احمد مهدي سالم -
نحن نعيش في عالم قد تعولم ونتماهى مع واقع قد تقوقع وكل مركز نفوذ فيه قد تموضع.. زادت التناقضات حدةً، وضعفت او أوشكت على التلاشي علائق المشترك الانساني.
الحاضر الابرز.. ثقافة الموت، فكر الاستشهاد او الانتحار، فقه التدمير الجزئي والكلي، شيوع التفكيك، تعطيل الحرية، تفتيت الاسلام، تجزيئ المقدسات وتدنيس الثوابت العامة التي يستظل بسمائها كل البشر والحجر والشجر.. معظم الألسنة تنطق بالسوء.. يحرض على الآخر ويبتدع له من النص المقدس ما يوافق هواه، ما يأخذه مجتزئاً عن سياقه لتعميم التضليل وشرعنة التنكيل وإحكام التكبيل على الاصوات الوطنية الحرة، فلا يكاد يمر يوم حتى يصفعنا صباحه بجروح مؤلمة واخبار ناقمة وجولات مدمرة واصوات كريهة تقوتن للبغض.. فلا تجد شيئاً من حلاوة ولا أية طلاوة، بل ان فيها مرارة القساوة وفجائعية الرخاوة ونتانة النقاوة، قيل : ان الانسان لايؤكل لحمه، ولا جلده يُلبس، فماذا فيه غير حلاوة اللسان؟!
أنت فين يا حلاوة.. أظنكم تذكرون الآن الكوميدي المصري مظهر أبو النجا وهو يكرر لازمته بصوته القوي اللطيف : يا حلاوة.. ومن قاهرة المعز الى عدن الثورة والحب والجمال حيث غنى فيها ابوبكر سالم بلفقيه منتصراً للحلاوة المحببة :
الحلاوة كلها من فين
ياللي راميني بسهم العين
أنت مش أنت اللي أتمناه
أنت أجمل من حبيبي الزين
اختفى من حياتنا الكلام المليح الذي يبلسم القلب الجريح ويخلق الجو المريح.. ما حولنا إلا التربص الناقم والصراخ والهذيان والصياح..
نبقى في عدن لأنها المحور في المعادلة، وهي قبلة الحب والجمال والثقافة والحلاوة والملاحة والحسن الآسر، ومن لونها الغنائي العدني وأظنه الموسيقار أحمد قاسم :
كلام أحلى من السكر
وفي لحظة كلامك راح
وخلى القلب كله جراح
يذكّرني مساء وصباح
فقؤوا عيون الحب، واغتالوا الجمال في النفوس في غفلة من الضمير والمروءة.. نتمنى ان نرتاح من حديث السياسة الممل ونسمع ولو فاصلاً من كلام جميل لطيف طالع من أعماق القلب، وان سمعت بعض الكلمات الجميلة من جهة مشكوك بها فإنه مثل ذلك الذي يتركك معلقاً في الهواء، ولايرفع لك السلم لتنزل من الشجرة على قول عبدالباري عطوان.
شيء غير قليل من السادية واستلاب العقول، وتحويل البسطاء الى عجول.. يصدقون كل قول حتى للشر يعلنون القبول.
في مواجهة كل تلك المزعجات.. لايَهُنْ عضدك دع القلق وابدأ الحياة بتعبير الامريكي «كارنجي» وكن متفائلاً شديد الايمان بالله، وصادقاً مع نفسك وحراً في اختياراتك وصادحاً بالقول الصادق والفعل الصحيح..
ابتسم.. ابتسم ارجوك كما غنى اللبناني عاصي الحلاني، وتحلَّ بالأمل والتفاؤل كما يقول اللبناني ايليا ابو ماضي شاعر التفاؤل في الشعر العربي - كما أسماه كاتب هذه السطور..
قال : السماء كئيبة وتجهما
قلت : ابتسم، يكفي التجهم في السماء
وفي قوله الآخر :
والذي نفسه بغير جمال
لايرى في الوجود شيئاً جميلا
لقطات
< حتى في البشاعة ممكن تجد لمسات جميلة، وليس صعباً ان نستنبط من هدير المدافع موسيقى جديدة وإلهاماً معصرناً، ومحاولة فاعلة على التكيف مع أشباح الموت.
< لاذائقة جمالية ولا تواصل حضاري ولا سلوك مهذب، ولا كلام لائق، ولا موقف متزن، ولا هدف محدد.. لنقذف به عاصفة هوجاء الى صحراء اللاعودة.
< نقاوم الألم بالجمال.. بالشعر والفن واللوحة والكلمة.. والنغمة، وبالصدق كما قيل : الصدق ينجي وإنْ رأيت فيه مهلكة..
< «اليمن ضاعت» مبادرة يكررها باستمرار المفكر الجزائري يحيى ابو زكريا.. من يتبرع للرد عليه..؟!
< الابتسامة تزيح ملامح العبوس، وتضيئ الوجه، و«تبسّمك في وجه أخيك صدقة»، كما جاء في الحديث الشريف..
< كانت الرسائل عبر صندوق البريد، الآن عن طريق التفجيرات..
< أي جمال لدينا في اليمن محبوب.. المغربي جمال بن عمر، العراقي الشهيد جمال جميل، الزعيم جمال عبدالناصر، الفنان جمال داؤود.
آخر الكلام
يا لقومي، ويا لأمثال قومي
لأناس عتوُّهم في ازدياد
التوقيع : شاعر قديم