محمد علي عناش -
< اللواء علي محسن الاحمر ليس لغزاً محيّراً في تاريخنا السياسي طوال ثلاثة عقود، حتى نتغابى عن أدواره ومواقفه وماذا كان يمثل في النظام السابق؟ حتى نحوله في لحظة ثورية مرتبكة، من حامٍ للفاسدين والمتقطعين والخارجين على القانون، الى حامٍ للثورة ورجل المرحلة، وأن نحوله من علي كاتيوشا الى حمامة سلام وداعية للتغيير والحرية والديمقراطية.
كما أنه ليس غامضاً الى الدرجة التي تجعل البعض يتجاهلونه ويغضون الطرف عنه وينعتونه بصاحب التاريخ السياسي الناصع، وتجعل البعض الآخر يلفون حوله الأساطير ويبالغون في وصف حكمته ودهائه، وكأنه قدر ومصير لليمن واليمنيين في جميع المراحل حتى في هذه اللحظة المغايرة التي اعتقدنا أنها ستضع على الحروف وأنها ستؤسس لمرحلة جديدة ووعي جديد.
صحيح أن الإصلاح تمكن - بحكم خبرته التنظيمية في لحظة اختلطت فيها الأوراق وتخلخلت فيها المفاهيم وتناقضت فيها المواقف- أن يصنع من علي محسن بطلاً ورجل مرحلة كي يطوي سجل الرجل لثلاثة عقود كإحدى الدعامات الرئيسية للنظام الذي انقلب عليه ممتطياً صهوة ثورة الشباب، غير أن الرئيس هادي تمكن في هذه المرحلة- التي يعمد الاصلاح الى إرباكها والانحراف بها - من أن يضع اللواء علي محسن الاحمر في المحك الحقيقي ليكتشف الجميع حقيقته وماهيته كمجرد متمرد ليس إلا -ماضياً وحاضراً ومستقبلاً- وكطامح في السلطة مسنوداً برافعة قبلية وعسكرية وحزبية وبرافعة ثورية أيضاً بعد أن يتمكن من هيكلة الساحات هيكلة مدرع واحد كما قالت الاستاذة أروى عثمان.
الاصلاح مايزال يتحرك في الشارع بالمظاهرات والاحتجاجات، ضد من؟ لا ندري، غير أن مليشياته تعتدي على مظاهرات الآخرين ويصفها بالتمرد والخروج على القانون، هو يمتدح هادي ويشن عليه حملة إعلامية ظالمة في جميع منابره الاعلامية.. الاصلاح يتكلم عن التوافق الا أنه يجند ويوظف ويعين بشكل حزبي، الاصلاح يجند الاطفال ومنظمة سياج التابعة له تنشط ضد تجنيد الاطفال وتغطي فعالياتها عبر قناة «اليمن» الفضائية وقناة «سهيل».. الاصلاح طالب بهيكلة الجيش وأيد قرارات هادي وتظاهر دعماً لها، وفي نفس الوقت يغطي فعاليات علي محسن المتمردة في عمران بصفته العسكرية قبل الهيكلة، ويردد أنه لا يمكن مساواة من وقف مع الثورة ومن وقف ضدها وسفك دماء الشباب- حسب ما تردده وسائله الإعلامية.. الاصلاح لا يتكلم عن المصفحة العسكرية التابعة للفرقة التي اقتحمت ساحة جامعة صنعاء، فآذتنا وآذت كل حر وشريف في هذا الوطن وهو يرى منظراً مؤذياً كهذا في حرم جامعي، ولا عن الاعتداءات والاعتقالات التي حدثت من قبل جنود الفرقة، على الطلاب المحتجين والصحفيين المتضامنين معهم، إلا أنه يندد بالحملة الاعلامية على اللواء علي محسن حامي الثورة والقامة الوطنية الكبيرة- حسب ما ورد في تنديده واستنكاره.
هو يتكلم عن السلم الاجتماعي ودولة المواطنة وفردوس الحرية والديمقراطية، ويعمل على تأجيج الاختلافات والصراعات الطائفية والمذهبية، ويبث ثقافة الاستعداء والكراهية لكل من هو ضده ومختلف معه.. ماذا يريد الاصلاح بالضبط من كل هذا الكم من التناقضات والمراوغات؟ ولماذا يريد أن يحتفظ باللواء علي محسن؟
من المؤكد أنه ليس مرتبكاً ولا تائهاً وإنما ينفذ أهدافاً وغايات مستقبلية طموحة خاصة به، إنه يريد السلطة بدون عناء ولا انتخابات ولا دولة مؤسسات ويريد أن يحتفظ بما تبقى من مرتكزات القوة لعلي محسن كي يستخدمها في قمع الآخرين وتكييف المرحلة وفق أجندة مشروع الاخوان المسلمين في المنطقة.
فعلى جميع الأطراف السياسية والمدنية والاجتماعية في اليمن، أن تدرك أننا أمام لحظة مصيرية ولحظة تحولات شاملة، فيجب أن تمضي اللحظة في مسار مستقبلي سليم باتجاه بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي وإرساء قواعد ومداميك التداول السلمي للسلطة واستقلال القضاء والمواطنة المتساوية، فكفى صمتاً وسكوتاً .. كفى مزايدة واستلاباً ومراوغة واستغفالاً لهذا الشعب.. عليكم أن تذعنوا وتقروا بمسألتين جوهريتين هما:
- أن الحالة في اليمن اختلفت عما هي عليه في تونس وليبيا وسوريا ومصر، انها الحالة الأرقى والمثلى والخيار العقلاني والمنطقي، ليس بفضلكم ولا بجهودكم، وإنما بفضل وجهود التيار الثالث خارج الساحات الذي قاوم بكل الوسائل السلمية فوضى الميدان وفرض الأفكار وفوضى المفاهيم، ودعم بكل الوسائل والاتجاهات والاستعدادات الايجابية والمنطقية، للتغيير السلمي عبر الحوار والتوافق ودعم جهود الاصلاحات البنيوية التي يعيقها وينحرف بها وزراء محسوبون على الساحات كباسندوة والوجيه والعمراني وقحطان وسميع.
- ان الشعب اليمني الذي عايش هذه الفترة قد وعى كثيراً ماذا يريد؟ ووقف بحكمة وصلابة أمام الطموحات الضيقة والمأزومة والمساعي التي حاولت أن تجره الى مربعات العنف والفوضى الشاملة، لا يمكن أن يسمح بأن تُغتصب هذه اللحظة وأن يتم الانحراف بها نحو مسارات المصالح والغايات الحزبية، ولن يسمح بأن تدور العجلة نحو الخلف أو يستنسخ من هذه اللحظة نظاماً ديكتاتورياً متسلطاً من بوابة علي محسن الاحمر والتيار الانتهازي في الساحات..