احمد مهدي سالم -
وضعٌ أمنيٌ مهزوز ومظاهر رعبٍ تتجول في مناطق وسهول وشوارع وأزقة وتعرجات محافظة أبين الجريحة من شبح عودة عناصر القاعدة للسيطرة أو استعادة السيطرة على مناطق بذاتها في مديريات خنفر وزنجبار ولودر.
يقولون: إذا جاءت القاعدة الآن لن تجد صوملياً في مواجهتها، وقادراً على إيقافها، أو تعطيل حركتها، وإضعاف سيطرتها والحيلولة دون تقدمها.. مؤشرات الخطر القادم أو الموهوم.. أعاد شاشة الذكرى.
في أزمان المحن، ومحطات الشدائد.. تنصهر معادن الرجال لتفرز جينات الشهامة والفداء، ويبرز على مسرح الميدان، رجال الشجاعة والإقدام كما ينزوي في الوقت ذاته، القادة الجبناء المتخاذلون أو المزدوجون أو الهاربون الى فراغ السلامة المذل، وأمانِ اللحظة الخائفة.
في جغرافيا محيط أبين الساحلي وسوحها القتالية.. بزغ سطوعٌ بطولي شرس عنيف في مواجهة مجاميع العناصر الجهادية التي أحكمت السيطرة على أهم مفاصل أبين الحيوية.. يظهر نجم محمد عبدالله الصوملي قائد لواء 25 ميكا سابقاً وضباطه وجنوده بشجاعة فائقة وصلابة غير معهودة واحتمال حصار محكم حتى أزيح عنه شيء من خناقة الحصار لتبدأ مواجهات أكثر سخونة بتمازج والتحام الوحدات الأخرى التي قدمت وشاركت، وخاضت القتال العنيف المهيب مع مقاتلي القاعدة حتى تم دحرهم أو هزيمتهم، وطلع للنصر آباء كثيرون.
في البدء والمنتهى كان الصوملي أقوى قائد عسكري في حروب الأزمة، وأكثرهم شهرةً وأبعدهم صيتاً.. ليس في فضاء الوطن فحسب، وإنما تجاوزت سمعته القتالية الى آفاق عربية وغربية وتسابقت الصحف والوسائل الاعلامية المحلية والعربية والعالمية في التواصل معه، وإجراء الحوارات والتحقيقات والتقارير والمقالات في إطار منظومة الصراع ضد القاعدة ومع اشتداد القتال وذروة الالتحام، كان الجناحان المتصارعان على السلطة في اليمن يتنازعان الادعاء بانتمائه الى أحدهما في حين أنه تعامل بشيء من الدبلوماسية في تصريحاته وإجاباته عن موقفه من الصراع الدائر إبان الأزمة فيصرح أنه جندي مخلص لشرف الجندية، ومنحازٌ الى صف الوطن والأمن والاستقرار، وأذكر تصريحاً له في أخبار اليوم نقلاً عن جريدة «الشرق الاوسط» يقول فيه: «لست ضد ثورة الشباب، ولا أنا معها، وأرجو أن لا أكون مخطئاً في اللفظ وهذا تصرف محمود بعيد عن تجاوزات السياسة وتوازنات المصالح،حيث تفاقم بشراهةٍ هوس الاستقطابات والإحراجات والتصنيفات وشراء الولاءات حتى لعناصر أقل تأثيراً ما بالك بقائد محنك وشجاع لم يسلِّم معسكراته ومعداته كما فعل نظراء له في أبين، وفروا الى عدن في موسم الهروب الذي تبعه النزوح.
المهم بتضافر كل الجهود ثم التحرير، وجاءت لحظة القطاف المستحقة ليصدم «بضم الياء» الصوملي ومعه كل شرفاء الوطن بذهاب أوسمة وأنواط التكريم الى آخرين من أصحاب الدور الأقل أو الحضور المتأخر، فتكونت لدى الناس دوائر عدة من التساؤلات على شاكلة: مش معقول؟ وين كانوا لما الصوملي ولواؤه يقاومون؟ أي جرم اقترف؟ هذا عقاب واضح، ما سبب العقاب.. الخ وزادت بأن صدر قرار صادم بتحويله الى سيئون قائداً للواء 37 حرس جمهوري.. هذا قبل مراسم تكريم الصف الثاني.. اتسعت النقمة في المعسكر بزنجبار وخرج معظم أفراده: يقطعون الطريق في موجة غضب عارم، وقام بعضهم بإطلاق نارٍ على سيارات قيادات عسكرية من الداخلية والدفاع دون أن يصاب أحد بأذى.. وحتى لا يتفاقم الموقف وينحدر الى عنف أكبر.. تواصل القائد الصوملي معهم وأعادهم الى المعسكر وفتح الطريق .. نحن في زمن الغرائب والحقائق المعكوسة.
بقيت الغصة في الحلوق والحسرة في النفوس حتى حصل التكريم الحقيقي المنصف بعد أن شعرت القيادة بخطئها وطالتها سهام نقد الاعلام بمختلف وسائله..
عُقد مهرجان التكريم في عدن قبيل عيد الأضحى بحضور شخصيات مسؤولة يتقدمها الأخ يحيى الراعي رئيس مجلس النواب، ربما نسيت أن أذكر أن الصوملي توجه الى سيئون لمباشرة مهامه مع اللواء الجديد.. لحظة بهيجة عندما أعلن مقدم الاحتفال التكريمي اسمه على قائمة المكرمين ووصفه بأنه كان «قائد النصر»، والتعريف به.. محمد عبدالله الصوملي قائد اللواء 25 ميكا سابقاً، فدّوت القاعة بالتصفيق، وهو تكريم لكل ضباطه وجنوده الذين أحبوه وعاشوا معه أصعب وأخطر اللحظات الفاصلة بين الموت والحياة والذي أرغم على مفارقتهم لحكمة تراها القيادة، وتكريمٌ متأخر خيرٌ من تكريم لا يأتي.
لقطات:
< جاء كثيرون إلى أبين واعتلوا مناصب حساسة فيها ثم غادروا أو معظمهم غادر دون أن يترك شيئاً إيجابياً يُذكر به.. ان لم يخلق أوزاراً عدا شخصين في تقديري: الأول:
«مدني» عبدالله محمد لقمان الوكيل المساعد لأبين من ذمار، والثاني «عسكري» العميد الركن محمد عبدالله الصوملي من عمران.
< كان شوكة في حلق المخطط الاسقاطي، وصرخته: لا.. دوّت في أفق زنجبار وضواحيها ورددتها في اللحظة ذاتها، جبال وشواهق المناطق الوسطى والعليا.. هكذا يقول عنه البعض، ولا يستبعد أن يكون صموده الاسطوري بتوالي السنين، يحوله الى اسطورة في مخيلة الوعي الجمعي.
< محمد بن عبدالله، وخير الأسماء ما حُمد وعُبّدَ كما جاء في الحديث الشريف،.
آخر الكلام:
ستظل رمزاً للشموخ في زمن الركوع
وملهماً لبطولاتٍ قادمةٍ جديدة
يجود بالنفس إنْ ظن الجواد بها
والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ
<مسلم بن الوليد