بقلم: محمد المصري -
إذا كنت من مرتشفي القهوة، فمن المحتمل أن تكون عارفا بأن أفضل أنواع القهوة في العالم يأتي من اليمن. فميناء المخاء كان المنفذ الأول للبضائع المتنوعة إلى أوروبا. والمخاء هي أيضا اسم لمدينة يمنية صغيرة تقع على البحر الأحمر، حوالي 100 كم من ميناء عدن الواقع على المحيط الهندي، الذي يمثل الآن المدينة الاقتصادية والتجارية لليمن. ميناء عدن العميق كان مشكلاً من نشاط بركاني قديم الأزل جعل من الحمم البركانية جبالا ضخمة تطوق الميناء.
باسترجاع الذاكرة إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ولج اليمنيون العالم بما كان يعرف بـ"القهوة العربية". في البداية نقلها البحارة الأوروبيون المارون عبر المدينة الساحلية الصغيرة، المخاء. حتى أن كلمة "قهوة" تخللت الكثير من اللغات، قبل أن يصل بها المطاف إلى اسم تشتهر به وهو "Coffee".
لكن اليوم لم يعد اليمنيون من أكثر الشعوب ارتشافا للقهوة، فبدلا عنها، أصبحوا يفضلون مضغ كمية كبيرة من وريقات منبهة تدعى "القات".
أول دخول للقات إلى اليمن كان في القرن الخامس عشر الميلادي عندما كان التجار الأفارقة يقدمون إلى اليمن عبر البحر الأحمر ويمكثون فيها كثيرا.
لمعرفة كيف يكون تأثير القات، دعونا نتخيل لاعبي البيسبول الأمريكيين وهم في الملعب ووجناتهم ممتلئة بتومباك ليس مخصص للتدخين، يمضغه اللاعبون خلال فترات الراحة ليمتصوا العصارة المنبهة إلى الأوردة الدموية، فالكثير يدعي أنها تحسن من نشاطه.
بشكل مشابه، أكثر من 80 بالمائة من البالغين في اليمن، رجالاً ونساءاً كباراً وصغاراً، يمضغون بشكل منتظم وريقات القات الخضراء. البعض يتعاطاها في المساء فقط، والقليل يمضغها في نهاية الأسبوع أو أيام الأجازات، وهناك من يمضغ القات أطول فترة من اليوم حتى أثناء العمل.
الشيء الأغرب، أن هناك من اليمنيين من ينفقون على القات أكثر من إنفاقهم على الأكل، وتكلفة القات تتجاوز تكلفة التدخين بكثير.
في كتابه، "أكل أوراق الفردوس"، يصف الكاتب كيفن روشبي تجربته في مضغ القات قائلا: "في كل يوم نشتري حزمة من القات ونصعد الدرجات إلى غرفة مليئة بدخان البخور، ثم نغلق باب الغرفة أمام العالم الخارجي، ثم نشرع في مضغ أوراق القات وننتظر إلى أن يعمل القات مفعوله.
ليس تحولاً مفاجئاً، لكن نشعر بتغير حريري للمزاج، يمكن ملاحظته بصعوبة، ومن ثم ترخي الغرفة مرساتها فنكون مأسورين للحظات سرمدية. بعد سنتين، لم أعد أعرف ما سر متعة الحياة في اليمن أو بسبب اليمن نفسها أم بسبب القات".
واليوم هناك الكثير من السياح الذين يزورون اليمن يسمعون عن تأثير القات الفاتن ويتلهفون لمحاولة مضغه.
كانت شجرة القات مكتشفة بالمصادفة من قبل مزارعين إثيوبيين لاحظوا أن أغنامهم تصبح مرحة كثيرا بعدما تأكل وريقات إحدى الشجرات التي سميت لاحقا بالقات. وعملية مضغ القات تدعى تخزينة بالعربي، والتي تأتي من أنك تخزن وريقات القات في إحدى وجنتيك لفترة طويلة.
من أكثر التأثيرات السلبية لزراعة القات، أن حوالي 80 بالمائة من المخزون المائي في اليمن يتم استنزافه لزراعة القات، مقارنة بنسبة المياه القليلة التي يتطلبها ري أشجار القهوة والمحاصيل الغذائية.
وعلى ما يبدو أن زراعة القات أخذت في التمدد والانتشار، لدخول زبائن جدد، الكثير من النساء والشباب، الذين يضافون يوميا إلى أعداد اللاهثين بعده. السبب في ذلك أن القات يعتبر منشطاً اجتماعياً حيث يخترق كل المستويات الاجتماعية مثلما يقوم به تدخين التومباك في أمريكا الشمالية حتى سنوات قريبة.
من ناحية الإدمان، فقد يسبب الإدمان به لكنه ليس بتأثير الكحول، ولذلك فالعلماء المسلمون منقسمون في كيفية التعامل معه. فالبعض يبيح مضغه وأخرون يحرمونه بسبب الجوانب السلبية التي تركها في متعاطيه.
المخزنون يدافعون عن القات لاعتقادهم أن أوراقه تعطيهم الكثير من الطاقة والنشاط. وكما يقولون أنه بدون القات لا يشعرون بنشاط وبذلك لن يكون هناك عمل ولا دراسة ولا زواج ولا شيء آخر.
المعارضون للقات يحذرون من آثاره السلبية على ذهن وجسم المخزن. لكن وقف استخدام القات في اليمن قد يأخذ سنوات أو ربما أجيالاً قادمة. فاليمنيون أصبحوا أجمالا مدمنين عليه. قبل سنوات، كشف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بأنه يمضغ القات فقط في نهاية الأسبوع، ثم أعلن لاحقا أنه سيتوقف عن مضغه.. في عام 2002، تم الحظر على كل الموظفين الحكوميين من مضغ القات خلال أوقات الدوام الرسمي. لكن اليوم بعد خمس سنوات، فالملاحظ فقط أن القات زاد انتشاره أكثر من ذي قبل.
❊ بروفيسور في الهندسة الالكترونية في جامعة واترلوو الأمريكية- رئيس المجلس الإسلامي الكندي
| 
سطوة القات على اليمنيين
