء عمرو بن العاص ولا تجره النيات الحسنة والمثالية المبالغ فيها الى نفس الخديعة التي أوقعت بأبي موسى الأشعري.. وعليه أن يستوعب الدرس جيداً واللعبة بكل أبعادها، فثمة أطماع اقليمية وشهية مفرطة لدى بعض الدول لتنفيذ أجندتها الخاصة في اليمن .. أما السفراء فيبدو أن أغلبهم قد رموا بالمبادرة وآليتها والقرارات الدولية في سلة المهملات.