مقابلة أجراها هيلمر بوجاناتس - صعد تركي سليم الشريف درجات عرش بلقيس بتراخٍ وهو مرتدٍ للزي التقليدي للقبائل اليمنية: ثوب أبيض وجاكيت غربي أسود وعلى كتفه شال فلسطيني وعلى خاصرته لف حزام الجنبية المزخرفة الرائعة. وما نقص في زيه إلا الكلاشينكوف، فقد تركه في غرفة الحقائب لأن الأوروبيين لا يحبون رؤية السلاح. الشاب الصغير هو مزارع من قبيلة الشرف »الاشراف« ويعيش في مأرب، منطقة فقيرة وهي بحاجة ملحة لتحسين الأوضاع الاقتصادية فيها عن طريق إيرادات السياحة. تلك المنطقة التي تغفو تحت أطلالها المُتربة بقايا المملكة السبئية التي قدمت منها ملكة سبأ المقدسة إلى القدس مع موكب كبير وجِمال تحمل التوابل والذهب والأحجار الكريمة.
لكنها أيضا مع الأسف هي نفس المنطقة التي لا يسمح اليوم للأجانب بزيارتها من دون مرافقة موكب عسكري مسلح.
< واحة مأرب هي مكان المتناقضات الكبيرة: فهناك حيثما تمتد سلسلة جبلية مرتفعة إلى صحراء رملة السبعتين فيلتقي الماضي المليء بالأمجاد بالحاضر المظلم والمستقبل المُريب. تلتقي فيه قوانين الحكومة بالقوانين القديمة للقبيلة ويلتقي الأمل في السياحة المدرة للربح بالموجة الهدامة للاختطافات، التي وصلت إلى 200 حالة اختطاف في الخمسة عشر عاماً الماضية.
وسط سياح ألمان يحكي بصورة خيالية عن ملكة سبأ، كان تركي سليم الشريف، 30 عاماً، يقف على سلالم حضارة ملكة سبأ المرتفعة لمعبد بران القديم الذي تم تشييده منذ 3000 عاماً.
لكن كيف توصل تركي لذلك؟ إنه سؤال من الأفضل أن يتم توجيهه إلى مساعدي التنمية الألمان وعلماء الآثار، فهم من حمل تركي مع أحد عشر آخرين من أبناء بلدته قبل ثلاث سنوات للتجمع من أجل تشكيل جماعة "أبناء مأرب".
لقد تلقوا تدريبا على إرشاد السياح الأجانب. وبذلك تكون منظمة التنمية الألمانية (GTZ) قد تمكنت من تحقيق ما لم يتمكن أي وجاهات في مأرب من تحقيقه. مع "أبناء مأرب" جلس لأول مرة رجال من أربع قبائل متنافسة على طاولة واحدة لطرح ما ينبغي فعله من أجل تحقيق النجاح للمنطقة الفقيرة: الإكرام بدلاً من الاختطافات والعمل التجاري بدلاً من الثأر.
تركي الشريف هو قائد جماعة "أبناء مأرب" وهو يدرك أكثر من غيره مدى أهمية فتح مأرب للعالم من جديد. لأنه في واحة مأرب التي كانت تتفرد في عهد المسيح عيسى (عليه السلام) بطريق البخور استغنى الرومان بخط سير السفن عن طريق القوافل القديم وبعد ذلك أتى البدو العرب في العام 600 بعد الميلاد إلى المنطقة و أفل نجم حضارة السبئيين (حسب وجهة نظر الكاتب الذي نختلف معه).
منذ ذلك الحين و مأرب تشكل منطقة خطرة للأجانب، وذلك ما يرغب "أبناء مأرب" الآن في تغييره.
والفكرة هي أن من يمشي مع أبناء مأرب فهو آمن. و ذلك الانفتاح لا يجسده أحد أفضل من قائد "أبناء مأرب"، الذي تعرف على أول فوج من الأجانب في العام 1998 في وادي حضرموت في محطة بنزين.
هناك توصل لأول مرة إلى فكرة أخذ الأجانب من جديد إلى منطقته، مأرب: وهي ذات المنطقة التي تقع فيها أهم مصادر النفط الموجود في اليمن.
لذلك وجد ان العمل بالسياحة أفضل بكثير من عائدات النفط.. ولذلك يسعى تركي لتفعيل مصادر أخرى تدر المال على المنطقة.
فعندما قام مسلحون من قبيلة "اخرى" باختطاف خمسة سياح إيطاليين في العام 2006 قام بكتابة رسالة عاجلة للخاطفين. وبعد ذلك بوقت قصير كان ضمن بعثة قبيلته على أبواب قبيلة تلك القبيلة، للتوسط لاطلاق فتم إطلاق سراح الإيطاليين.
< الصحيفة أجرت لقاء مع تركي سليم الشريف وطرحت عليه هذه الأسئلة:
> ما هو شعورك عندما توضح للأجانب الأماكن الأثرية السبئية؟
- حضارة أجدادي تملأني بالفخر الكبير. ولحسن الحظ قدم الألمان ليكشفوا لنا كل ذلك لأن حكومتنا لا تملك المال الكافي لتنفيذ أعمال الحفريات وإنشاء المتاحف.
> هل تكسبون شيئاً من وراء ذلك يمكنكم من العيش؟
- في الوقت الحالي لا شيء، لكن نأمل في المستقبل. كل مرشد سياحي يكسب حوالي 8 يورو في اليوم الواحد وذلك ليس سيئاً.. في العاصمة صنعاء افتتحنا وكالة صغيرة خاصة بنا إضافة إلى التعامل مع مكاتب سياحية أخرى.
> ومن أين تصرفون في الأوقات التي لا عمل فيها؟
- عندي قطعة أرض زراعية وجمال ونبع. أزرع الخضار والحبوب. ولدينا منزل كبير في قرية السود وهناك أعيش مع عائلتي الكبيرة.
> لكن من المؤكد أن حياتكم قد تغيرت بفعل السياحة؟
- ليس فقط حياتي! فعن طريق علماء الآثار والألمان والسياح، الذين يأتون إلى هنا، يحصل أيضا كثير من أبناء المنطقة على وظائف جديدة كسائقي سيارات ومعاونين في فرق الآثار أو رجال أمن.
> من باب ذكرك للأمن. من وجهة نظرك، لماذا يغامر السياح بزيارة اليمن بالذات؟
- أولا، بسبب تاريخنا العريق. لكن بالطبع أيضا بسبب الناس. حتى وإن كنا نحمل السلاح إلا أن الحال لدينا ليس كما هو في أميركا، حيثما تجد كل واحد يطلق النار على من حوله. نحن اليمنيين متعاونون ونرحب بالزوار. وذلك ما يحدث أيضا بين أبناء القبائل أنفسهم: فعلى سبيل المثال إذا ما كان هناك فرد مطارد فهو يحظى بمساعدة أبناء القبائل. لقد سمعت أنه لا يوجد في ألمانيا قبائل ولذلك أرغب في طرح سؤال لك: من يحميكم بالضبط إذا ما حدث شيء ما؟
> حكومتنا أو بالأحرى الشرطة.
- تركي الشريف: يضحك و يقول: هكذا... لكننا هنا نفضل العمل على خلق التوازن بين القبائل.
> بالرغم من أنكم مدركون للتقاليد إلا أنكم ترغبون في العمل كدليل سياحي للأجانب ووكيل رحلات أكثر من الرغبة بالاعتناء بشؤون الزراعة في الحقل؟
- على كل حال، لقد تعلمت أشياء كثيرة. في السابق كنت أعتقد أن الأجانب أغبياء ولا يقدمون المساعدة والآن أصبحوا أصدقائي. وفي السابق كنت أنظر لأطلال مملكة سبأ على أنها كومه من الأنقاض واليوم صرت أستشيط غضباً إذا قام أحدهم بسرقة الأحجار الأثرية ليبني بها حظيرة. وفي السابق كنت أتحدث فقط العربية والآن أتعلم الإنجليزية.
> هل حققت أحلامك؟
- كلا فأنا أحلم بالسفر للخارج. وأرغب في رؤية ألمانيا.
< عن مأرب- صحيفة »راينيشر ميركور« الألمانية
|