فاروق ثابت -
لقاء/ فاروق ثابت < محاولات عدة جرت.. لكنها لم تفلح.. ومع ذلك لم تنفك عنا الإرادة وطول الحيلة لنحظى أخيرا بمحاورة المهندسة السورية المختصة بدراسة العمارة التقليدية وبالتحديد التراث المعماري اليمني. بضعة أسئلة لم تكن كافية لإطفاء لهيب استفساراتنا الكثيرة القليلة المطروحة على زوجة الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد .. لكن ريم عبد الغني بعد ما لمسناه من ظروفها المكتظة بالمواعيد والزيارات وبرنامج المؤتمر الذي قدمت فيه ريم دراسة متميزة حول " الجمال والتفرد في عمارة حضرموت" ، كل ذلك جعلنا نشفق بقوة على السيدة ريم رئيسة مركز تريم للعمارة والتراث لنعذرها فيما وجدناه من صعوبة لم تسعفنا لطرح كل ما بجعبتنا لنقتنع بما أخذناه ولو كان ليس كافياً في نظرنا عما تحمله الأكاديمية والإعلامية والأديبة .. وزوجة الزعيم الأسبق العاشقة بشغف تراث بلاد السعيدة وتاريخها المعماري ..لدى مشاركتها في المؤتمر الدولي السادس للحضارة والتاريخ المنعقد بعدن قبل أسابيع لفتت ريم بقوة انتباه المشاركين والإعلاميين على حد سواء، ولفتت عنايتها »الميثاق« بهذا اللقاء: : > لماذا اختارت ريم لنفسها أن تتخصص علمياً في مجال الهندسة المعمارية وبالتحديد في دراسة العمارة اليمنية؟ - اخترت التخصص في مجال الهندسة المعمارية لأنني مؤمنة بأن هذه الدراسة لا تعلم فن العمارة فحسب بل تعلم أسلوب في رؤية الأمور وطريقة في الحياة، وبعد سنوات في دراسة الهندسة المعمارية والتعمق بها يتعلم المعماري كيف يرى العالم بطريقة مختلفة، يكتشف مكامن الجمال في الأشياء ويركز على الجانب المليء من الكأس، ينتشي بأدق ذرات الجمال فيما حوله، ثم أن اختياري لهذا الاختصاص كان بناء على إدراكي لحاجاتي وقدراتي وميولي الحقيقة والحمد لله أنني أمارس المهنة التي تستهويني وأحب التعمق بها. أما بالنسبة لاختياري العمارة التقليدية اليمنية كتخصص، فإن أي عاشق للعمارة أو ملّم بها يدرك أهمية العمارة اليمنية وتفردها الذي يميزها عن سائر مدارس العمارة في العالم ،ووصولها إلى درجة عبقرية من البراعة في الإنشاء حيث بنى اليمنيون بالطين ناطحات السحاب في حضرموت وشكّلوا اللوحات الرائعة المزخرفة في واجهات أبنية صنعاء، واستفادوا من تنوع مواد البناء وأشكاله في مناطق اليمن المختلفة. العمارة، اللباس، الفضة المنقوشة والمشغولات اليدوية كلها تعكس بطريقة صادقة وجميلة وخلاقة غنى الإنسان اليمني وإحساسه بالجمال، فقد عكس اليمني بالفطرة كل ما بداخله فوق محيطه وخاصة عمارته الجميلة بنقوشها وتنوعها وتفردها و توازنها. > ما أهمية انعقاد المؤتمرات والفعاليات العلمية المهتمة بشؤون التاريخ اليمني؟ - هذه المؤتمرات مهمة جدا بالنسبة إلى الباحثين في عمارة اليمن وحضارته لأنها فرصة للتعارف وتبادل الخبرات والاطلاع على آخر المكتشفات والبحوث التي تجري في هذا المجال ، وقد حضرت المؤتمر الماضي في صنعاء عام 2004 م في صنعاء واستفدت للغاية مما قدم فيه ، و خلاصة هذه السلسلة الهامة من المؤتمرات التي تعقد منذ عام 1975م، تنشر في كتب تكون ذات أهمية كبرى لمن حضر هذه الفعاليات ولمن لم يحضرها من الباحثين ، وأتمنى عقد المزيد من النشاطات المهتمة بالحضارة اليمنية لأنه موضوع غني وهام لا تغطي هذه الفعاليات جزء من عظمته مهما تعددت . > كيف نحافظ على تراثنا العربي واليمني بشكل خاص من الاندثار أو الأخطاء المحدقة مستقبلاً؟ - الخطوة الأولى هي التوثيق، وتوثيق التراث العربي هو طموح تحمله كثير من المؤسسات والأفراد ويسعون لتحقيقه ولكل منا دوره في ذلك، وقد قمت بتوثيق المساجد في مدينة تريم على مدى بضعة سنوات بهدف حفظ هذا الإرث العمراني الهام ودراسته ، كما أن التوثيق يؤمن للباحثين المادة التي يمكن إجراء عمليات الدراسة والبحث عليها لاحقا، فنحن لا نستطيع دراسة شيء غير موثق على الورق أو في مواقع الانترنت، مما يسهل ويشجع الباحثين على دراستها باتجاه استخلاص معالمها الأساسية والاستفادة مما هو قابل للاستمرار من عناصرها في عمارة مستقبلية يمنية تحمل طابع الهوية وتساير في الوقت نفسه التكنولوجيا ومتطلبات العصر. > ما جديد مركز تريم للعمارة والتراث أو بالأصح خطته خلال المرحلة القادمة؟ - لدينا خطة طموحة للسنتين القادمتين، أولها إصدار مجلة »تراث« قريبا بإذن الله والتي تهتم بالتراث العربي المعنوي والمادي،وتضم أبواب مختصة بالأبنية القديمة والأغاني القديمة والأزياء القديمة و كتب التراث والمصطلحات القديمة في اللغة وغيرها ، ونعمل حاليا على عقد ندوة مهمة حول التراث اليمني، نكثف اتصالاتنا مع المراكز الأخرى للتنسيق بهذا الخصوص، ولدينا خطة لإصدار مجموعة من الدراسات في هذا المجال وتقديم بعض المحاضرات لشخصيات هامة عربية وأجنبية مختصة في هذا المجال، كما أننا نخطط لمعرض كبير عن الحضارة اليمنية يجوب أكثر من عاصمة عربية و أجنبية. > ما الذي يجول حالياً في خاطرك لأن يكون موضوع رسالة الدكتوراه التي تنوين تحضيرها خلال الفترة القادمة؟ - الموضوع الذي أبحث فيه هو أسس تصميم العمارة التقليدية اليمنية ، والدراسة تحتوي على مقارنة للأنماط المعمارية في مختلف مناطق اليمن المشهور بتنوعه، وقد درست سابقا عمارة حضرموت لكنني الآن أتوسع في الدراسة لتشمل مناطق أخرى من اليمن وتكون بذلك أكثر غنى وشمولية. > كيف وجدت اليمن ؟ - وجدتها كما أعهدها دائما، جميلة ومحِبّة وملأى بالناس الطيبين، فيها نبض أصالة وحضارة تمتد جذورها آلاف السنين، وجدتها صدى لما في داخلي من حب لها. > هل بالإمكان أن تطلعينا عن الموضوع الذي تطرقت إليه دراستك المقدمة إلى المؤتمر الدولي السادس للحضارة والتاريخ؟ - عرضت في دراستي لمحة عن التفرد والإبداع في عمارة حضرموت وهي مجال اختصاصي، وعمارة حضرموت عمارة مهمة للغاية فهي من العمارات التقليدية النادرة التي مازالت حية ، ومازالت تبنى إلى اليوم بذات الأسلوب وذات المواد وبالأيادي المحلية ، والبناء الحضرمي تفنن في استخدام الطين فوصل إلى تشييد ناطحات السحاب الطينية والقصور الكبيرة واحتوى في عمارته مختلف التأثيرات والطرز ولم يذب فيها ، وكما تعرف فقد أنجزت بحثاً حول عمارة مساجد تريم و سيصدر إن شاء الله في كتاب حالما أقدم رسالة الدكتوراه. > هل هي زيارتك الأولى لعدن؟ - زرتها مرات عديدة من قبل، كما زرت صنعاء ووداي حضرموت وأبين، لكنني سعيدة للغاية بزيارة عدن، المدينة العريقة مجدداً، وأن نناقش على مدى بضعة أيام تاريخها وخصائصها، فهي جوهرة بحر العرب والمدينة التي ذكرها القرآن والحديث الشريف، مدينة الصهاريج والفل والشواطئ الجميلة والناس الطيبين، تحيط زائرها بالمحبة وتمنحه شعور بالراحة والبساطة. > مالذي لفت انتباهك في اليمن خلال زيارتك السابقة له؟ - كل مافي اليمن لفت انتباهي تراثه وحضارته ومناخه، وجباله وصحراءه ، نقاء اليمنيين وطيبتهم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : »لقد جاءكم أهل اليمن وهم أرق قلوباً وألين أفئدة ، الإيمان يمان والحكمة يمانية«، ناهيك عن أن اليمن يشكل حالة معمارية خاصة، إذ حافظ على تراثه و هويته وجمال ملامحه الأصلية على مر العصور، بلد تشم فيه عبق التاريخ وترى فيه صورة التراث العربي الحي. وللأسف لا يعرف الكثيرون وجه اليمن الحقيقي وهذا ما دفعني إلى المضي قدما في دراسة عمارة اليمن وتراثه العظيم وتسليط المزيد من الضوء على هذا البلد المفعم بالجمال. اليمن له تاريخه العظيم وتقاليده وفنونه المميزة، ويؤلمني أن لا يعرف الناس اليمن بشكل حقيقي ولا ينصفونه، ولذا نتمنى تكثيف النشاط الإعلامي والأبحاث العلمية وسائر الفعاليات التي توصل للعالم صورة اليمن الحقيقة. ريم عبد الغني في سطور - مهندسة معمارية مختصة في مجال العمارة التقليدية اليمنية. - حاصلة على الدبلوم والماجستير في العمارة التقليدية اليمنية وخاصة عمارة الطين في وادي حضرموت من جامعة دمشق بالجمهورية العربية السورية. - تعد حالياً رسالة دكتوراه حول العمارة التقليدية باليمن، كما تقوم بإعداد كتاب منذ عام 2000م حول أسس تصميم- المساجد القديمة في مدينة تريم- حضرموت وذلك بعد قيامها بعملية رفع ميداني و هو أول توثيق هندسي شامل لهذه المساجد. - شاركت بنماذج توثيقية عن العمارة التقليدية في اليمن بمعرض الكتاب في فرانكفورت، عام 2004م، وفي مكتبة الأسد بدمشق عام 2005م، ومدينة المعارض بدمشق 2006م. - تشغل حالياً منصب رئيسة مركز( تريم) للعمارة والتراث الى جانب كونها رئيسة وحدة التنمية البشرية في المركز العربية للدراسات الاستراتيجية. - عضوة في العديد من المؤسسات الأهلية. - صاحبة ورئيسة تحرير مجلة »تراث« المختصة بشؤون العمارة والتراث في الوطن العربي. - لها اهتمامات أدبية في مجال الكتابة ولديها زاويا ثابتة في عدد من المطبوعات العربية منها مجلتي »المرأة اليوم« و»هي«. - إلى ذلك فهي زوجة الرئيس اليمني الأسبق علي ناصر محمد.