مطهر الاشموري -
< طبيعة الاحداث والتطورات في ليبيا أو سوريا أو البحرين تؤكد ارتباطها بالصراعات الاقليمية والعالمية التي تؤول الى اصطفافين متضادين عالمياً.
لقد كان الاصطفاف عالمياً خلال الحرب الباردة يجري من خلال قوتين عالميتين متكافئتين، ومنذ انهيار السوفييت اختل التوازن التوازن اختل ثم تخلخل وأمريكا كانت الطرف الذي بات له متراكم فرض معاييرها وموازينها وهي التي أرست قبل ذلك والمعايير المزدوجة.
قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بعقود رشحت الدراسات والبحوث الامريكية التي نشرت الاسلام كعدو لأمريكا، وبالتالي فالسياسات والمواقف والمحطات الامريكية كأنما عجلت باستحضار هذا العدو، ومن خلال حروب الجهاد في افغانستان وفي مواراتها الثورة الايرانية.
الثورة الايرانية بعد انتصارها بزعيمها القادم من الغرب باتت العدو لأمريكا وتحت زعم أو فهم تصدير الثورة كانت العدو كحلفاء أمريكا في الخليج جاءت منها حرب الثمان سنوات في العراق.
في الجانب المقابل كإسلام فإنه لم يتهم نظام غير طالبان افغانستان بالارهاب.
أحداث 2001م حددت بدقة العدو والعداء من هذا الجانب المقابل - الاسلامي السني- وهو تنظيم القاعدة كإرهاب، وذلك ما أثر على كل اطراف الاسلمة كالاخوان بغض النظر عن مدى علاقتهم بالقاعدة كما الاخوان في تونس مثلاً.
غزو الكويت وغزو العراق هو معطى يتوالد من الحرب العراقية - الايرانية في ظل عداء قطبي أسلمة بات ليس فقط أقوى من العداء لأمريكا بل من العداء لاسرائيل وبحيث فرض أولويات قبل فلسطين.
فالمحطات جاءت كلها من أسلمة التضاد كعداء ومن أسلمة الجهاد كتطابق ثم تقاطع مع أمريكا والغرب ومحطة 2011م هي مكملة في عداء الأسلمة كقطبين وبالتالي فهي تفعيل وتطوير للاحتواء المزدوج الممارس أمريكياً في المنطقة منذ الحرب العراقية الايرانية.
أمريكا لم تحاول تفعيل الاحتواء المزدوج لإيران والعراق من خلال الحرب بينهما وانما تمارس التفعيل المزدوج والاحتواء المزدوج للاسلام الخصم أو العدو والآخر الحليف أو الصديق.
فمحطة 2011م تمارس تسوية أوضاع الاخوان كأسلمة سياسية غلب عليها الفكر السلفي السني، وايصال هذه الاطراف للحكم هو من عوامل الاحتواء لإيران، وبالتالي مركزة العداء أو العدو في «القاعدة».
المسلمون الذين رشحوا أمريكا كعدو وقبل انهيار السوفييت بعقود تم الوصول خلال محطة 2011م في إيران النظام وما ترتبط به من اطراف كحزب الله وفي «القاعدة».
الاسلام السني لم يحدد أي نظام منه بعين العداء تم مد ذلك الى اطراف الاسلمة السياسية، وبالتالي فأي فكر للاخوان غير الفكر السلفي السني بات ضعيف الفاعلية والتأثير أو استثناء يتآكل.
ذاكرتنا الضعيفة لا تجعلنا نسترجع أطروحات وعبارات طرحها مفكرون أمريكيون وغربيون بأنه لا غنى لأمريكا عن العدو وإن لم تجده ستصنعه أو تمارس تخليقه لأن عدم وجود عدو سيدفع أمريكا للتراجع وربما التهاوي والانهيار.
أمريكا والغرب اغتالوا مصدق رئيس الحكومة المنتخب في إيران لأنه لا يحمل فكر العداء لأمريكا في ظل تموضعه كزعيم لثورة تتفاعل في واقع إيران.
أمريكا والغرب دعموا الخميني وتثويره من باريس كونه يحمل العداء لأمريكا في فكره، والاختيار هو لما تحتاجه أمريكا «كعدو» وهذه هي الاولوية وليست واقعية وديمقراطية «مصدق».
الاسلام في المقابل بلور وغربل ليختزل العداء في «القاعدة» التي سهل وصولها الى منهاتن ثم غربل لتصعيد الاسلمة السياسية الى الانظمة كأطراف وذلك إضافة نوعية لاصطفاف مذهبي الى جانب تحشيد الاصطفاف السياسي في أي تصعيد مع إيران.
ولهذا فإننا أصبحنا نتشارك مع اسرائيل العداء لإيران أو سوريا فيما العداء لإسرائيل تغطية إعلام أو «كلام جرايد».
عندما تختار أمريكا عدواً أو عداء لعقود أو لنصف قرن فالموضوع ليس تمثيلاً أو فيلماً مكسيكياً أو من أفلام الهوليود.
فالحرب الباردة كانت تعني الحروب بين الأنظمة كحروب بالنيابة في ظل توازن الرعب بين قطبي العالم، وبانهيار السوفييت انتقل العالم تدريجياً الى ما يسمى «المسرح العالمي الحي».
ذلك يعني أن ألعاب اللاوعي تمسرح الواقع والوعي ويمارس المسرحة للصراعات كأحداث وقضايا وفصول في المسرحة التي أعد لها.
بدون أحداث «منهاتن» 2001م أو تموضع مستوى من القوة في إيران فمسرحة العالم لم تكن لتنجح.
أمريكا استفادت من القاعدة في حروب افغانستان مقابل تضحياتها الجسيمة بل وهزيمتها المذلة في فيتنام التي لا تمثل تضحيتها في أحداث منهاتن 2001م شيئاً يذكر بجانب ذلك.
أمريكيا هي المستفيد الاول والاكبر من غزو الكويت ومن أحداث سبتمبر 2001م، وبالتالي فالأفضل دفع ثمن مشاهد لمسرحة هي محكومة من سقف أو أبعاد من مفاجآت كما حالة فيتنام.
الدور الذي مورس تفعيله لإيران منذ انتصار الثورة يتدرج في إطار تموضع أمريكا واسرائيل وأي ترتيبات أمريكية يجعل أية تضحية قد تحدثتحت سقف المقبول أمريكياً بمقاييس الحرب الباردة.
إرادة أمريكا هي التي كأنما أعدمت أي إمكانية لوصول الاخوان المسلمين للحكم كمعطى لمحطة 2001م.. والأكثر وضوحاً هو أن وصول الاخوان للحكم هو إرادة أمريكية من خلال الحسم الثوري أو انتخابات ديمقراطية نزيهة.
ما أعطته أمريكا للاخوان في هذه المحطة وما قدمته مبكراً لطرف الاسلمة في تركيا 2002م من بين العوامل المهمة في الترتيب للمحطة الجديدة 2011م.
انني أقدر من جاهدوا في افغانستان بنقاء ومصداقية كإسلام ومع الاسلام، ولكن لا استطيع وبعد عقد أو اثنين غير استقراء مشهدهم مما أثبته الزمن من حقائق وشواهد، فهؤلاء هم في المشهد المسرحي يمثلون ذروة الكوميديا المضحكة المبهرة وذروة التراجيديا المحزنة المؤلمة في ذات الوقت.
فأحداث 2011م فيها جانب كبير من هذا كغفلة أو استغفال.
الديمقراطية بسقف ولاية الفقيه في إيران لم تستطع أمريكا إيجاد مقابل بمستواها أو أفضل منها في الاسلام السني فاضطرت لطلاء تركيا كأنموذج لأحداث 2011م، وأن تتحول الجامعة العربية بهذه الانظمة الى غطاء أو داعم لحريات وديمقراطية.. فهل من «كوميديا» أكثر من هذا المشهد بكل شواهده؟
ثورات 2011م تأتي من إثارة وتثوير كما يتعامل لاستثارة الاثوار في مصارعة الاثوار الاسبانية ومن خلال محترفين يحملون قطع القماش الأحمر.
مصارعة الاثوار الاسبانية تمثل قمة الكوميديا وذروة التراجيديا!