احمد عمر الاهدل -
لقد تعرض الجيش اليمني خلال الأزمة السياسية الراهنة، ولايزال لحرب نفسية مكثفة عبر مختلف الوسائل والتقنيات المتطورة، التي أرادأعداء الجيوش- من خلالها- كسر إرادة الشعب ليتفرّدوا بالنظام ويُجهزوا على دولته ومن بقي فيها بالسلب والنهب والتخريب.. وعلى الرغم من أنّ هناك الكثير من تقنيات الحرب النفسية التي استخدمت ضد أبناء الجيش خلال الأزمة السياسية، إلا أنّ أبرزها كان سلاح الغموض والتعمية، الذي استخدمه أعداء الجيش والوطن بكفاءة عالية خلال التغطية الإعلامية التي صاحبت جريمة جمعة 18مارس، ومابعدها من الأحداث التي تحولت إلى مايشبه عملية غسيل دماغ لـ25مليون يمني.
وعبرماكينة إعلامية ضخمة وبمشاركة محلية وإقليمية ودولية استطاع أعداء الجيوش توجيه منصاتهم الاعلامية تجاه الجيش اليمني بهدف استدراج الوحدات العسكرية والأمنية بصورة عامة، وأفراد تلك الوحدات بصورة خاصة، إلى بيئة سياسية غامضة، تجرهم إلى أعماق مجهولة ولفترة طويلة من جهة، وتحطيم معنوياتهم وولائهم الوطني والعسكري من جهة أخرى، بغرض إضعاف قدرتهم على الرؤية الواضحة، التي تمكنهم من استظهار وفهم الأهداف، واستيعاب الأوضاع الجارية، والمواقف الراهنة، ليسهل لهم فكفكة الجيش وتمزيقه كما يشاؤون.. حيث تؤدي حالة الغموض، إلى إصابة الشخص بحالة عصبية مزعجة، تتميز بالحيرة والتشويش، والارتباك وعدم الفهم، ويصاحبها حالة نفسية شديدة، من الانزعاج والتوتر والقلق والتوجس والإحباط والغضب، بل وقد تؤدي إذا ما استمرت لفترة طويلة، إلى انهيارمعنويات الفرد، واضطراره إلى تبني تصرفات سلبية تسيئ إليه وإلى من حوله، وتصرفه عن هدفه المنشود إلى فخ مقصود من التعمية والغموض وعدم الرؤية والوضوح. وبالتالي: تجريد قادة الجيش من القدرةعلى السيطرة، وكذلك القدرة على استنتاج الحقيقة، أوتوقع ماستؤول إليه الأوضاع في قادم الأيام.
ومع ذلك استطاع الجيش أن يواجه تلك الحملة الإعلامية الشرسة، بعقيدة صلبة، وروح معنوية عالية، كشفت بجلاء عن العظمة والمكانة الاجتماعية، التي يحتلها الجيش وقاداته في أوساط مجتمعه، المتمثلة في مواقفه البطولية عبرتاريخه العسكري الوطني، الذي أثبت بما لايدع مجالاً للشك اخلاص ووفاء قاداته وبسالة منتسبيه، وتضحيات وصمود قواته، وثبات وحداته، كما كشفت تلك المماحكات السياسية عن حقيقة العداء الأسود على الجيش وقاداته الذي يحمله أصحاب القلوب السوداء، أولئك النفر الذين عاشوا مسامير شائكة، في بيادات الجيش اليمني، ووجدوا هذه الأزمة السياسية فرصة سانحة، لإفراغ سمومهم وسكب أقوالهم بكلمات بذيئة نتنة على الجيش ووحداته العسكرية والأمنية، عندما جردوه من عقيدته العسكرية، وولائه الوطني، ورموه زوراً وبهتاناً بتهم كاذبة استخدمها ضعاف النفوس لتحقيق مصالح سياسية رخيصة.
والحقيقة أنّ تلك الضربات الاعلامية المؤلمة، شكلت دافعاً قوياً للجيش، وجعلته يتخذ أروع المواقف البطولية، على كل المستويات، في الولاء والوفاء والاخلاص للقيادة والشعب والوطن، ومكنته كثيراً من أن يستمد قوته من شدة الهجوم الاعلامي المعادي، وآلام الجراح النفسي والمعنوي، ليستعيد تنظيمه القتالي على عجلة من الأمر، ويحافظ على ترتيبه الأمني في الجنبات والمقدمة والمؤخرة والوسط، في تنسيق حركي، وتنظيم قتالي فريد، ساعده أو جعله يضرب طوقاً نادراً من الاصطفاف والالتفاف الأمني حول المشيرالركن/علي عبدالله صالح الرئيس السابق، في المواقف الحرجة من العدوان، قلما يفعل جيش مثله، ليعطي بذلك لأعداء الجيوش قاطبة، درساً في الاخلاص والولاء والوفاء، الذي يُستحال أن يخالطه الغدر والخيانة والتمرد والانشقاق.
لقد فعل ذلك كله في حين كانت مجنحاته القتالية- التي يستطيع التحليق والتلويح بها لإظهارذراع القوة- تواجه حصاراً قبلياً جائراً في أرحب، ويُقتل أفرادها في المهرة والمكلا وشبوة، باستهداف إرهابي خبيث، بالمتفجرات والأحزمة الناسفة.. بينما المؤخرة، في مارب والجوف، كانت تواجه هجوماً عنيفاً شرساً، مليئاً بالجحود والنكران، طافحاً بالخبث والحقد والعداء، قلما واجهه جيش، صحيح سقطت الأحزمة الأمنية للجيش في محافظة الحوف، إلا أنه قدّم ثلاث وحدات قتالية، الصاعقة ووحدة الدفاع الصحراوي، والوحدة التابعة لقوات الأمن المركزي، كانت من خيرة وحدات الجيش اليمني، في معركة غادرة بكل ماتعنيه الكلمة من معنى، استخدم أعداء شعبنا كل أساليب الغدروالخيانة، للفيد والاستحواذ والغنيمة، يصعب على اللسان والقلم وصفها..
ليلٌ سرى في الجوف كنّه على بغداد
أمسى بها جيشنا يعانق القدرُ
خرجت كتائبه من مارب الموت تزحف على إمداد
فما بدا لها الحزم إلا في دجى الفجرُ
تردت ثياب الموت فما تردد لها
الليلُ إلا وهي سندسٌ خضرُ
أمّا في المقدمة، فقد كان أبناء الجيش، يتسابقون إلى الموت في محافظة أبين، تلك البقعة الجغرافية المعقدة، التي يتمنى فيها المرء شربة ماء تطفئ ظمأه، أو قطعة قطن يسد بها جروحه الغائرة، أو حبة سيرادون توقف دماءه النازفة، هناك حيث عقد منتسبو الأمن المركزي والحرس الجمهوري، لأنفسهم لواءً مكتوباً عليه (اطلبوا الموت توهب لكم الحياة) ونصبوا لأنفسهم حراجاً بالمزاد العلني ليهبوا دماءهم وأرواحهم في سبيل الوطن، بثمن مؤجل عربونه (إنّ موعدكم الجنة) وفي مواجهتين تكتيكية ونوعية، استطاع الجيش- وبمساندة اللواء الثالث مشاة جبلي حرس، وقوات الأمن المركزي - تحقيق انتصارات خاطفة، على عناصر الارهاب، في أقلّ من ثلاثين يوماً.
أما في الوسط أو القلب فقد استطاع الجيش أن يسيطرعلى حرب الحصبة، ويقطع أذرعها المتحركة، ويطفئ نيران ألسنتها الملتهبة، بأقل كلفة وخسارة، وأن يمتص بعقيدته العسكرية الصلبة آثار ذلك الهجوم الاعلامي المكثف، وأقول (المكثف) لأنّ الجيش اليمني لم يكن له غطاء إعلامي محترف يساعده على فضح الإشاعة المحرقة والمضللة، وذلك بسبب الانقسام الحاصل في الاعلام الوطني، وانهزام الاعلام الرسمي من ثاني يوم للمواجهة، وانسحابه إلى الخطوط الدفاعية، ماجعل الخطوط الأمامية للجيش غائبة تماماً من التغطية الاعلامية بالشكل المطلوب على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وهذه مسألة خطيرة من الناحية العسكرية، خدمت الطرف الآخر وساعدته كثيراً على نقل مايجري من صراع سياسي على الساحة اليمنية، بالصورة التي تجعل المراقب والمحلل السياسي المغرض، يضفي عليها بعض المغريات والمثيرات السياسية التي تشدُّ من انتباه الخبير والمتخصص العسكري الأجنبي، ولأنّ الاعلام في المفهوم العسكري، دائماً يتواجد في الخطوط القتالية التي يتواجد فيها الجيش، فإنّ ثبات الاعلام الرسمي في خندق الدفاع، طوال الأزمة، دون تقديم أو تأخير، جعل المراقب والمحلل العسكري يعتقد أنّ الجيش يواجه ضربات مؤلمة في خطوطه الدفاعية، وهو مايعني بالضرورة أنّ التقدم في المعركة للطرف الآخر وليس للجيش، وهذا المفهوم الخاطئ شكل كوابح قوية على الجيش ومواقفه على الأرض، وفي نفس الوقت شكل على الجيش وقيادته العسكرية والسياسية ضغوطاً مادية ومعنوية وسياسية، على المستوى الإقليمي والدولي، وهو ماشجع الطرف الآخر على ضرب المركز القيادي للجيش، في جامع النهدين، وقد استطاع الاعلام المعادي أن يروج لتلك الجريمة الشنعاء بطريقة مخيفة ومبتذلة، اهتز لمثلها جيش النبوة الأولى، في معركة أحد، وارتبك لمثلها جيش كربلاء، في كاظمة العراق، بينما الجيش اليمني واجه ذلك الموقف بعقيدة صلبة وعزيمة لاتلين، فلو أنّ الجيش اليمني، كما يقول الحاقدون، (جيش عائلي) لكان سيلتف حول العميد/ أحمد علي، أو طارق أو يحيى، حتى ولو من باب الإنسانية والمواساة، لكن ماكان لجيشنا الوطني أن يفعل ذلك، وهوالجيش اليمني العظيم، بل لقد وجد هؤلاء القادة في مقدمة صفوفه، للالتفاف حول نائب القائد الأعلى حينها المشير/ عبدربه منصورهادي، وناصروه وآزروه، حتى وصل إلى الانتخابات الرئاسية المبكرة، فكانوا أول من مد يد المبايعة على السمع والطاعة، دون تذمر..
ياقوم إنّ هؤلاء البرابرة، الذين يحتشدون أمام أسوار جامعة صنعاء، لم تكن أنفسهم لترضى بكتم أنفاسهم أمام تلك الأسوار، ولا لترضى بالتوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها، إلا لمّا رأوا بأمّ أعينهم أنّ في الأمن المركزي والحرس الجمهوري قوة عاتية تمتلك كل مبررات الغضب أمام حماقة المتمردين.
إنّ قوة- بل حامية صغيرة من قوات النجدة، كسرت هيبة المشيخة الرعناء في الحصبة، وحطمت أسطورة الفرقة المدرعة في مواجهات غادرة أمام الداخلية، اعتبرها أفراد النجدة مواجهات خاطفة، وبالتالي فضلوا خوضها رجالاً، لمواجهة ركبان الفرقة الغادر الذي أصبح مابين شاردٍ وهاربٍ، وأسير وقتيل.. إلا أنّ كل تلك المواقف التي سطرها الجيش خلال الأزمة السياسية، لم تجد لها من الشعب أي تضامن شعبي هادر، يرفض التفتيش في النقاط الأمنية المصطنعة، ويلجم هذا الاعلام المبتذل الذي مازال يمارس الاساءة المتعمّدة والتحطيم المعنوي المدروس على الجيش بكل تشكيلاته العسكرية والأمنية، وبصورة يومية..