كتب/ المحرّر الاقتصادي - أظهر الاستجواب الذي قدّمه النائب عبده بشر لوزير المالية صخر الوجيه أن الحجم الذي احتلته ظاهرة الفساد في اليمن واتساع دوائره وتشابك حلقاته وترابط آلياته ليس له مثيل في التاريخ الحديث فقد أصاب وباء الفساد كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية في الصميم.
إلى ذلك ذكر تقرير برلماني حصلت «الميثاق» على نسخة منه إن الفساد أدّى إلى تشوّهات واختلالات اقتصادية في هيكل الجهاز الاقتصادي أدّت بدورها إلى مزيد من التضخّم والبطالة وسوء توزيع الدخل بين الفئات والشرائح الاجتماعية.
موضحاً أن المال الفاسد أضحى معياراً للنجاح والإنجاز والوجاهة والسطوة، بل أضحى المال الوسيلة لإحقاق الحق أو بلوغ مأرب أو الفوز بمنصب ولم يعد للشعور بالواجب مكان ولا للمسئولية العامة اعتبار ولا للضمير الوظيفي أو المهني دور ولا للمعيار الوطني وزن بعد أن تحوّلت النخب الحاكمة إلى أجهزة قمع واستبداد تعوق أية محاولات للتغيير أو التحول أو الإصلاح وتحتكر كل السلطات وتستبيح لنفسها الثروة بصورة مريعة ومخيفة.
ولفت التقرير إلى أبرز آليات الفساد في اليمن والمتمثّلة في تسخير الموازنات العامة للدولة كأحد أدوات الفساد عبر تخصيص اعتمادات مفتوحة وغير مبوّبة تنفق منها السلطة العليا دون حدود أو ضوابط متى ما شاءت وكيفما تشاء والمبالغ التي تشاؤها، كذلك عبر تخصيص اعتمادات كبيرة للمؤسسة العسكرية والأمنية غير قابلة للمناقشة أو المساءلة والموازنات الإضافية أو ما تسمى «الاعتمادات الإضافية» للاستيلاء على جانب من الدخل الضريبي وعلى فوارق أسعار النفط، ناهيك عن أن بعض الإيرادات العامة للدولة لا تدخل أصلاً ضمن الموازنات العامة.
كما أن نظام التعامل بالمناقصات في اليمن يعد من أخطر آليات الفساد، من حيث أن مقاولات ومشتريات الحكومة لا تخضع لعروض أو ضوابط المنافسة القانونية المتكافئة. وفي هذا الصدد أورد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية ملاحظاته عن مناخات الاستثمار في اليمن، حيث قال «الهيئة العامة للاستثمار لا تعتبر نموذجاً فاعلاً وهي هيكلية غير منتظمة، وقد أصبح جلياً أن الهيئة العامة للاستثمار لا تستطيع التصديق أو حتى التأثير من أجل الموافقة على مشاريع الاستثمار الرئيسية بدون الموافقة الشفهية أو المكتوبة للكيانات السياسية الأكثر قوة أو من بضعة شخصيات نافذة.. الجدير بالذكر أن الشركات الأمريكية ذاتها عندما تريد الحصول على عقود استثمارية في اليمن أو في غيرها ضمن المناخ والعلاقات الفاسدة تتحايل باستئجار وكلاء محليين لها يقومون نيابةً عنها بتقديم الرشاوى للمسئولين المحليين حتى تكون صفحتها بيضاء أمام القضاء الأمريكي وجهات الرقابة والمحاسبة الأمريكية التي تحظر عليها ممارسة الرشوة في الخارج وفقاً للقانون الأمريكي النافذ قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة».
واعتبر التقرير أن المؤسسة العسكرية والأمنية هي الآلية الثالثة التي يمارس من خلالها الفساد، حيث أن الاعتمادات الضخمة التي ترصد لها لا تخضع للمساءلة والمحاسبة المالية.
وأفاد التقرير بأن قطاع النفط أصبح مرتعاً خصباً للفساد بدءاً بالتعتيم الرسمي الشديد على البيانات الفعلية لاحتياطياته، مروراً ببيانات وعمليات إنتاجه وتصديره، وانتهاءً بالبيانات المتعلّقة بعائداته وطريقة استثمارها وإنفاقها والتصرّف بها، وهو ما أكّدته منظّمة الشفافية الدولية في تقريرها بأن «اليمن ضمن 14 دولة نفطية في العالم متهمة بإخفاء جانب كبير من عائداتها النفطية في جيوب مديري الشركات الغربية المنتجة والوسطاء والمسئولين المحليين».
وأشار التقرير إلى فتح خطاب اعتماد بما يقارب 32 مليون دولار لأحد تجار بيع الطاقة الكهربائية قبل قيامه بتركيب المحطات في سابقة هي الأولى من نوعها، في مخالفة للدستور والقانون المالي.
كما تم تجنيب 20% من الزيادة في سعر مادة الديزل دون تقديم مشروع القانون إلى مجلس النوّاب وهذا يعد مخالفة للدستور والقانون، وتجنيب 17 مليار ريال من موازنة وزارة الكهرباء، وتجنيب المبالغ الخاصة بالفوارق في أسعار المشتقات النفطية والمعونات والمساعدات.
ووفقاً للتقرير البرلماني هناك مبالغ تم توريدها للخزينة العامة للدولة من جرّاء ضبط التهريب والفاقد في نقل المشتقات النفطية ولم تظهر تلك المبالغ، حيث تم توريد مبلغ 23 مليون دولار قيمة الفاقد والكميات المهرّبة خلال شهر، بالإضافة إلى تبديد أموال الدولة والصرف منها بالمخالفة لتوصيات مجلس النوّاب، حيث تم صرف 37.7 مليون دولار مقابل أتعاب المحامين اليمنيين لإجراء التسوية مع موانئ دبي بينما صرّح وزير النقل بأنه تمت التسوية سابقاً ودفع مبلغ 35 مليون دولار.
وأضاف التقرير بأن وزير المالية قام بالتدخّل في موازنات الجهات وعدم تفويض كل جهة بموازنتها مما أدّى إلى عدم تنفيذ تلك الموازنات وعرقلة التنمية، حيث تم خصم أكثر من 7 مليارات ريال من المشتقات النفطية بواقع 3 ريال لصالح صندوق الطرق وتم توريدها لحساب خاص في المالية ولم تصرف، كما تم اعتماد 600 مليون ريال في موازنة مجلس الوزراء ولم تصرف للموظّفين رغم قيامهم بالعديد من التظاهرات والاحتجاجات وتكليف العديد من اللجان وإعداد اللوائح الخاصة بالصرف. كما تم التلاعب بمخصّصات الطلاب الدارسين في الخارج وعدم صرف مستحقاتهم وتأخيرها لعدة شهور وكذلك عبث الشئون المالية في السفارات والملحقيات والقنصليات رغم العديد من المظاهرات والاحتجاجات.
وذكر التقرير أن وزير المالية قام بصرف 350 مليون ريال لأحد التجار والذي قال إن هذا المبلغ قيمة مولدات تم تركيبها أثناء الحرب الخامسة في محافظة صعدة وهذه المولّدات لم تصل إلى صعدة بحسب شهادة المختصين في الكهرباء في المحافظة.
ولفت التقرير إلى رفض وزير المالية صرف المبالغ المستحقة للشهداء والجرحى دون أي مبرّر قانوني رغم اعتماد مبلغ 20 مليار ريال كتعويضات، كما تم رصد مبالغ في الموازنة لتعويض من تضرّروا بسبب الأحداث التي وقعت خلال الفترة الماضية إلا أنه لم يتم الصرف للمتضرّرين والمشرّدين ولم يتم البدء باعتماد الإعمار سواء في أبين وصعدة وجميع المتضرّرين في عموم محافظات اليمن.
|