إعداد/ أحمد عبدالعزيز - من الصعب، بل من العسير على أي سياسي أو محلل أو مؤرخ أو إعلامي في الداخل اليمني أو من خارجه أن يدرك ويعي أهمية المرحلة التي تسنم فيها الزعيم علي عبدالله صالح، في 17 يوليو 1978م مقاليد حكم البلاد، دون معرفة حقيقة الأوضاع الراهنة حينها، وما كان ينذر في الأفق ويتوقع لها، في تالي السنوات:
۹ من هنا كانت شجاعة الرجل وإقدامه، الذي وضع حاضر ومستقبل الشعب والبلاد في كفة، وحياته وروحه في كفة أخرى، ذلك ما أكدته وكشفته السنوات التالية لحكمه لليمن، والتي نال على إثرها الشهادات العدول من الخارج قبل الداخل.
خلال تلك الحقبة العصيبة كانت البلاد شبه مجتمعة على فوهة بركان يغلي، قابل للإنفجار في أية لحظة أو حين.. فلقد تجمعت كل حمم الصراعات الحادة بين التيارات والقوى السياسية والقبلية المختلفة، خاصة وأن حادثة اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في الرابع والعشرين من يونيو العام 1978م مثلت انعطافاً خطيراً في مسار الاوضاع والدفع بها الى ذروة التعقيد والتوتر.
وعندما نستخدم عبارة «ذروة التعقيد» ، فإن الأمر كان حينها بالفعل كما تحمله تلك العبارة من معان.. ويكفي أن اليمن قد شهدت حوادث اغتيالات ثلاثة رؤساء في أقل من سنة، مما أفضى الى فراغ سياسي وتداعيات سلبية عنيفة غير مسبوقة جعلت الشارع اليمني بأكمله في حالة غليان وفوضى رهيبة، يكفي انها دفعت الجماهير الى حالة من انعدام الثقة، في أي كان من بين صفوفها للتقدم والامساك بزمام الامور وتحمل المسؤولية الكبيرة والصعبة لإنقاذ البلاد والشعب والنسيج الوطني من التشظية وتمزق الهوية الواحدة، والانتماء الواحد، ذلك فضلاً عن أن تلك الحالة بما حملت من أوضاع، قد فتحت الباب واسعاً على مصراعيه لتدخل القوى والأيادي الخارجية، التي كانت بالفعل تتربص بدول المنطقة وتتحين الفرص للتدخل وإعمال مخالبها في جسدها، وبالضرورة كانت اليمن واحدة من تلك الساحات إن لم تكن في مقدمتها.
وفي مثل هذه الظروف الصعبة والعصية التي تعيشها البلاد والتي كانت تنذر بإشعال فتيل النار وإعادة إنتاج أوضاع اكثر سواداً وقتامة.. كان لابد من قائد من طراز الرجال الشجعان.. ولكن تراجع فطاحلة السياسة والقيادات المخضرمة وتهربهم من تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية.
في خضم هذه الاوضاع والمخاطر المحيقة بالوطن، كان لابد من سلطة انقاذ تملأ الفراغ الدستوري والسياسي، وتولي مهام قيادة البلاد، فتم الاتفاق مبدئياً على تشكيل مجلس رئاسة، مكون من أربعة أعضاء، حتى يتسنى له فيما بعد انتخاب رئيس للجمهورية.. وجاء تشكيل المجلس كالتالي:
1- القاضي عبدالكريم العرشي - رئيس مجلس الشعب التأسيسي- رئيساً.
2- الاستاذ/ عبدالعزيز عبدالغني - رئيس الوزراء -عضواً.
3- المقدم علي صالح الشيبة - رئيس هيئة الأركان العامة- عضواً.
4- الرائد علي عبدالله صالح - قائد لواء تعز- عضواً.
غير أن هذا المجلس الرئاسي الذي جاء لملء الفراغ السياسي في الدولة، وتولى زمام القيادة، والإعداد لانتخاب رئيس جديد للبلاد لم يكن لسوء الحظ مهيئاً لمجابهة التحديات الماثلة، خاصة بعد تصاعدها مع اغتيال الرئيس سالم ربيع علي، في الشطر الجنوبي، وتولي عبدالفتاح اسماعيل الحكم من بعده، وهو المعروف بميوله الثورية الراديكالية، وطموحه للسيطرة على السلطة في الشمال وتوحيد اليمن تحت راية الماركسية.. الأمر الذي بدأت تلوح معه في الأفق نذر حرب بين الشطرين.. فكانت الضرورة تقتضي التعجيل لانتخاب رئيس للبلاد يتخذ القرارات ويتولى مسؤوليتها.. لكن الوضع كان على حالة من الخطورة الشديدة الى درجة أيقن معها الجميع أن الإقدام على تولي مهام القيادة والرئاسة هو مخاطرة بالحياة، وكان الكل يردد حينها مقولة: «من أراد ذلك عليه أن يعد كفنه ويحمله على كتفه، لأنه لا محالة على موعد مع الموت»، وذلك لأسباب واضحة.
في وسط هذا الوضع المفخخ والمنذر بالجحيم تقدم الرجل الشجاع الذي يحمل قلب أسد.. تقدم المقدم علي عبدالله صالح الصفوف استجابة لنداء الواجب لإنقاذ الوطن، وبراً بأمانة المسؤولية الوطنية التاريخية، وكان الأصغر سناً في مجلس الرئاسة فتم انتخابه، وفقاً لأحكام الدستور، وفي نطاق الشرعية الكاملة، رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة من قبل أعضاء مجلس الشعب التأسيسي، وذلك في يوم حمل تاريخاً مشهوداً وخالداً هو 1978/17م، لأنه كان الرجل المناسب في المكان المناسب، وانطبقت عليه المواصفات التي كانت مطلوبة وشرطاً حينها ذلك ما تأكد في الأشهر والسنوات الاولى واللاحقة لهذا التاريخ.. رجلاً قوياً وقائداً عظيماً وحكيماً، ذا عقلية مستنيرة ومعتدلة ومتوازنة يستطيع الامساك بمقود الاوضاع والسير بها في الطريق السليمة.
وبالفعل لقد أثبتت سنوات حكم الزعيم القائد الفذ علي عبدالله صالح لليمن وشعبها انه من امتلك تلك الصفات والسجايا، وقد جسدها عملياً بحكمته وحنكته وفلسفته المنهجية في تعاطيه مع الأوضاع والتحديات والاحداث والمستجدات والمتغيرات.. ومع الناس بنفس متساوية، ورؤية ثاقبة، منبثقة من الواقع ومن صميم الجماهير التي عاش عذاباتها وآلامها وطموحاتها.
لقد أسس انتخاب المواطن الجسور المقدم علي عبدالله صالح رئيساً للجمهورية في 17 يوليو 1978م، حقيقة للمسار الديمقراطي حيث تلى ذلك مباشرة أول انتخابات للمجالس المحلية (البلدية) عام 1978م، ثم جاء بعد ذلك الكثير والعديد من الانجازات العملاقة والتاريخية خلال فترة حكم الزعيم، في مقدمتها تحقيق حلم الثوار وكل اليمنيين بإعادة توحيد شطريه المقسمين في الثاني والعشرين من مايو 1990م، فتحققت الوحدة الخالدة، فتواصل بعد ذلك المسير في النهج الديمقراطي، حيث شهد العام 1993م، أول انتخابات تشريعية لانتخاب اعضاء البرلمان، ثم تلتها انتخابات تشريعية أخرى عام 1997م، وتجربة ثالثة عام 2003م، وأجريت في العام 1999م أول انتخابات رئاسية رافقها إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية وأجريت ايضاً انتخابات للمجالس المحلية في عام 2001م، ثم توالت المحطات الديمقراطية بانتخابات رئاسية ومحلية في ابريل 2006م.
ليس النهج الديمقراطي وحده الذي برع فيه الزعيم الفذ علي عبدالله صالح وأرسى من خلاله النظام السليم عبر انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة مختلف شرائح وفئات أبناء الشعب اليمني للتداول السلمي للسلطة عبر قيام وإنشاء الاحزاب والتنظيمات السياسية والصحافة والإعلام الحر القائم على مبدأ قبول الرأي والرأي الآخر.. بل هناك الكثير والعديد من من الإنجازات التاريخية والعملاقة التي يضيق المجال للتوسع والإبحار فيها ومنها على سبيل المثال إنشاء وتكوين المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي وحزب جامع وشامل لكل ألوان الطيف السياسي، وكلبنة أولى لإقرار التعددية الحزبية الواسعة.
الى جانب حل وتجاوز مشكلات ومعضلات عصية أهمها مشكلة الحدود مع الاشقاء والجيران حيث استطاعت بلادنا بحمد الله وحكمة القائد التاريخي علي عبدالله صالح ترسيم حدودها الشرقية مع سلطنة عمان الشقيقة، ثم توقيع معاهدة جدة التاريخية لترسيم حدودها الشمالية مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، وايضاً حل قضية ارخبيل جزر حنيش عقب الاحتلال الاريتيري لها وذلك عبر الطرق السلمية والاحتكام لمحكمة العدل الدولية والتي أصدرت حكمها التاريخي بأحقية السيادة اليمنية عليها، كما لا ننسى غيرها من المنجزات المهمة والتاريخية التي غيرت حياة الشعب اليمني في الاتجاه الايجابي الفاعل مثل إحقاق مبادئ حقوق الانسان، وتوسيع مشاركة المرأة سياسياً والعامة وقيام المشاريع الكبيرة والضخمة كالمنطقة الحرة بعدن واستخراج وتصدير النفط والغاز الى الخارج وإعادة بناء سد مأرب، وغيرها من المشاريع الخدمية التي تعود بالخير والفائدة لأبناء الوطن ويضيق المجال هنا في هذه العجالة لاستعراضها باسهاب واستفاضة.
حقيقة لا تقبل الجدال وسط اليمنيين والشهود العدول في الخارج، ان يوم 17يوليو 1978م، مثل علامة التحول الفارقة في حياة الشعب اليمني، ليتدفق مع هذا اليوم المجيد العمل والبناء في شتى مجالات الحياة اليمنية، ارتبطت جميعها بصانع تلك التحولات القائد التاريخي لهذه الأمة الزعيم الفذ علي عبدالله صالح .. الذي مثل خلال فترة حكمه ضمير الشعب الذي يحبه وينتمي اليه.. وبادله شعبه ولايزال نفس الحب وأصالة الانتماء.
|