د.سعاد سالم السبع -
فرحنا جميعاً بخبر متابعة الدراجات النارية ومنعها من السير في الشوارع إلا بعد ترقيمها والتزام أصحابها بقواعد المرور ، لكن فرحتنا لم تكتمل فلا نزال نشاهد عشرات الدراجات النارية تمر في شوارع العاصمة بلا أرقام وتحمل عليها من ثلاثة إلى أربعة أشخاص في معظم الأحيان وتتحدى رجال المرور والمارة والسيارات ؛ فتقتحم الأرصفة وتعارض السيارات وتخترق الإشارات أمام عيون رجال المرور ورجال الأمن مما يؤكد أن القرار لم يكن سوى خبر إعلامي لتهدئة غضب الناس من هذه الدراجات...
فوضى الدراجات النارية أكبر دليل على الانفلات الأمني في البلد، وجرأة بعض سائقيها ووقاحتهم يرغمنا على الشعور بأننا نعيش في عهد اللادولة مع أننا ننتظر بناء الدولة المدنية الحديثة ولن يؤمن المواطن بوجود النية لبناء دولة النظام والقانون إلا إذا فرضت الحكومة سلطتها على أرض الواقع، وشعرنا بقوتها في الضبط ووجدنا المخالفين للقانون وعلى رأسهم أصحاب الدراجات النارية (الفوضويين على الأقل) يتصببون عرقا كلما مروا في شارع فرعي خائفين من رجال الأمن، أما أن تتبختر الدراجات النارية في الشوارع الرئيسة مثل الطواويس في حدائقها، ويمد سائقوها ألسنتهم لرجال الأمن ويتطاولون على رجال المرور، فإن معنى ذلك أن العصابات هي التي تتحكم في البلد والحكومة شعارها مدارا تهم وانتظار صحوة ضمائرهم، وهيهات أن يصحو ضمير الخارجين على القانون إلا إذا شعروا بقوة الدولة ...
كنا نتعاطف مع أصحاب الدراجات النارية باعتبارهم فقراء يعيلون أسرهم بواسطتها، لكننا اليوم لم نعد نطيق سماع صوتها ولا رؤية سائقيها، لأن هذه الدراجات تحولت إلى وسيلة تدمير للوطن ، فقد أصبحت مصدرا من مصادر الإرهاب في اليمن بعد حوادث الاغتيالات التي تتم بواسطتها، ناهيك عن استعمالها في السطو على متعلقات المواطنين المارين في الطرقات، فما من رجل ولا امرأة في المدن إلا وله حكاية مع عنف الدراجات النارية فضلا عن كونها المصدر الأول لحوادث السير في الطرقات ، وللتلوث السمعي والهوائي حتى صار الشعب نفسه يشهد أن الدراجات النارية صارت تمثل مشكلة أمنية ومرورية وبيئية ويطالب الجهات المختصة بضبط سيرها ووضع تحركاتها تحت المجهر حتى ترجع إلى وضعها الطبيعي مصدرا للحياة لا للموت!!
عشرات المواطنين تم اغتيالهم بواسطة الدراجات النارية ، ومئات المواطنين يموتون بحوادث سير تتسبب فيها الدراجات النارية ، وآلاف المواطنين يتعرضون لخطف متعلقاتهم بواسطة الدراجات النارية ولا سيما النساء، وملايين المواطنين يعانون من إزعاجها وتلويثها ... فإلى متى ستظل الدراجات النارية خارجة عن سيطرة الدولة؟! إن مشكلة واحدة من مشكلات الدراجات النارية كفيلة بمنعها من التحرك مهما كانت ظروف أصحابها، فكيف وقد خلقت للمجتمع أربع مشكلات في وقت واحد (الاغتيالات- حوادث السير-السرقات – التلوث السمعي والهوائي) فأي فائدة ينتظرها المجتمع من وسيلة تعيل فردا وتقتل العشرات ؟!!
إحصاءات الأمن لـ 2012 تفيد أن ما يقرب من مئة مواطن تم اغتيالهم بواسطة الدراجات النارية ولا يزال العدد يرتفع يوميا، و سبق أن أفادت الإحصاءات المرورية بأنه خلال ثمانية أشهر من هذا العام توفى 294 شخصاً وأصيب 2022 آخرين في حوادث دراجات نارية ، وأوضح تقرير لمركز الإعلام الأمني أن الفترة الممتدة من يناير حتى أغسطس 2012م شهدت وقوع 1550 حادثة سير كانت الدراجات النارية هي المتسببة فيها؛ فقد تسببت في وقوع 965 حادثة صدام درجات نارية مع سيارات أودت بحياة 221 شخصاً وإصابة 1248 آخرين، وكذلك 348 حادثة دهس مشاة نجم عنها وفاة 27 شخصاً وإصابة 379 آخرين، و 127 حادثة صدام دراجات نارية مع بعضها أسفرت عن وفاة 16 شخصاً وإصابة 244 آخرين، و102 حوادث انقلاب دراجات نارية توفي فيها 26 شخصاً وأصيب 113 شخصا، و3 حوادث صدام بجسم ثابت أودت بحياة 3 أشخاص وإصابة شخص واحد، بالإضافة إلى 4 حوادث سقوط من على درجات نارية توفي فيها شخص واحد وأصيب 3 آخرون.
وأرجع التقرير أسباب وقوع حوادث الدراجات النارية خلال الأشهر الثمانية الماضية إلى السرعة الزائدة وإهمال سائقي الدراجات النارية لتفقد دراجاتهم، والتجاوز الخاطئ والمجازفة الخطرة، بالإضافة إلى عدم تقيد سائقي الدرجات بالقوانين المرورية وأسباب أخرى.
الدراجات النارية نارية بكل ما تعنيه الكلمة، فلا ينبغي أن يتعاطف مع أصحابها أي مواطن، لأنهم من الخارجين على القانون الذين لا يستحقون التعاطف، فإذا كان أصحابها يعرفون معنى المسئولية، وحريصين على استعمالها لتوفير احتياجاتهم، فينبغي أن يبادروا هم بأنفسهم لترقيمها، وأن يلتزموا بقواعد المرور عن استخدامها، وأن يتجنبوا استعمالها في أعمال قذرة تدر عليهم مالاً حراماً، وأن يتذكروا أن الحرام لن يدوم وأن نهاية الحرام هي الهلاك للمال والنفس والذرية...
ضبط الدراجات النارية قضية أمن وطن ولا بد أن يكون الأمن حازما في الحد من الموت بواسطتها حتى وإن استدعى الأمر منع استخدامها نهائيا إذا استمر أصحابها في التهرب من القانون، والموت جوعا في البيوت أقل ألما من الموت غدرا على الطرقات بواسطة هذه الدراجات النارية...