يحيى علي نوري -
إزاء هذا العنوان ستحدث حالة من الاندهاش والاستغراب لدى القارئ المتابع والمتخصص، حيث انه يعلم أن هناك في عالم الادارة علماً اسمه علم الادارة المنزلية ولم يسبق ان علم بوجود علم جديد نشأ للتو اسمه الادارة الحكومية المنزلية وأن بلاد العربية السعيدة هي من سيؤرخ لها تاريخ الادارة بأنها صاحبة الامتياز في تحقيق قصب السبق في اكتشاف هذا العلم الجديد بل وجعله مفهوماً ادارياً جديداً يضاف الى مفاهيم الادارة المعروفة كالادارة بالأهداف والادارة بالرأي.. الخ من المفاهيم المعمول بها في النشاط الانساني عموماً.
ولعل صاحب هذا الاكتشاف هو رئيس الحكومة الوفاقية والذي يبدو أنه بعد تفكير عميق توصل الى ذلك وقرر التعاطي معه بصورة عملية وبلورته إلى الواقع من خلال قراره القاضي بإدارة مهامه الوطنية من البيت وبما يتفق مع حيثيات وأسس وقواعد مفهومه الاداري الجديد «الادارة الحكومية المنزلية»..
ولكون الادارة بيئة عمل تترجم في اطارها كافة العوامل المرتبطة بها والمعروفة لدى كل المختصين والمهتمين بعلوم الادارة والمتعلقة بمهام ومسئوليات حكومة الوفاق، ستظل الإدارة الحكومية- في ظل هذا المفهوم الجديد- في حالة جمود وعدم قدرة على التعاطي مع القيم والمثل الادارية.. وإن وضعاً كهذا إذا ما استمر طويلاً سيسهم في تحقيق المزيد من الرتابة والتقوقع والانحسار وافقاد الفاعلية للنشاط الحكومي من أعلى الى أسفل وسيزيد من تعقد وتزمين المشكلات.
وذلك ما يراه خبراء الإدارة بأن استمرار رئيس الحكومة في تطبيق اكتشافه الجديد وفي اطار مبدأ «خليك في البيت» من شأنه أن يشجع الكثير من القيادات- وعلى مختلف مواقع الهرم الاداري الحكومي المركزي واللامركزي- على تقليده والسير على خطاه في توجيه الادارة عن بُعد وبعيداً عن بيئتها ومناخاتها بل وبعيداً عن كافة أساليب وطرق الادارة الحكومية التخطيطية الاستراتيجية منها والتنظيمية والإشرافية والرقابية والتقييمية لكافة جوانب النشاط العام.. وهو ما يؤكد- حسب الخبراء- فقدان السيطرة على العمل الحكومي وجعله أكثر عجزاً عن القيام بمهامه ومسئولياته، إضافةً الى طبيعة المعطيات الجديدة على صعيد التعاون والتكامل مع العالم الخارجي المندفع أصلاً لدعم مسيرة التنمية في بلادنا.
ولكون فترة عامين للحكومة كمرحلة انتقالية لا تكفي لاختبار مبدأ الادارة الحكومية المنزلية ولكون هذه التجربة لن نكون إلاّ على حساب أولويات جسام وكبيرة تقع على عاتق حكومة الوفاق القيام بها بما يتفق مع التحديات الراهنة، وكي لا نظلم رئيس الحكومة فيما أوردنا هنا من تعليلات ادارية لإثبات فشل سياسته فإننا بانتظار أن يقدم رؤيته العلمية لمفهومه الجديد وإيضاح ما التبس علينا من عدم فهم واستيعاب، وكذا مدى قدرته في التحكم والسيطرة على النشاط الحكومي العام المركزي واللامركزي وعلى تحقيق المزيد من الانتاج للعمل الحكومي ومميزات وخصائص مفهومه للإدارة الحكومية المنزلية على مفاهيم الادارة بالرأي والادارة بالأهداف.. وباعتبار رئيس الحكومة قد قرر مبكراً تعطيل تعامله مع مبدأ الادارة بالرأي وهو المبدأ الذي يتفق تماماً مع تسمية حكومته بالوفاقية، فإن اعضاء مجلسه يبدو أنهم- وحتى الساعة- لا يعلمون عن هذا المبدأ الجديد.. ولا نعتقد هنا أن رئيس الحكومة قد وضع ابتكاره الاداري موضع المناقشة في اطار قيم الادارة بالرأي حتى يتعامل مع ابتكاره كنتيجة لمناقشات مسئولة حوله، حيث فضل أن يبدأ في وضع نفسه محل تجارب لابتكاره حتى يتم تعميمه على بقية اعضاء المجلس بل ومختلف قيادات الهرم الحكومي.
وازاء ما تقدم فإننا نحاول هنا تشكيل صورة للواقع الحكومي الراهن من خلال العديد من الممارسات غير المفهومة في علم الإدارة والتي منها ادارة العمل الحكومي من المنزل على ما في ذلك من أضرار على الادارة الحكومية وأدائها عموماً..ناهيكم عن العديد من الممارسات والتي تؤكد في جملتها عدم قدرة الحكومة الوفاقية على التعامل مع الادارة كعلم وفن، وهو ما يعبر عنه العديد من اخفاقاتها المدوية، التي لا تتحمل البلاد المزيد منها بل وتنذر بما هو افظع من شأنه أن يختطف الادارة الحكومية بعيداً كل البعد عن دائرة مهامها ومسئولياتها العاجلة التي تحتاج اليها البلاد على وجه السرعة، وتعصف في الوقت ذاته بكل الآمال والتطلعات الشعبية التي مازالت ترتقب حدوث مفاجأة على صعيد تبني سياسات تلامس مشاكل وهموم الناس وتتناغم في توجهاتها مع كل ما من شأنه أن يحقق الانتقال بالبلاد والعباد الى آفاق جديدة وتجاوز كافة تداعيات الأزمة التي تمر بها.
خلاصةً.. أن واقعاً حكومياً مزرياً كهذا يفرض على القيادة السياسية برئاسة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، سرعة وضع حد له.. خاصة وأن البلاد تعج بالآلاف من الكوادر الكفؤة والمتخصصة القادرة على السير بالوطن صوب المستقبل الأفضل.