موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - 6364 مهاجر أفريقي وصلوا اليمن في شهر - الرئيس/ علي ناصر يعزّي بوفاة النائب البرلماني الدكتور عبدالباري دغيش - تدشين خطة الانتشار الإسعافي على الطرق السريعة - النواب يجدد الثقة بالإجماع لهيئة رئاسته لفترة قادمة - صنعاء: انطلاق حملة للتبرع لمرضى الثلاسيميا - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و799 - مع غزة ولبنان.. مسيرة مليونية بصنعاء -
مقالات
الإثنين, 16-أبريل-2007
الميثاق نت - تمثل هجمات ١١ سبتمبر ذروة تطور طويل في ظاهرة الإرهاب، وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون وطبيعة العمل الإرهابي بحد ذاته، ولكنه يمتد أيضاً إلى متغيرات البيئة الدولية التي يتحرك فيها، والتي تعتبر العامل الرئيسي وراء التحول في أشكال الإرهاب الدولي، فعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحداً، من حيث هو استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، من أجل إثارة الخوف والهلع في المجتمع، من خلال استهداف أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو نظام الحكم ككل في المجتمع، لتحقيق هدف سياسي معين، فإن أشكال الإرهاب وأدواته وتكنيكاته تختلف وتتطور‮ ‬بسرعة‮ ‬مع‮ ‬الزمن،‮ ‬كما‮ ‬يتأثر‮ ‬الإرهاب‮ ‬إلى‮ ‬حدٍ‮ ‬كبير‮ ‬بخصائص‮ ‬النظام‮ ‬الدولي‮ ‬وتوازناته،‮ ‬والتي‮ ‬تترك‮ ‬بالضرورة‮ ‬تأثيراً‮ ‬جوهرياً‮ ‬على‮ ‬ظاهرة‮ ‬الإرهاب،‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الأهداف‮ ‬والآليات‮.‬
وفي هذا الإطار د‮.‬خديجة‮ ‬أحمد‮ ‬الهيصمي -
تمثل هجمات ١١ سبتمبر ذروة تطور طويل في ظاهرة الإرهاب، وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون وطبيعة العمل الإرهابي بحد ذاته، ولكنه يمتد أيضاً إلى متغيرات البيئة الدولية التي يتحرك فيها، والتي تعتبر العامل الرئيسي وراء التحول في أشكال الإرهاب الدولي، فعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحداً، من حيث هو استخدام العنف أو التهديد باستخدامه، من أجل إثارة الخوف والهلع في المجتمع، من خلال استهداف أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو نظام الحكم ككل في المجتمع، لتحقيق هدف سياسي معين، فإن أشكال الإرهاب وأدواته وتكنيكاته تختلف وتتطور‮ ‬بسرعة‮ ‬مع‮ ‬الزمن،‮ ‬كما‮ ‬يتأثر‮ ‬الإرهاب‮ ‬إلى‮ ‬حدٍ‮ ‬كبير‮ ‬بخصائص‮ ‬النظام‮ ‬الدولي‮ ‬وتوازناته،‮ ‬والتي‮ ‬تترك‮ ‬بالضرورة‮ ‬تأثيراً‮ ‬جوهرياً‮ ‬على‮ ‬ظاهرة‮ ‬الإرهاب،‮ ‬من‮ ‬حيث‮ ‬الأهداف‮ ‬والآليات‮.‬
وفي هذا الإطار شكلت هجمات ١١ سبتمبر نقلة نوعية خطيرة في نمط الارهاب الجديد، ولاسيما من حيث دلالاته الواضحة فيما يتعلق بالاتجاه التصاعدي في نطاق وحجم العمليات الارهابية والآثار التدميرية المترتبة عليها.. فقد شهدت الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية ثلاث عمليات ارهابية رئيسية هي: محاولة تفجير مركز التجارة العالمي »فبراير ٣٩٩١م«، وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا »أغسطس ٨٩٩١م« وهجمات نيويورك وواشنطن »١١ سبتمبر ١٠٠٢م«.. وفي هذه العمليات الثلاث، ظل عدد الضحايا وحجم الدمار يزداد بصورة طردية،‮ ‬حتى‮ ‬وصل‮ ‬الى‮ ‬ذروته‮ ‬في‮ ‬هجمات‮ ‬نيويورك‮ ‬وواشنطن،‮ ‬بل‮ ‬أن‮ ‬عدد‮ ‬الضحايا‮ ‬زاد‮ ‬عن‮ ‬ضحايا‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬الحروب‮ ‬التقليدية‮ ‬التي‮ ‬خاضتها‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬دفع‮ ‬بظاهرة‮ ‬الإرهاب‮ ‬الى‮ ‬مستوى‮ ‬نوعي‮ ‬جديد‮.‬
ويتسم مفهوم الارهاب الجديد بكثافة التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر من خلال استهداف رموز بارزة لديه جنباً الى جنب مع التركيز على تحقيق أكبر كمية ممكنة من القتل ضد المعسكر الذي تم تصنيفه باعتباره العدو من جانب الجماعة الارهابية، كما يتسم الارهاب الجديد بقدر كبير من العشوائية وعدم القابلية للتنبؤ.. ويؤكد تقرير لجنة بريمر التي شكلها الكونجرس الأمريكي لدراسة ظاهرة الارهاب على أن من أبرز التحولات التي شهدتها هذه الظاهرة أن جماعة الارهاب الجديد تتسم بغموض الهدف السياسي، حيث من الصعب الوقوف على هدف سياسي محدد يحكم عمل جماعات الارهاب الجديد، ويبدو أن الهدف هو الانتقام من الولايات المتحدة، حكومة وشعباً، من خلال ايقاع أكبر عدد من القتلى والضحايا في صفوفهم، بهدف معاقبتهم على ما تراه تلك الجماعات تحفظات على السياسة الأمريكية.. وفي الوقت نفسه تميل جماعات الارهاب الجديد الى حدٍ كبير الى الاعتماد على الشكل العنقودي كنمط للتنظيم الجماعات الارهابية التابعة للتنظيم، من أجل تأمينها.. ويقوم هذا الشكل على بناء مجموعات صغيرة العدد غير مترابطة بين بعضها البعض، مع الاعتماد على مصادر متنوعة للتمويل والمساندة اللوجستية، بما يجعل‮ ‬من‮ ‬الصعب‮ ‬رصدها‮ ‬أو‮ ‬اختراقها‮ ‬أو‮ ‬التنبؤ‮ ‬بحركاتها‮ ‬أو‮ ‬ردود‮ ‬أفعالها‮.‬
وكانت الولايات المتحدة بصفة خاصة هدفاً رئيسياً للعديد من عمليات الارهاب الجديد، سواءً بسبب مكانتها الدولية كقوة عظمى وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، أو بسبب ما تتسم به سياستها الخارجية من اختلالات وتحيزات صارخة، أو بسبب تعقيد بيئتها الداخلية.. وقد عانت الولايات المتحدة من نوعين من الارهاب، هما: الارهاب الخارجي، والارهاب الداخلي، فالارهاب الداخلي هو الذي تقوم به جماعات مناوئة للحكومة الفيدرالية، وتقوم به ثلاث أنواع من الجماعات هي: الجماعات اليمينية المتطرفة، والجماعات اليسارية المتطرفة، وبعض المتطرفين ذوي‮ ‬المصالح‮ ‬الخاصة‮.‬
وكان من أبرز العمليات الارهابية التي قامت بها عناصر داخلية هي عملية أوكلاهوما التي قام بها تيموثي ماكفي.. أما الإرهاب الخارجي، فهو الارهاب الذي تقوم به دول أو منظمات أجنبية بهدف التأثير على السياسة الأمريكية أو تحدي مكانة الولايات المتحدة العالمية، وتقوم بهذا النوع من الارهاب ثلاثة أنواع من التنظيمات هي: منظمات ارهابية رسمية، وارهاب مدعوم من الدول، ومتطرفون فرديون غير منتظمين في هياكل تنظيمية متماسكة، وعلى الرغم من أن الادارات الأمريكية المتعاقبة أولت اهتماماً فائقاً لمكافحة الارهاب، فإن المسئولين الأمريكيين أكدوا في العديد من المناسبات أنه ليست هناك مناعة كاملة في مواجهة الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة، في ضوء التطور المتواصل في المستوى التكنولوجي للعمليات الارهابية، وتطوير التكتيكات الارهابية، بالاضافة الى أن الجماعات الارهابية باتت تبدي عزماً وتصميماً‮ ‬وقدرة‮ ‬متزايدة‮ ‬على‮ ‬ضرب‮ ‬الأهداف‮ ‬الأمريكية،‮ ‬بما‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬محاولة‮ ‬الجماعات‮ ‬الارهابية‮ ‬الحصول‮ ‬على‮ ‬أسلحة‮ ‬الدمار‮ ‬الشامل‮.‬
وفي هذا الاطار فإن هجمات ١١ سبتمبر ضد الولايات المتحدة شكلت تعبيراً بالغ الوضوح عن طبيعة وخصائص الارهاب الجديد، فقد استهدفت هذه الجماعات ايقاع اكبر قدر ممكن من الخسائر والضحايا داخل الولايات المتحدة، من خلال ضرب أهداف تتميز بوجود كثافة بشرية عالية بها، وفي توقيتات حرجة، مع الحرص على تنفيذ الهجمات بشكل متزامن، من أجل مضاعفة الخسائر جنباً الى جنب مع استغلال عنصر المفاجأة، وفي الوقت نفسه ليست هناك أهداف سياسية واضحة تهدف هذه الهجمات الى تحقيقها، أكثر من مجرد التعبير عن الكراهية والرفض للسياسة الأمريكية، بالاضافة الى تحدي وضرب هيبة الولايات المتحدة ومكانتها، وإظهار انكشافها الأمني الداخلي، رغم تفوقها الساحق في كافة مقومات القوة الشاملة، جنباً الى جنب مع محاولة اشعال فتيل مواجهة حضارية بين الشرق المسلم والغرب المسيحي المؤيد لاسرائيل.
وقد انطوت هذه الهجمات من حيث الوسائل والآليات على تطور جوهري، وأبرزها تطور تكتيك ارهابي جديد يقوم على استخدام طائرات الركاب المدنية النفاثة كقنابل طائرة، كما أكدت الهجمات على اختراق التهديد الارهابي لعمق الولايات المتحدة، وهي مسألة كانت قد بدأت بشكل محدود مع محاولة تفجير مركز التجارة العالمي في فبراير ٣٩٩١م، والتي أسفرت عن مقتل ٦ أفراد، واصابة ألف فرد، ثم وصلت الى ذروتها مع هجمات نيويورك وواشنطن في ١١ سبتمبر ١٠٠٢م.. وقد عكست الهجمات أيضاً درجة عالية من جانب المنفذين على اخفاء مراحل التخطيط والتجهيز، والحيلولة‮ ‬دون‮ ‬تمكين‮ ‬أجهزة‮ ‬الاستخبارات‮ ‬والأمن‮ ‬القومي‮ ‬من‮ ‬اكتشافها‮ ‬واحباطها‮ ‬في‮ ‬مراحلها‮ ‬الأولية،‮ ‬رغم‮ ‬ما‮ ‬تتمتع‮ ‬به‮ ‬الأجهزة‮ ‬من‮ ‬قدرات‮ ‬فائقة‮ ‬التطور‮ ‬في‮ ‬مختلف‮ ‬مجالات‮ ‬العمل‮ ‬الاستخباري‮.‬
وفي الوقت نفسه فإن هجمات ١١ سبتمبر مثلت مأزقاً عسكرياً حقيقياً للولايات المتحدة، فعلى الرغم من قوة الولايات المتحدة الهائلة في المجال العسكري، إلاّ أن هذه القوة لا تستطيع أن تفلح في مواجهة الارهاب ومصادر عدم الاستقرار والصراع الداخلي، حيث ان الاستراتيجيات العسكرية والخطط القتالية ومنظومات التسلح الرئيسية للولايات المتحدة مصممة في أغلبها لخوض صراعات متشابهة للحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، ولكنها غير قادرة على خوض غمار حرب ضد الارهاب.. فالجماعات الارهابية ذات بنية فضفاضة، وليست لديها مقرات حقيقية ثابتة، وسوف يظهر أتباعها مجدداً، وفي افغانستان، لم تمارس القوات الأمريكية قتالاً برياً حقيقياً في حربها ضد الارهاب، وانما اعتمدت اساساً على قوات التحالف الشمالي الموالية لها، وأظهر الأمريكيون هلعاً حقيقياً ازاء فكرة ارسال قوات برية الى افغانستان، مما يعكس افتقارهم‮ ‬الى‮ ‬الوسائل‮ ‬القتالية‮ ‬والتكتيكات‮ ‬الملائمة‮ ‬لمثل‮ ‬هذا‮ ‬النوع‮ ‬من‮ ‬الصراع‮ ‬المسلح‮.‬
وقد ظل الارهاب يفرض نفسه كمصدر تهديد رئيسي على الساحة الدولية، حتى قبل أحداث ١١ سبتمبر في واشنطن ونيويورك، وبدأت العديد من الدول وبالذات الولايات المتحدة تعطي للارهاب أولوية قصوى منذ بداية التسعينيات، واعتبرته بمثابة التهديد الأكبر والأكثر خطورة في فترة ما بعد الحرب الباردة، وعملت على تطوير استراتيجيات وآليات لاحتواء ومنع الهجمات الارهابية قبل وقوعها.. وقد اعطت هجمات ١١ سبتمبر مزيداً من قوة الدفع لجهود مكافحة الارهاب، بحيث استحوذت على الأولوية على كل ما عداها.
وقد استحوذت الأدوات العسكرية على الحيز الأكبر من جهود مكافحة الارهاب، حيث اندفعت الولايات المتحدة بقوة نحو القيام برد عكسي على هجمات ١١ سبتمبر، حتى قبل أن تتوافر الأدلة الكافية لها بشأن المسئولين عن هذه الهجمات.. ووجدت الولايات المتحدة نفسها في حاجة الى بناء تحالف دولي واسع النطاق لمكافحة الارهاب، ولكنه ليس تحالفاً عسكرياً تقليدياً، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، ويركز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية، من أجل تعقب الجماعات الارهابية وضرب شبكتها العالمية وتخفيف مواردها المالية،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬تعقيدات‮ ‬سياسية‮ ‬وعسكرية‮ ‬عدة‮ ‬تحيط‮ ‬بهذا‮ ‬النوع‮ ‬من‮ ‬التحالف‮.‬
وتنبع أهمية التحالف الدولي لمواجهة الارهاب من أن هجمات ١١ سبتمبر أكدت أن الارهاب الدولي أصبح يمثل تحدياً بالغ الخطورة، بحيث لا يمكن لأية دولة أن تواجهه بمفردها مهما كانت قدراتها، كما أن الكثير من دول العالم، ولاسيما الولايات المتحدة والدول الكبرى، تعاني من ضعف وهشاشة وضعها الأمني بسبب انتشار مصالحها العالمية على رقعة واسعة للغاية في الساحة الدولية، وهو ما يزيد من انكشافها وتعرضها للخطر، وتطرح احتمالات عالية لتعرض هذه المصالح للخطر والتهديد.. ومن شأن هذا الوضع أن يزيد من التداخل بين الأمن القومي والأمن الدولي،‮ ‬حيث‮ ‬أصبح‮ ‬أمن‮ ‬أية‮ ‬دولة‮ ‬في‮ ‬العالم،‮ ‬وبالذات‮ ‬الولايات‮ ‬المتحدة،‮ ‬أكثر‮ ‬ارتباطاً‮ ‬من‮ ‬الناحية‮ ‬العضوية،‮ ‬ومن‮ ‬غير‮ ‬الممكن‮ ‬لأية‮ ‬دولة‮ ‬أن‮ ‬تحقق‮ ‬لنفسها‮ ‬الأمن‮ ‬بمعزل‮ ‬عن‮ ‬العالم‮ ‬الخارجي‮.‬
وأخيراً فإن الأدبيات السياسية الأمريكية تركز على ضرورة معالجة العوامل الهيكلية التي تدفع نحو بروز الارهاب سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ولاسيما تلك العوامل التي ؤدي الى نشوء حالة من الكراهية لأمريكا والغرب في الخارج، ولا سيما في العالم الاسلامي.
وهناك قدر كبير من التباين في هذا الشأن فمن ناحية، هناك العديد من الدعوات التي وجهت للإدارة الأمريكية ولاسيما من جانب الدول العربية والاسلامية بما في ذلك بعض التيارات داخل الولايات المتحدة ذاتها، من أجل معالجة الاختلالات والتحيزات التي تتسم بها السياسة الأمريكية‮ ‬ولاسيما‮ ‬التحيز‮ ‬الأمريكي‮ ‬الصارخ‮ ‬لإسرائيل،‮ ‬بما‮ ‬في‮ ‬ذلك‮ ‬التأكيد‮ ‬على‮ ‬ضرورة‮ ‬أن‮ ‬تنسحب‮ ‬اسرائيل‮ ‬من‮ ‬الأراضي‮ ‬العربية‮ ‬التي‮ ‬احتلتها‮ ‬في‮ ‬عام‮ ٧٦٩١‬م‮.‬
من ناحية أخرى فإن التيار الأكثر شيوعاً في الأدبيات السياسية الأمريكية يركز على ضرورة تحقيق اصلاحات ديمقراطية واقتصادية واجتماعية جذرية في الدول العربية والاسلامية، وبالذات الدول الكبرى، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، حيث هناك فكرة شائعة في هذه الأدبيات تقوم على ان الدافع الرئيسي وراء التطرف والعداء للغرب وغضب المسلمين من الولايات المتحدة يتمثل في فشل العديد من الدول الاسلامية المعتدلة في تشكيل حكومات عصرية تستجيب لاحتياجات شعوبها واحتياجات المجتمعات المدنية، وتتكامل هذه الفكرة مع تبني بعض المسئولين المتشددين في الولايات المتحدة مبدأ يقول إنه اذا أرادت الولايات المتحدة أن تظل قوة عظمى وحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة، فإن عليها أن تدير العالم حسب قيمها الديمقراطية.. وينطوي هذا المنهج في معالجة جذور الارهاب على مخاطر كبيرة للغاية، لأنه اذا حاولت الادارة الأمريكية‮ ‬أن‮ ‬تضع‮ ‬هذه‮ ‬التصورات‮ ‬موضع‮ ‬التنفيذ،‮ ‬فإن‮ ‬ذلك‮ ‬سوف‮ ‬يمثل‮ ‬تدخلاً‮ ‬غير‮ ‬مقبول‮ ‬في‮ ‬الشئون‮ ‬الداخلية‮ ‬للدول‮ ‬الأخرى‮ ‬المعنية‮.‬
والواقع أننا نختلف الى حدٍ كبير مع التحليلات التي تذهب الي أن هجمات ١١ سبتمبر أدت أو سوف تؤدي الى حدوث تحولات جذرية في هيكل النظام الدولي، صحيح أن هذه الهجمات شكلت تحدياً بالغ الخطورة للولايات المتحدة، ليس فقط في المجال الأمني، ولكنها مثلت أيضاً تحدياً لهيبة الولايات المتحدة الهائلة، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً، وبين عجزها عن مواجهة التهديد الارهاب النابع من داخلها، فالحرب ضد الإرهاب سيطرت على السياسات الخارجية للولايات المتحدة خصوصاً، وللعديد من الدول الأخرى في العالم بصفة عامة، وأثرت بقوة على السياسات الخارجية والدفاعية لهذه الدول، وهو ما يعني اختلال بؤرة التفاعلات الدولية منذ أحداث ١١ سبتمبر، ولكن ذلك كله لا يعني أن النظام الدولي أصبح قيد التشكيل، لا من حيث الهياكل أو المؤسسات أو علاقات القوة.
وليس من المتوقع أيضاً أن تحتاج الحرب ضد الارهاب الى انشاء مؤسسات دولية جديدة، ولكنها تحتاج فقط الى تطوير عمل المؤسسات الدولية القائمة، ولاسيما الأمم المتحدة وحلف شمال الاطلنطي، وهي مسألة بدأت على الفور عقب أحداث ١١ سبتمبر، وحتى اذا افترضنا أن الحرب ضد الارهاب أدت الى اعادة صياغة النظام الدولي فإن هذه الصياغة سوف تأتي لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، التي حصلت خلال حربها ضد الإرهاب على اعتراف متزايد لشرعيتها كقوة عظمى وحيدة في العالم، جنباً الى جنب مع حصولها على مزايا استراتيجية عدة، ولاسيما في منطقة آسيا الوسطى‮ ‬وجنوب‮ ‬آسيا‮.‬
ومن ثم فإن هجمات ١١ سبتمبر تشير الى أن الارهاب الدولي أصبح يمثل شكلاً رئيسياً من أشكال الصراع المسلح في الساحة الدولية، إن لم يكن الشكل الرئيسي للصراع، وهو ما يثير تساؤلات ضخمة بشأن النتائج المحتملة لهذا الصراع.. وتنطوي هذه التساؤلات على تعقيدات واسعة.. فمن ناحية، يبدو القضاء الكامل على الإرهاب الدولي هدفاً مثالياً وغير قابل للتحقق، فالإرهاب يعتبر ظاهرة معقدة وملازمة لتطور المجتمع الدولي الحديث، طالما ظلت الدوافع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإرهاب قائمة، داخلياً وخارجياً، كما أن من غير الممكن‮ ‬أن‮ ‬تمتلك‮ ‬أية‮ ‬دولة،‮ ‬مهما‮ ‬كانت‮ ‬قدرتها،‮ ‬حصانة‮ ‬كاملة‮ ‬ضد‮ ‬الارهاب‮.‬
وفيما تتواصل الحرب الدولية على الإرهاب، تولي كثير من الدول اهتماماً أكبر لأمنها الداخلي، وتتلمس الجوانب التي تعاني من الضعف في هذا الجدار لتقويتها وتعزيزها.. وقد اتخذت العديد من الدول اجراءات متباينة تستهدف سد الثغرات التي يمكن أن يدخل منها الارهاب أو يستغلها‮ ‬الارهابيون‮ ‬لأهدافهم‮ ‬غير‮ ‬الانسانية‮.‬
واذا كانت الدول النامية هي الأكثر تركيزاً على الأمن الداخلي، أساساً، ومنذ سنوات طويلة، بسبب طبيعة الأنظمة الفردية أو الديكتاتورية في كثير منها، ولوجود بيئة حاضنة للإرهاب، بدواعي البطالة والفقر والجهل وتفشي الأمراض واتساع نطاق تجارة المخدرات وتعاطيها في بعض‮ ‬تلك‮ ‬الدول،‮ ‬فإن‮ ‬هذا‮ ‬لا‮ ‬يلغي‮ ‬حاجة‮ ‬الدول‮ ‬المتقدمة‮ ‬الى‮ ‬الانتباه‮ ‬الى‮ ‬أمنها‮ ‬الداخلي‮.‬
ومن هنا نجد أن المظلة الاجتماعية أو غياب العدالة الاجتماعية، وانعدام المساواة وتكافؤ الفرص، الى جانب الظلم السياسي وغياب الديمقراطية، وتغوُّل سلطة واحدة فردية أو شبه فردية، واحتكارها للقرار السياسي، والانغلاق على الناس، والقرارات الفوقية غير المبررة، كلها أسباب‮ ‬تعطي‮ ‬الارهاب‮ ‬والارهابيين‮ ‬ساحة‮ ‬للعمل‮ ‬ومجالاً‮ ‬للتحرك،‮ ‬وفرصة‮ ‬مناسبة‮ ‬للضرب‮ ‬في‮ ‬مواقع‮ ‬موجعة‮.‬
وهذا الاهتمام الدولي المتباين بالأمن والاستقرار الداخليين يعكس شعوراً بالفشل أو الاحباط ازاء ما جرى في الولايات المتحدة التي تعتقد أن لديها أكبر جهاز استخبارات في العالم، على الصعيدين الداخلي والخارجي لكنها لم تستطع أن تحمي نفسها من ضربات الارهاب!! وهذا ما جعلها في حاجة الى اعادة النظر في عدد من القوانين الفيدرالية والمحلية، وتطوير التنسيق مع الأجهزة المماثلة لها في العالم كله من أجل صيانة أمنها الداخلي، مثل كل شيء، ومع هذا فإن هناك أخباراً ومعلومات ترددها أجهزة اعلام مختلفة، هنا وهناك، تتحدث عن اختراقات أمنية واسعة في الولايات المتحدة يستطيع الارهابيون أن ينفذوا منها لتوجيه ضربات جيدة للأمن الأمريكي، الأمر الذي قد لا يكون »مرض الجمرة الخبيثة« إلاّ سلاحاً بسيطاً من أسلحته المتنوعة والمفاجئة، وقد لا تكون »المتطورة«!! وكل هذا يجعلنا نؤكد على أن الأمن الداخلي أولوية قصوى في أي بلد من البلدان، وخصوصاً في بلداننا العربية، غير أن هذا الأمن لا يتعزز بالاجراءات الاحترازية أو الوقائية وحدها، بل لابد من الالتفات الجاد أيضاً الى الأسباب الاجتماعية والسياسية التي قد تكون حاضنة للإرهاب والتي أشرنا الى بعضها في بداية هذا المقال، ومعالجتها معالجة جادة وجريئة وجذرية بعيداً عن العواطف أو المداهنة أو المسايرة، ودون الحاجة الى تلميع واجهات المشكلات، أو زرع الأرض بالورود والرياحين دون الانتباه الى المحيط المتعفن الذي يمكن لهذا الورود والرياحين أن تنمو فيه!
إن الأمن الوطني مسئولية ذات مساس بالسيادة الوطنية ولكنه، بلاشك مرتبط بالأمن القومي، والأمن الدولي، بعامة، وهذا هو الشعار الذي يمكن للتحالف ضد الإرهاب أن يبلوره الى واقع ملموس غير أن جذور الإرهاب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية هي الأولى بالمعالجة‮ ‬والاهتمام‮.‬
واتضح أيضاً أن التقنيات المضادة للإرهاب في الولايات المتحدة لم تستطع منع وقوع هجمات ١١ سبتمبر على مدن نيويورك وواشنطن.. فالتفوق التكنولوجي لم يكن قابلاً للكشف عن مجموعة ارهابية تعمل بطرق أولية مع قليل من تكنولوجيا الاتصالات لتفادي اشعاعات الاشارات الالكترونية، والأجهزة اللاقطة الأمنية مازالت غير قادرة على تحسس المتفجرات البلاستيكية،وآخر تطورات المجسات الالكترونية غير قابلة على استكشاف الجراثيم البيولوجية أو الأسلحة الكيماوية والنووية وبالسرعة الكافية لتحاشي الكوارث الكبيرة.


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
في زيارتي للوطن.. انطباعات عن صمود واصطفاف ملحمي
اياد فاضل*

هم ونحن ..!!
د. عبد الوهاب الروحاني

اليمن يُغيّر مفهوم القوة
أحمد الزبيري

مسلمون قبل نزول القرآن الكريم.. فقه أهل اليمن القديم
الباحث/ عبدالله محسن

الأقلام الحُرة تنقل أوجاع الناس
عبدالسلام الدباء *

30 نوفمبر عيد الاستقلال المجيد: معنى ومفهوم الاستقلال الحقيقي
عبدالله صالح الحاج

دماء العرب.. وديمقراطية الغرب؟!
طه العامري

ترامب – نتنياهو ما المتوقَّع من هذه العلاقة؟!
ليلى نقولا*

أين هو الغرب من الأطفال الفلسطينيين السجناء وهو يتشدَّق دوماً بحقّ الطفل؟
بثينة شعبان*

صراع النملة مع الإنسان ولا توجد فرص أخرى للانتصار!!
د. أيوب الحمادي

دغيش.. البرلماني الذي انتصر للوحدة حتى المَنِـيـَّة
خالد قيرمان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)