عيد بن مسعود الجهني -
اهتم ميثاق الأمم المتحدة بالاتفاقات الإقليمية فخصص لها الفصل الثامن، ليحدد علاقة المنظمات الإقليمية بالميثاق والمبادئ التي يقوم عليها، وقد تلافى بذلك ما كان يؤخذ على عصبة الأمم من عدم الاهتمام الكافي بالتنظيمات الإقليمية.
وقد جاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 من ست دول هي: السعودية، الإمارات، الكويت، عمان، قطر، البحرين في منطقة شديدة الأهمية والحيوية بالنسبة إلى العالم، وذلك لموقعها الاستراتيجي الفريد ومحيطها النفطي الشاسع الذي يبلغ حوالي بليون برميل، وقد مر المجلس بعد تكوينه بمراحل مهمة استجابة مع الترابط العضوي بين دول المجلس وواقعها التاريخي والاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي.
وقد واجه المجلس في بدايات نشأته المتغيرات في المنطقة آنذاك، خصوصاً الثورة الإيرانية التي كانت في عنفوانها بعد أن نجح الخميني عام 1979 في إطاحة الشاه (شرطي الخليج) الذي تخلت عنه الإدارة الأميركية جهاراً نهاراً، لتترك الثورة تجهز عليه، ومع اشتعال الحرب الإيرانية - العراقية، كان على المجلس التصدي لزلزالها ونجح إلى حد كبير في إبعاد دوله عن ولوج ساحة الحرب، وقد حفز نجاح تجربة مجلس التعاون الخليجي بعض الدول العربية على طلب الانضمام إلى المجلس.
واليمن كان قد انضم إلى مجلس التعاون العربي الذي تأسس عام 1989 من مصر والعراق والأردن واليمن، لكن احتلال العراق للكويت في الثاني من آب (اغسطس) عام 1990 كان القشة التي قصمت ظهر البعير، مما أدى إلى حل ذلك المجلس، وعلى إثر ذلك حاول اليمن أكثر من مرة الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
وفي قمة الدوحة عام 1996 تقدم اليمن إلى المجلس، طالباً الانضمام إليه ونوقش الطلب، لكن البيان الختامي الذي صدر في ختام القمة لم يُشِر إلى الطلب اليمني، إلا أن تكرار إلحاح اليمن لم يتوقف، وقد قاد إصراره هذا دول المجلس في قمتها التي عقدت في 30 كانون الأول (ديسمبر) 2001، بالعاصمة العمانية مسقط إلى قبول انضمام اليمن في بعض مؤسسات المجلس، ومنها المشاركة في مجلس وزراء الصحة والعمل، وفي مكتب التربية والتعليم ومنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية لدول مجلس التعاون الخليجي، ناهيك عن المشاركة في النشاطات الرياضية... إلخ.
واليمن جزء أساسي في الجزيرة العربية، حيث يحتل رقعة جغرافية استراتيجية في جنوبها، فهو يقع على مدخل البحر الأحمر حيث باب المندب، ويطل على المحيط الهندي من عدن، ويلاصق أفريقيا من جهة الصومال، إضافة إلى أنه منتج للنفط حيث يصل انتاجه الى نحو 480 ألف برميل يومياً، ويعد من الدول الزراعية، وهو ما يزيد من أهميته الاقتصادية، وله مصالح متعددة مع دول المجلس.
والسؤال المطروح كيف يتحقق لليمن السعيد بلوغ نادي الأغنياء؟ والإجابة نقرأها من حركة المجلس في اتخاذ قراراته منذ تدشينه حتى اليوم، فالمجلس يطبق حكمة التروي وعدم الإسراع في اتخاذ القرار... واعتماداً على هذا التروي الذي عُرِف به المجلس فإنه من غير المتوقع أن ينال اليمن العضوية في القريب العاجل... لكن على الجانب الآخر - وهو الأهم - فإن اليمن بعد أن فاز بالعضوية الجزئية فإنه لن يكون بعيداً من أن ينال في المستقبل العضوية الكاملة، وفق خطوات ثابتة ومدروسة بدقة طبقاً للظروف والمتغيرات الإقليمية والدولية بعد أن خرج العراق من منظومة الأمن القومي الخليجي والعربي.
فالواقع يقول إن ذلك البلد الشقيق دخل بالفعل من خلال البوابة الصحيحة، وخطوة الألف ميل تبدأ بخطوة، وقبول مشاركته في مجلس وزراء الصحة والعمل والرياضة وغيرها يقدم الدليل على اهتمام دول المجلس باليمن، وأنه أقوى الدول المرشحة للانضمام إلى عضوية المجلس فهو يمثل امتداداً استراتيجياً يوفر بُعْداً أمنياً وجيوسياسياً لدول الخليج، وبهذا فهو جزء مهم من أمن المنطقة واستقرارها، واستقرار اليمن وعيشه بأمن وسلام مرتبط بدول المجلس.
وعلى رغم أن النظام الأساسي للمجلس ينص على أن (تعديل النظام الأساسي لمجلس التعاون) من اختصاصات المجلس الأعلى الذي يتكون من الدول الست، فإن اليمن لا يمكنه الانضمام ما لم يتم تعديل النظام الأساسي للمجلس، وهذا النص القانوني يرد عليه بأن انضمام اليمن إلى بعض لجان المجلس صدر عن قادة الدول الست، ومن حقهم تعديل النظام الأساسي، كما أنه من حق القادة إصدار كل القرارات التي تخدم أهداف المجلس الأعلى ومصالحه.
ولذا فإنه إذا تأكد لهم أن انضمام اليمن يمثل قوة اقتصادية وسياسية واستراتيجية للمجلس فبإمكانهم إصدار ما يشاؤون من القرارات، ومنها حقهم في تعديل النظام الأساسي، وبالتالي التغلب على كل العقبات، ومنها العوائق القانونية إن وجدت.
بيد أن العوائق القانونية التي يشار إليها كعقبة لفوز اليمن بالعضوية يضيف إليها البعض العائق الاقتصادي، ويعتبرونه عقبة أخرى تضاف إلى العقبة القانونية لتقف حجر عثرة أمام اليمن ليصبح عضواً في نادي الأغنياء، باعتبار أن اقتصاد اليمن الضعيف قد يصبح شوكة في حنجرة اقتصاد الدول الست.
هناك فارق كبير بين اقتصادات ودخول الأفراد في دول المجلس وباقتصاد الفرد ودَخْله باليمن الذي لا يتجاوز دخل الفرد فيه 650 دولاراً سنوياً ويعيش أكثر من 50 في المئة من سكانه تحت خط الفقر. وجاء التغيير الوزاري الأخير في اليمن - كما أعلن - لمحاربة الفقر والبطالة والفساد. وتعتبر دول المجلس دولاً غنية مقارنة باليمن، لكن على الجانب الآخر إذا قيست الدول الست بدول أخرى فإن الغنى هنا نسبي إلى حد كبير، فعلى رغم أنها غنية بالثروات الطبيعية، خصوصاً النفط الذي يصل احتياطيها منه إلى حوالي 483 بليون برميل، فإن دخول مواطنيها - وإن كانت معقولة نسبياً - لا تعتبر عالية مقارنة بدول أخرى غنية.
فالولايات المتحدة مثلاً، التي يقارب عدد سكانها سكان العالم العربي، كان دخل الفرد فيها في أواسط الثمانينات حوالي 25 ألف دولار سنوياً، واليوم تجاوز 45 ألف دولار. أما متوسط دخل الفرد في دول مجلس التعاون فإنه يتراوح بين 9 و20 ألف دولار تبعاً لعدد السكان، وإن كان قد تحسن إثر ارتفاع أسعار النفط في السنوات الثلاث الأخيرة، والتي تجاوزت 78 دولاراً للبرميل قبل أن تعود إلى التدني النسبي.
والغنى والفقر لا يعتبران مقياساً حقيقياً دائماً، وأمامنا مثل حي، فالاتحاد الأوروبي جمعت منظومته دولاً أقل ثروةً وغنًى، واستطاع أن يرفع مستوى دخلها القومي بالتزامن مع دخولها في ذلك الاتحاد، فتغلبت الدول المنضمة على حجة الغنى والفقر عندما اندمجت وتكتلت من أجل أهداف ومصالح واحدة.
واليمن يملك الكثير الذي يمكن أن يقدمه، فأوضاعه الاقتصادية طرأ عليها تحسن ملحوظ خلال السنوات الماضية، ولديه ثروة بشرية عاملة تبلغ حوالي 4 ملايين نسمة، بإمكان نسبة كبيرة منها أن تنضم إلى سوق العمالة الوافدة التي يصل تعدادها إلى أكثر من 12 مليوناً، والسعودية وحدها تستضيف نحو 7 ملايين من العمالة الأجنبية، خصوصاً أن العمالة اليمنية قبل حرب الخليج الثانية كان لها حضور كبير في الخليج يصل تعدادها إلى حوالي مليوني شخص.
صحيح أن العمالة الآسيوية (مثلاً) قد تتميز ببعض المهارات وتقبل القيام بأعمال معينة، وتتقاضى أجوراً أقل، وقدرتها العلمية قد تكون أكبر من العمالة اليمنية، لكن يبقى أنه من الممكن تدريب بعض العمالة اليمنية، للاستفادة منها في سوق العمل الخليجية التي تصل فيها تحويلات العمالة الوافدة إلى أكثر من 25 بليون دولار سنوياً منها نحو 5.5 بليون دولار تذهب إلى الهند وحدها، فإذا فازت العمالة اليمنية بنسبة معقولة من هذا الرقم الضخم، فإنها ستعود على اليمن واقتصاده بالنفع.
ولمن يتخوفون من حصول هجرة جماعية من اليمن إلى دول المجلس الست بحثاً عن العمل بسبب الوضع الاقتصادي اليمني نقول إن الباب كان مفتوحاً للعمالة اليمنية ومن دون ضوابط قبل حرب الخليج الثانية، خصوصاً في السعودية، إلا أن عددهم آنذاك لم يتجاوز مليوني شخص في دول المجلس، خصوصاً إذا وضعت الضوابط القانونية للتعاقد معهم.
ناهيك أن استقبال العمالة المؤهلة المدربة والماهرة من اليمن وغيره من الدول العربية الأخرى هو نوع من الاستثمار المهم في العنصر البشري العربي، لا يقل أهمية عن الاستثمار في الاستكشاف والتنقيب عن النفط، فالإنسان المؤهل المدرب هو القادر على دعم الاقتصاد والتنمية، وفقر وغنى الدول يقاسان أولاً بغناها بالثروة البشرية، ثم يأتي دور الثروات الطبيعية وغيرها.
مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية
نقلاً عن الحياة