موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - 6364 مهاجر أفريقي وصلوا اليمن في شهر - الرئيس/ علي ناصر يعزّي بوفاة النائب البرلماني الدكتور عبدالباري دغيش - تدشين خطة الانتشار الإسعافي على الطرق السريعة - النواب يجدد الثقة بالإجماع لهيئة رئاسته لفترة قادمة - صنعاء: انطلاق حملة للتبرع لمرضى الثلاسيميا - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و799 - مع غزة ولبنان.. مسيرة مليونية بصنعاء -
مقالات
الميثاق نت -

الإثنين, 28-يناير-2013
د/عبدالرحمن احمد فرحان -
مع قرب حلول الذكرى الأولى للحدث التاريخي المتمثل في انتقال السلطة سلمياً للمرة الأولى في تاريخ اليمن القديم والمعاصر ، أجد أنه من المهم جداً التذكير من خلال سلسلة المقالات التي ستحمل ذات العنوان بالأحداث العاصفة التي حلت بوطننا منذ مطلع العام قبل الماضي 2011م ومازال تلقي بظلالها حتى اليوم ، مع استلهام الدروس والعِبر مما جرى ومازال يجري .
لم يخطر ببال أي يمني أنه وفي أقل من شهرين منذ النجاح المبهر الذي فاق كل التوقعات في العرس الرياضي الذي رفع هامات اليمانيين حتى بلغت عنان السماء في خليجي (20) في الفترة ما بين 22 نوفمبر وحتى الخامس من ديسمبر 2010م أن المتربصين باليمن يضمرون للشعب اليمني شراً مستطيراً كاد أن يدمر اليمن ويحيلها إلى هشيم تذروه الرياح لولا عناية الله ولطفه بهذا البلد ، إذ تم إدخال البلد في إعصار الفوضى الخلاقة التي لم تبقي ولم تذر في البلدان التي مرت بها ، بحُجة التغيير

.من المفارقات اللافتة أن الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي باراك أوباما حملت شعار (نحن قادرون على التغيير) «We can change» - والمناداة بحرية الشعوب واقتلاع الأنظمة الفاسدة والتحرر من الطغيان والاستبداد ، وبتدبير محكم تم النفاذ لكل دولة عربية من دول ما بات يعرف بالربيع بمخاطبة قلوب وأفئدة شبابها المتطلع بمنتهى البراءة والطهارة لمستقبلٍ أفضل والطامح لغدٍ أجمل غير أنه يفتقد للخبرة وتنقصه المعرفة العميقة بالتاريخ وسير الأحداث.
خرجت مجموعة من الشباب اليمني للشارع المجاور لأسوار جامعة صنعاء الشرقية مطالبين بحقوق مشروعة متأثرين بأحداث تونس التي أعقبت انتحار البوعزيزي حرقاً وفرار الرئيس التونسي ، وتحركات الشباب المصري بُغية تحقيق هدف مماثل ، وهم يجهلون تماماً أنهم إنما يُستدرجون بمكر ودهاء وخبث ليجعلوا من أنفسهم وقوداً لتحقيق مآرب ومطامع حزبية لثُلة من الحاقدين والطامعين والمقامرين بأوطانهم ، وقبل خروج أولئك الشباب للشارع اليمني كانت هناك مطالب لم يُلتفت إليها من قبل نواب أحزاب اللقاء المشترك والذين امتنعوا عن حضور جلسات مجلس النواب وتعليق عضويتهم فيه ووقوفهم أمام بوابات المجلس الخارجية وتعليق الشارات الاحتجاجية المعبرة عن رفضهم لإجراء أي تعديلات دستورية أو قانونية متصلة بالعملية الانتخابية في البلاد.
رأت أحزاب اللقاء المشترك الفرصة مواتية لركوب الموجة وقطف الثمار حتى لو لم تكن قد نضجت أو حان قطافها ، ولكل فصيل من تلك الأحزاب رؤيته الخاصة فحزب التجمع اليمني للإصلاح على سبيل المثال سال لعابه وهو يتخيل أنه قد صار قاب قوسين أو أدنى من الوصول منفرداً ودون منازع لسدة الحكم ، والحزب الاشتراكي يريد التشفي والانتقام من النظام ورد الصاع صاعين للقوى السياسية التي جعلته يتقهقر للمرتبة الثالثة في الانتخابات النيابية ثم عملت على تنحيته عن مواقعه في الحكم بعد حرب صيف 1994م.. حتى لو تحالف مع بعض تلك القوى ممن يصنفهم كأعداء الأمس.
وبدأ توحيد جهود كل الأحزاب المعارضة بمساندة عدد محدود من الشخصيات الاجتماعية القبلية - التي رأت أن البساط بدا ينسحب من تحت أقدامهم يوماً بعد يوم - تحت مظلة شعار واحد مقتبس حرفياً من الدول العربية التي تسودها الفوضى الخلاقة (الشعب يريد إسقاط النظام) مما يعطي مؤشراً أولياً بأن الأيادي التي تحرك العرائس في تلك الدول واحدة ، فدفعت تلك الأطياف السياسية والقبلية بعناصرها إلى ساحة الاعتصام في العاصمة والمحافظات، ليشكلوا قوة ضغط علا صوتها على أي أصوات مستقلة وغير مسيسة ، وسعت منذ البداية إلى فرض سيطرتها التامة على تلك الساحات بما تملكه من إمكانيات وخبرات تنظيمية ودعم مالي ضخم ، كما أنها هيمنت على المنصات الإعلامية التي يفترض أنها المتنفس الوحيد للمعتصمين للتعبير عن لسان حالهم.. ومطالبهم.. وآرائهم وقناعاتهم ومواقفهم في ما يُطرح عليهم من مبادرات أو خيارات للحل .
وكما حدث في باقي الدول التي جرى فيها تطبيق سيناريو الفوضى الخلاقة (من وجهة النظر الصهيونية الأمريكية التي ابتكرت تلك التسمية)، فقد حرصت أحزاب المشترك وشركاؤهم على أمرين في غاية الخطورة يشكلان أيضاً مؤشر ودلالة على الارتهان لأعداء اليمن المتأبطين الشر لكل الأنظمة السياسية في العالم العربي لأن الأمرين تحققا حرفياً في بقية الدول التي دخلت في دوامة الفوضى (الخلاقة):-
1. انعدام الرأس المحرك والمسيطر : وذلك من خلال تعمد عدم إيجاد قيادة معلنة وموحدة على مستوى الوطن بأكمله ولعل اختيار كل موضع اعتصام في كل محافظة على حِدة للقيادة التي تمثله ، وهو أمر غير عفوي على الإطلاق بل مدروس وممنهج ومتعمد ؛ وذلك لإفشال أي مسعى من جانب تلك الأنظمة للوصول على حلول أو طرح مبادرات قد تفضي للحل .
2. العشوائية والتخبط : من خلال تعمد الضبابية وعدم وجود رؤية تعكس خطة منهجية واضحة تحدد بدقة ملامح الغد وترسم بالورقة والقلم السيناريوهات المحتملة إذا ما نجح المعتصمون في تحقيق مطلبهم الوحيد المتمثل بإسقاط النظام، والإبقاء على الضبابية في تحركات أولئك المعتصمين.. فلا إجابة على الإطلاق لتساؤلات على غرار: من يحدد المسيرات؟! كيف؟! وإلى متى ستظلون في خيام الاعتصام؟!
حاول النظام المراد إسقاطه في اليمن امتصاص حالة التعبئة الجسدية والفكرية والنفسية التي يجري حقنها وتغذية عقول بعض الشباب بها يوماً بعد يوم عن طريق تلك القوى السياسية والقبلية المتحالفة من خلال تقديم التنازلات والمبادرات إلا أن تلك المحاولات باءت جميعها بالرفض؛ حيث كان رد المشترك جاهزاً لا يتبدل ولا يعطي حتى الإيحاء بأنه قد تم تدارس تلك التنازلات والعروض والمبادرات ويكون الرد قد جاء بناء على ذلك ، فذلك يؤكد أنه قد أعده المهيمنون على إرادة أولئك الشباب المكممون لأفواههم المستلبون لإرادتهم هو (جاءت متأخرة) ، كما لوحظ أنه مع كل تنازل أو مبادرة أنه يزداد تبجح واستقواء أحزاب المشترك المهيمنة على المعتصمين وهو أمر مماثل أيضاً للسيناريو الذي جرى في دول الفوضى (الخلاقة) ...
ولعل البداية كانت تتمثل بتوجيهات رئيس الجمهورية حينذاك للحكومة في الـ 31 يناير 2011م بالقيام بما يلي:
1- اعتماد 500 ألف حالة من الأسر المحتاجة في ضوء نتائج المسح الميداني الذي تم من قبل الجهة المعنية .
2- إعفاء الطلاب والطالبات الملتحقين بالجامعات الحكومية من دفع ما تبقى من رسوم التعليم الموازي للعام 2010 - 2011م, وتكليف المجلس الأعلى للجامعات بإعادة النظر في رسوم التعليم الموازي في الجامعات الحكومية وبما يكفل تخفيف الأعباء على الطلاب والطالبات وتكافؤ الفرص فيما بينهم وتحقيق المصلحة العامة .
3- إنشاء صندوق لدعم خريجي الجامعات بما يكفل إيجاد فرص عمل لهم، بحيث يتم استيعاب نسبة 25 بالمائة منهم في ذلك العام واستيعاب البقية خلال الفترة القادمة وفقا للخطة الخاصة بإنشاء الصندوق .
تلى ذلك بيومين وتحديداً في الثاني من فبراير 2011م دعوة مجلسي النواب والشورى لاجتماع مشترك تم فيه الوقوف امام المبادرة الأولى والهادفة الى إنهاء التوتر بالقضاء على المسببات التي أفرزته وأدت إليه :
1- تستأنف اللجنة الرباعية المشكلة من المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك أعمالها
2- تجميد التعديلات الدستورية ..
3- فتح السجل الانتخابي لمن بلغوا السن القانوني ..
4- لا تمديد ولا توريث ولا تصفير العداد .
وحين لم يجد العرض الأول ولا المبادرة الثانية أي صدى أو تفاعل إيجابي التقى علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق في الـ 28 من شهر فبراير بعلماء اليمن لتحكيمهم في وجهة النظر الشرعية فيما يدور من فتنة بين الأخوة في اليمن ، معلناً حينها على عكس غيره من الزعماء العرب أنه ملتزم بالعمل بما جاء في كتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وخرج اللقاء بالمبادرة الثانية التي نصت على ثمان نقاط على النحو التالي :
1- سحب قانون الانتخابات والاستفتاء وإعادته للبرلمان لإقراره بالتوافق.
2- سحب مشروع التعديلات الدستورية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لإجراء التعديلات بالتوافق.
3- تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق.
4- إحالة الفاسدين إلى القضاء وسرعة البت في قضايا الفساد.
5- إطلاق أي سجين لم تثبت إدانته وليس له قضايا منظورة أمام القضاء.
6- اختيار خمسة قضاة للفصل في النزاع القائم بين أطراف العمل السياسي.
7- إيقاف الحملات الإعلامية والمهاترات والتحريض وتهيئة الأجواء لإنجاح الحوار الوطني.
8- إيقاف المظاهرات والاعتصامات بما يكفل إزالة أعمال الفوضى والتخريب والاحتقان في الشارع ومن كل الأطراف.
وفي الثاني من شهر مارس 2011م أصدر علماء اليمن بياناً أكدوا فيه موافقتهم على النقاط الثمان واعتبروا الخارج عنها داعياً للفتنة ، كما أصدر مجلس النواب توصية للحكومة باعتبار كافة قتلى المظاهرات شهداء للواجب ، إلا أن كل تلك الجهود لم تفلح في زحزحة تصلب وتشدد قيادات المشترك عن موقفهم المعلن واسطوانتهم المشروخة التي صارت مثاراً للتندر في الأوساط الشعبية .
لم تتم الاستجابة والحال كذلك للشرعية الدستورية ولا للشرعية الدينية فعمل الرئيس السابق علي عبدالله صالح على الانتقال إلى الشرعية الشعبية من خلال الدعوة لتجمع شعبي غير مسبوق في استاد مدينة الثورة الرياضية في العاشر من مارس 2011م ، ووجه خطابه المهم للشباب المعتصمين هذه المرة معلناً أن القوى السياسية غير معنية بالمبادرة التي أعلنها والتي قفزت على أقصى ما يمكن أن يدور في أحلام أي معارض سياسي فرداً كان أم حزباً.. وتمثلت بالتالي:
1- تشكيل لجنة من مجلسي النواب والشورى والفعاليات الوطنية لإعداد دستور جديد يرتكز على الفصل بين السلطات ويستفتى عليه في نهاية «هذا العام» 2011م.
2- الانتقال إلى النظام البرلماني وبحيث تنتقل كافة الصلاحيات التنفيذية إلى الحكومة البرلمانية في نهاية العام 2011م وبداية 2012م.
3- تطوير نظام الحكم المحلي كامل الصلاحيات على أساس اللامركزية المالية والإدارية, وإنشاء الأقاليم اليمنية على ضوء المعايير الجغرافية والاقتصادية.
4- تشكيل حكومة وفاق وطني تقوم بإعداد قانون جديد للانتخابات بما في ذلك الأخذ بالقائمة النسبية, وعلى أن يلتئم مجلس النواب بمختلف كتله من السلطة والمعارضة لإقرار قانون الانتخابات والاستفتاء, وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء.
هذه المبادرة شكلت تحقيقاً عملياً لمطالب الشباب بإسقاط النظام ؛ لأن تطبيقها كان من شانه أن يغير نظام الحكم في اليمن جذرياً ، إلا أنه يمكن القول بأن الكِبر والمكايدة السياسية قد جعلت قيادات أحزاب اللقاء المشترك تتحمل المسئولية التاريخية بتفويتها لهذه المبادرة بحمق شديد حيث ظهر المتحدث الرسمي باسم تلك الأحزاب بعد ثواني من انتهاء الحشد الشعبي في الاستاد الرياضي ليعلن أن المبادرة ممتازة لكنها جاءت أيضاً متأخرة . في تقديري أن الحُجَة الرئيسة التي أقنعت بها أحزاب اللقاء المشترك عناصرها ومناصريها في ساحات الاعتصام تتمثل بالترويج لعدم الموثوقية بما يصدر عن رئيس الجمهورية من وعود أو مبادرات وعدم جديته في تنفيذها، حيث صوروا للشباب المعتصمين أن رئيس الجمهورية يتقدم بالعروض والمبادرات فقط لكسب الوقت ولإفراغ ساحات الاعتصام من المعتصمين ، وإجهاض مطالب الشباب التي تصب في مصلحة تلك الكيانات الحزبية . وللحديث بقية.
هذا اضافة الى أن التطورات في الشارع المصري قد أسال لعاب قيادات المشترك للسلطة، وهيئ لهم بأن استمرار رئيس الجمهورية بطرح المبادرات يشير الى أنهم أصبحوا أقرب ما يكون إلى اقتلاع النظام من جذوره، وأن لحظات جني الثمار قد اقتربت كثيراً جداً.
لقد دخلت في حوار مع مجموعة من الشباب الذين أثق بأنهم بالفعل مستقلين وغير محسوبين على أي طرف سياسي على هامش ندوة اقامتها صحيفة عكاظ في فندق الموفانبيك بعد الإعلان عن مبادرة الاستاد الرياضي ، فكانت حُجتهم متفقة مع ما تقدم ذكره، فقلت لهم لماذا لا تقلبوا الطاولة على جميع الأطراف السياسية في اليمن سلطةً ومعارضة بأن تقوموا في لحظة صفر تحددونها انتم بدعوة وسائل الإعلام المحلية والدولية لمؤتمر صحفي تعلنون فيه موافقتكم الكاملة كشباب مستقل على ما طرحه رئيس الجمهورية في مبادرته بالاستاد الرياضي ، لكنكم ترغبون أن يشاركه بالتوقيع على المبادرة ممثلين عن كافة الأطياف السياسية في اليمن وممثلين عن مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة ، والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين ولو على مستوى السفراء المقيمين في اليمن ، وذلك لضمان حُسن النوايا وجِدية النظام والتزامه الفعلي بترجمة بنود تلك المبادرة على أرض الواقع ، وبما يطمئن النفوس ويبدد المخاوف التي تتردد في النفوس بشكل عفوي أو مُمَنهج من أن تلك المبادرة ليست إلاّ مجرد مخدر موضعي أو وسيلة للالتفاف على مطالب المعتصمين ، للأسف ذلك المقترح لم يُلتفت إليه بالرغم من إشارة أحد الشباب الى ذلك في إحدى القنوات الفضائية التابعة للمشترك..
توالت الأحداث بعد ذلك إذ عصفت جريمة جمعة 18 مارس 2011م بقلوب كافة اليمانيين وكادت تعصف بالنظام وتقتلعه من الجذور حينما توالت استقالات أركان النظام من مدنيين وعسكريين ، لولا أن رئيس الجمهورية بادر إلى تحويل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال ، وفي تقديري أن القوى القبلية التي وافق الشباب والمهيمنون عليهم على منحهم حق تولى ميليشياتهم حراسة وتأمين حياة المعتصمين هي التي تتحمل المسئولية القانونية والشرعية عن تلك الجريمة التي راح ضحيتها عشرات المعتصمين في تلك الجمعة الدامية ، وذلك بعد أن رفض المعتصمون عرض رئيس الجمهورية بأن تتولى القوات الأمنية الحكومية هذه المسألة باعتبار تلك القوات - من وجهة نظرهم - قد صارت فاقدة للشرعية ولم تعُد موضع ثقة لأنها تدافع عن النظام الحاكم الذي يُراد إسقاطه ...
أعتقد أن رئيس الجمهورية كشف بنجاح للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي عن حقيقة مصادرة أحزاب اللقاء المشترك لأصوت الشباب بإعلانهم الفوري لرفض المبادرة الأخيرة رغم أنهم لم يكونوا المخاطبين ولا المعنيين بها دون أن يكلفوا أنفسهم ولو شكلياً أو ظاهرياً بطلب مهلة للتشاور مع قواعدهم ومناصريهم ، قد وصل لقناعة تامة بأنه بات من المستحيل إهدار الوقت والجهد للتخاطب مع تلك الأحزاب التي لم تعد تملك أية حجج طالما كانت تلك حُجتها، فما كان منه إلا أن أنطلق بخيارات أخرى وطرحها الأشقاء في دول الجوار لعلهم يقوموا بتبنيها وبلورتها واقناع المشترك للقبول بها والامتثال لتنفيذها برعاية دولية، وهنا تجلَّت الحكمة اليمانية بأروع صورها .
جاءت المبادرة الخليجية لتمنع تنفيذ السيناريو الخبيث الذي كان يخطط له أعداء اليمن باستخدام أدوات محلية للأسف الشديد ولكن حالة الاحتقان كانت قد بلغت ذروتها في نفوس تلك الأدوات التي قبلت المبادرة واشترطت التوقيع عليها في سراديب مغلقة رافضةً عرض رئيس الجمهورية بالتوقيع عليها في النور وأمام العالم من خلال عدسات كاميرات وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية في دار الرئاسة مما دعا رئيس الجمهورية إلى إعلان عدم توقيعه على المبادرة . وشرع بالمطالبة بتزمين المبادرة الخليجية لكي لا يتم الالتفاف عليها ، قيادات بعد أن ظهرت أحزاب اللقاء المشترك أن نفوسهم معتلة وقلوبهم غير نقية وعقولهم مريضة غير قابلة للشفاء .
ولعل أكبر دليل على ما تقدم يتمثل في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت عقب ذلك لهدم الدولة اليمنية بالقوة العسكرية حينما جرت محاولة اغتيال كبار أركان الدولة ممثلة في : رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس الوزراء ونوابه ، وهم يؤدون صلاة الجمعة في أول جمعة من شهر رجب الحرام بجامع دار الرئاسة بتاريخ 3 يونيو 2011م في سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ اليمن، لكنها شكلت ترجمة لبراءة اختراع يمنية خالصة وبامتياز ، لتأتي بعد ذلك براءة الاختراع التالية التي أذهلت العالم بأن تحافظ اليمن على كيانها ولا يؤدي هذا الاعتداء الارهابي البشع إلى انهيارها وهو الأمر المتوقع بقياسات العقل والمنطق لو أنه حدث في أي دولة في العالم ..وفي هذا المقام تستوقفنا حقيقتان مهمتان للغاية :
1- الحقيقة الأولى : شهادة قبح وبشاعة :
وتمثل براءة اختراع يمنية خالصة جديدة ، لأن تلك المحاولة الانقلابية غير مسبوقة عبر التاريخ البشري على الإطلاق ، فحتى من نعتبرهم موغلين في الحقد والكراهية لدرجة الإفراط الشديد ليس فقط للمسلمين بل لكل من لا يدين بدينهم ويتَّبِع معتقداتهم وهم الصهاينة الذين لم يتجرأوا على قتل وتصفية أي فلسطيني وهو يؤدي الصلاة داخل الجامع ، غير أن ذلك حدث بين مسلمين ضد مسلمين وفي اليمن موطن العرب الأول والذين وصفهم النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بأنهم أهل الحكمة والإيمان .
2- الحقيقة الثانية: شهادة حكمة:
لاشك أن التاريخ سيسجلها بأحرف من نور ، فقد شكل ذلك الاعتداء الارهابي دليلاً ملموساً لكل المنصفين بأن الرئيس/علي عبدالله صالح لم يكن قط تصفوياً أو دموياً كما حاول أصحاب تلك العقول المريضة أن يصفوه ويصوروه لمريديهم وأتباعهم هكذا، إذ لو كان الرئيس كذلك أو نجله أحمد طامعاً في وراثة السلطة كما روجت تلك الأبواق لأوجد ذريعة تمكنه من تحقيق التوريث المزعوم ما بالنا وقد جاد ذلك الاعتداء الارهابي بنفسه إليه، وكان لا يمكن لأحد أن يلومه على المستويات المحلية والإقليمية والدولية خصوصاً وأن نجل الرئيس (يقود فعلياً وبشهادة خبراء دوليين أقوى القوات العسكرية في الجيش اليمني) وكان بإمكانه خلال أقل من 24 ساعة بعد تلك الجريمة النكراء وكرد فعل طبيعي ومنطقي مبرر القبض على الخصوم من العسكريين أو السياسيين أو الشخصيات الاجتماعية والقَبلية، وإيداعهم في غياهب السجون تمهيداً لمحاكمتهم أمام القضاء، وكان اعتماد أيٍ من الخيارين سوف يؤدي إلى إراقة الكثير من دماء اليمنيين ، وفرض حالة الطوارئ وتعليق الدستور وحل مجلسي النواب والشورى ، وأكرر التأكيد على أن أحداً في العالم لم يكن ليلومه لو أنه أقدم على ذلك.
ولعل لطف الله ورحمته وعنايته بهذا البلد وحكمة الزعيم علي عبدالله صالح هي التي حفظته من الانهيار وضمنت عدم انسياق أبنائه للتطاحن والاقتتال ، وعاش اليمانيون فترة عصيبة لم يالفوها من قبل مع بعد أن أصبح كافة أركان النظام خارج البلاد يتلقون العلاج، وتفويض الأخ عبدربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية حينها بالقيام بمهام رئيس الجمهورية لحين عودته بموجب القرار الرئاسي رقم (24) لعام 2011م ، حقيقة لقد عانى الشعب اليمني كثيراً من ضرب كل مقومات الحياة من ماء وكهرباء وبنزين وديزل لكنهم رسموا صورة مبهرة في الصبر والجلد وتحمل المكاره. دون أن يخضعوا أو تنحني هاماتهم لتمرير المخطط الخبيث الذي كان يراد له أن يجعل من اليمن رأس حربة للانطلاق نحو باقي دول الجزيرة العربية ، غير أن المؤامرة والفتنة أراد لها المولى عز وجل أن تسقط ويكبحها اليمانيون ويجهضونها فتصبح أثراً بعد عين بفضله ومَنِّه وكرمه تعالى .
عاد علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية من السعودية الى أرض الوطن بعد سيل من الإشاعات والأكاذيب التي ظل يروج لها المشترك عن وفاته أو اطلاق التصريحات بأنه صار عاجزاً عن الحركة ، وعن السمع وعن البصر وأنه قد تلقى عروض مالية سخية للبقاء وعدم العودة الى الوطن، وبأنه قد تلقى ضغوطاً وأوامر من القوى الدولية والمضيفين بأن لا يعود ، و..و..و..و..و..و.. إلخ، وعقب عودة الرئيس عاد الحديث مجدداً عن المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة وموعد التوقيع عليها وتحديد الجهة المعرقلة لإتمامها ، وجاء حدث التوقيع عليها في الرياض ليخرس كل الألسن ويبطل كل الاشاعات والتقولات.. وليشهد كل يمني يوم التوقيع عليها وليدرك بقلبه قبل عينيه وهو يشاهد تلك الوجوه المكفهرة العابسة ويتبين دونما شك الوجوه المطمئنة الباسمة .
وهنا لابد من التوقف قليلاً للتأكيد على حقيقة في منتهى الأهمية ، فلو جاز لنا جدلاً أن نطلق على الأحداث التي كادت أن تعصف باليمن كما عصفت ببلدان عربية أخرى مطلع العام 2011م ، فإنه يمكننا القول بأن علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق هو الذي قاد تلك الثورة وباقتدار مشهود له ، فقد تنبه للمخططات الخبيثة للقوى الدولية والتي يجري تنفيذها بأدوات إقليمية ومحلية ونجح في إجهاضها ، ومن المفارقات أن الرئيس علي عبدالله صالح وصل لسدة الحكم في العام 1978م من أجل الحفاظ على اليمن وحقناً لدماء أبناءه في وقتٍ عصيب للغاية، وكان كرسي الرئاسة يعزف عنه الجميع ، وجاء تخليه عن السلطة طواعية في العام 2012م أيضاً حفاظاً على اليمن وحقناً لدماء أبناءه وفي وقت عصيب أيضاً، وقد خاطب الرئيس السابق أبناءه الشباب منذ بداية الأزمة بأن اليمن غير تونس ومصر وليبيا وسوريا ، فسَخِر منه من سَخِر واعتبر ذلك أضغاث أحلام ومحاولة للتنصل من مصير الأنظمة الحاكمة في تلك الدول، ووافقه على هذا الطرح من وافق ، ثم دعاهم لتشكيل حزب أو أحزاب جديدة وأبدى استعداده لتسليم السلطة لمن ولدوا وترعرعوا في عهده ولم يعرفوا أو يشهدوا لوطنهم رئيساً غيره ، لكن كل ذلك لم يكن مجدياً ولا مؤثراً فيهم.
٭ أكاديمي بجامعة صنعاء
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
في زيارتي للوطن.. انطباعات عن صمود واصطفاف ملحمي
اياد فاضل*

هم ونحن ..!!
د. عبد الوهاب الروحاني

اليمن يُغيّر مفهوم القوة
أحمد الزبيري

مسلمون قبل نزول القرآن الكريم.. فقه أهل اليمن القديم
الباحث/ عبدالله محسن

الأقلام الحُرة تنقل أوجاع الناس
عبدالسلام الدباء *

30 نوفمبر عيد الاستقلال المجيد: معنى ومفهوم الاستقلال الحقيقي
عبدالله صالح الحاج

دماء العرب.. وديمقراطية الغرب؟!
طه العامري

ترامب – نتنياهو ما المتوقَّع من هذه العلاقة؟!
ليلى نقولا*

أين هو الغرب من الأطفال الفلسطينيين السجناء وهو يتشدَّق دوماً بحقّ الطفل؟
بثينة شعبان*

صراع النملة مع الإنسان ولا توجد فرص أخرى للانتصار!!
د. أيوب الحمادي

دغيش.. البرلماني الذي انتصر للوحدة حتى المَنِـيـَّة
خالد قيرمان

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)