مطهر الاشموري -
اعتبرت نفسي مارست توصيفاً أدق من الدقة ودهاءً سياسياً استثنائياً خلال حوارية في فضائية «اليمن اليوم» حين قلت «الذي أقوله للأخ الرئيس عبدربه منصور هادي بأننا كنا ننظر للواء علي محسن أنه الرجل الثاني في عهد علي عبدالله صالح- فيما نحس أنه في الفترة الانتقالية أكبر من الرجل الثاني».
بعد ذلك بشهر أو أكثر أو أقل أفاجأ وفي مقابلة أجرتها صحيفة «الجمهورية» مع اللواء علي محسن بقوله: «لم أكن في عهد صالح الرجل الثاني بل الأول».
إذاً فمعرفتنا لم تكن دقيقة بطرح أنه الرجل الثاني ولكن المشكلة أنه ما كان ليعترف في عهد صالح بكونه الثاني وكأنه كان يحتاج لثورة ليعترف بوضع الثاني أو الأول كما طرح.
إذاً.. هل علي محسن هو الثاني أو أرفع من الثاني في الفترة الانتقالية أم غير ذلك وهل سيقول بعد الفترة الانتقالية انه كان الاول في الفترة الانتقالية؟
لقد كان رأيي بأن علي محسن مارس خلال عام 2011م احترافية سياسية وتعامل كمحترف بارع في السياسة، ولكن ما طرحه أنه كان الرجل الأول في عهد الزعيم علي عبدالله صالح ربما يجعلني أراجع هذه الفكرة.
الذي يطرحه علي محسن هو أنه كان في عهد الزعيم علي عبدالله صالح «حاكم الحاكم» بأكثر من ولاية الفقيه كحوزات وملالي في إيران، وهذا يمثل سياق تصريح لرئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للاصلاح «اليدومي» الذي قال بما معناه: «الإصلاح هو الذي استعمل علي عبدالله صالح كرتاً».
الإصلاح وعلي محسن وهما واحد حين الوصول الى ثقة الاجهاض بقدر كبير على ما يسمونه بقايا نظام وحرس عائلي من ناحية، وحين الوصول من ناحية أخرى الى استنزاف ما تسمى الثورة حتى فقدان الحد الأدنى من أهلية التثوير فذلك يعني تشديد القبضة على الحكم والوضع بغلبة وبمستوى من الهيمنة، ولم تكن تصريحات استعمال صالح «كرتاً» أو الرجل الأول في عهده إلا من هذا الوضع كتموضع واقع وتموضع قوة للإصلاح.
إذا استرجعنا الرسالة الطويلة التي بعثها الشيخ عبدالمجيد الزنداني لمديرة إدارة المظالم بالأمم المتحدة للمطالبة برفع اسمه من قائمة الارهاب، فأهم تلخيص لها هو أن الزنداني لم يكن مع القاعدة الا حين كانت أمريكا مع القاعدة أو حين كانت القاعدة مع أمريكا فقط.
اللواء علي محسن كان اسمه مدرجاً في هذه القائمة ولم يحتاج لمثل هذا الالتماس، والاصلاح أقر بأنه غطاء الشرعية للقاعدة ليوجه الحروب الى صعدة.
الأنجح من يتموضع ويجدد التموضع كحاجية لأمريكا وهي تغض النظر، لأنه إذا الجهاد في سوريا فالقاعدية والقاعديون في هذا الجهاد لا يطبق عليهم الحد الامريكي كحرب ضد الارهاب بل تتشاور أمريكا وحلفاؤها كما تركيا في النقل والضيافة وكل أنواع الدعم ليصلوا لأعلى مستوى من الرفاهية.
إذا أمريكا استخدمت القاعدة «كرتاً» أو العكس، فمن وسيط الاستعمال بل هو وسيط التفعيل؟
إنه الاصلاح الذي علي محسن والزنداني من أقطابه والقاعدة التي كانت وسيط اسقاط النظام في افغانستان ربطاً بالسوفييت هي وسيط لذات الحاجية لإسقاط نظام في بلدها كقاعدة أو بلد آخر.
الاعتداء على جامع دار الرئاسة مثّل تنفيذاً لمشروع حسم ثوري قاعدي، والحرب في سوريا هي مشروع حسم ثوري قاعدي، وعند الاحتياج لمشروع حسم قاعدي فاستعمال الوسيط العسكري كعنف وإرهاب يمثل حاجية للوسيط السياسي والواقعي، والشيخ الزنداني كان أقرب لأسامة بن لادن في الدور وهو لذلك لا يستطيع استيعاب السياسة أو احترافها وحرفتها كما الاثقال الاخرى في الاصلاح ومنها علي محسن، فالذي ظل يتعامل مع مشهد افغانستان من المشهد والمتغير العالمي غير الذي اشتغل وانشغل بالمعمعة داخل افغانستان كما الزنداني!
ولذلك فإنه حتى «الظواهري» القيادي في القاعدة بعد بن لادن- كما يطرح- يبدو كأنما دخل الاستيعاب متأخراً جداً لمحطة 2011م حين تحدث عن إمكانية تنفيذ هدنة بين القاعدة والغرب لعشر سنوات.
فهذا يأتي من قراءة لاحقة ومتأخرة لمحطة 2011م ربطاً بالأسلمة وهو يريد الوقف الكلي والكامل للحرب ضد القاعدة كإرهاب لتجاوز التناقض والتقاطع بين الأجنحة العسكرية والسياسية للقاعدة وليتم الإجهاض على الأنظمة أو أنظمة في المنطقة ومن خلال ذلك تصاغ تفاهمات جديدة مع الغرب بعد عقد.
هذا الطرح فيه مباشرة كما الحالة الزندانية في الرسالة التي أوضحنا، فيما النجاحات الأهم لأمريكا في سياساتها ومخططاتها ومشاريعها وأهدافها هي من النجاح غير المباشر.
فنحن لا نستطيع فهم الاحتواء الامريكي المزدوج للعراق وإيران الا بعد غزو العراق، وإذا رئيس أمريكي مثل «أوباما» تعهد قبل أكثر من ثلاث سنوات في خطاب للعالم الإسلامي من القاهرة بأن يقيم علاقة احترام مع العالم الاسلامي فإننا لا نستطيع فهم علاقات الاحترام الا حين تفعيل محطة 2011م.
فالزنداني يستثني من تموضعه في فهم السياسة كمصداقية للحرب ضد الارهاب، فيما بات علي محسن والإصلاح يمثلون التجسيد لعلاقة الاحترام الامريكية مع العالم الاسلامي والتفكير بالطريقة الظواهرية من السذاجة.
حتى بافتراضي أنها الحقيقة فإنه ماكان يجدر ان يعلن علي محسن أنه كان الرجل الأول في عهد الزعيم علي عبدالله صالح لمحدودية المردود كإيجاب واحتمالية السلب أكثر.
فالإيجاب لا يتجاوز التأثير النفسي على الرئيس السابق علي عبدالله صالح فيما تأثير ذلك لا يعتد به على المؤتمر الشعبي العام أو أنصار وشعبية الزعيم.
علي محسن يريد إعلان تموضعه كحاجية للرئيس عبدربه منصور هادي بل ولأمريكا من خلال طرفه السياسي الاصلاح، والرئيس عبدربه منصور هادي هو تحت ضغط من تموضع سياسي واقعي في الداخل ومع الخارج، وبالتالي فعلى الذين يمارسون أو يحاولون الضغوط على الرئيس عبدربه منصور هادي لإبقاء علي محسن أن لا يكونوا ولا يظلوا الصورة المقابلة لتفكير السذاجة الزندانية الظواهرية.
ما تراه واشنطن يصبح خلال ساعات أو يوم إيقاعاً ووقعاً أو أمراً واقعاً في اليمن، فيما تسعى روسيا والصين لإعادته للمنطقة أو استعادته كتوازن يحتاج الى عقد أو أقل قليلاً ليصبح له تأثير في بلد وواقع كاليمن.
محطة 2011م هي وضعت الزعيم علي عبدالله صالح الحاكم وكذلك حزب المؤتمر في وضع الدفاع ولا يستطاع من هذا التموضع الاضطراري ممارسة ضغوط على الرئيس الجديد بالحد الأدنى من النجاح، وانشقاق علي محسن كان للتموضع كرأس حربة لهجوم كاسح يتواصل ويصعد من اصطفاف داخلي وخارجي.
وحين يقترب العام من تنفيذ الاتفاق وحكومة الوفاق يتم التغيير في أساليب الهجوم وتنويعه وهذا ما بدا فيه علي محسن فارساً وبما لم يكن يتوقع خلال محطة 2011م وبعدها حتى الآن.
علي محسن هو أكبر سناً من علي عبدالله صالح في حدود علمي، ومع ذلك فالمعطى من إجمالي طرحه أنه رجل المستقبل في اليمن.. فهل مازال لذلك مكان أو إمكانية؟