محمد احمد الرميم -
ما أُسمي بالربيع العربي الذي غطى مناطق محددة ومعينة بالشرق الأوسط ابتداء من تونس وامتد ليشمل ليبيا ومصر واليمن .. وسوريا ...والتي لم تستقر أحوالها بعد مع كثير من التفاوت فيما فقدته وتفقده شعوبها من المقدرات وما كلفته من تضحيات مادية ومعنوية ليست بالهينة.. ولعل أهم ماتعانيه مجتمعة -مع قليل جدا من التفاوت- انعدام الأمن والاستقرار، واستمرار حالة الفوضى.. أو بما يمكن وصفه بنشوء أزمات جديدة سياسية واقتصادية ومعيشية حادة ومعقدة .. فضلاً عن محاولات الزج بالمجتمعات في أتون صراعات طائفية ومذهبية وجهوية وهي أحد أشد وأخطر أسلحة هدم وتفتيت المجتمعات والأوطان مع ما تحققه من نتائج كارثية على كل المستويات..
لا يمكن التشكيك أبدا في حق شعوب تلك البلدان بل وكل شعوب البلاد العربية في سعيها لتحقيق تطلعاتها في التغيير إلى الأفضل، ونيل حقوقها في العدالة الاجتماعية والمساواة، وصنع الحياة الحرة الكريمة، والبحث عن حلول ومخارج لعشرات السنين من القهر والإذلال والحرمان والتغييب مع فوارق في مستوياتها هنا أو هناك.. لكن ما حدث ويحدث وبعد مرور عامين لما أسمي بثورات شعبية لم تحقق لهذه الشعوب في الواقع سوى المزيد من المعاناة والمزيد من الانتظار للمجهول .. وكما يبرر البعض بأن هذه الثورات فقدت أهدافها وتم الانحراف بها واستغلالها بل واختطافها ..حين تقاذفتها ما يمكن وصفها بمؤامرات الداخل والخارج على الصورة التي نراها اليوم، وربما تمتد إلى ما لا يمكن تحديده من الوقت في المستقبل المنظور، في ضوء التجاذبات السياسية وظهور قوى سياسية قديمة وأخرى جديدة وكلها قوى مرتهنة.
والبعض الآخر شكك في الموضوع منذ انطلاقته مستنداً لبعض المؤشرات للتدليل على أن ما حدث ويحدث باسم ثورات الربيع للتغيير ما هو إلا.. أمر تنفيذي لمخطط مرسوم سلفاً، وأحد هذه المؤشرات يتعلق بقضية التوقيت والتزامن الذي أريد لانبثاق ما أسمي بالربيع، في أكثر من بلد (جمهوري) هي محل الاستهداف لا غيرها مع بداية العام 2011م وفي شهريه الأولين يناير وفبراير.. وهو أمر -كما يقول هؤلاء- لا يمكن تبريره بالمصادفة أو بالأمر الطبيعي على الإطلاق.. وهو ما أثار وما زال يثير تساؤلات لم تجد لها جواباً.. مقنعاً حتى الآن عند كثيرين! إلا أنهم وحسب تفسير بعض المتابعين والمحللين.. بأن التزامن يشير بكل قوة إلى مخطط ما -قديم أو جديد لا فرق- من قبل دوائر معينة خارجية لها عملاؤها في الداخل لهم أجندة مصلحية متوائمة ومتقاطعة تمثل أهدافهم المشتركة.
وأصحاب ما يسمى بنظرية المؤامرة يؤكدون مثل هذا التفسير ويعزون كل ذلك - بعد التحليل الذي أثبتته بعض نتائج الثورات السلبية - من خلال جملة التصريحات التي ظهرت وما تزال تتعزز كل يوم هنا وهناك من أبرزها ما يتكشف في كواليس الدول صاحبة المصلحة في استغلال أهداف التغيير بتنفيذ المخطط (وربما صنفوا وثائق ويكيلكس وتوقيت كشفها ونشرها) كأحد أهم نقاط وبنود التخطيط للفوضى « الخلاقة « .. والتي تسبق مخطط تشكيل الشرق الأوسط الجديد والمعلن عنه سابقاً، كما تعزز ذلك كثير من المواقف والتصريحات الغربية المتصهينة تجاه مختلف الأحداث والتطورات في بلدان الربيع، إضافة إلى تصريحات الصهيوني برنارد ليفي وظهوره شخصيا في أكثر من منطقة علناً وكما لو كان عراب هذه الثورات الربيعية.. هذا بالإضافة إلى الحملة الإعلامية المواكبة لهذه الثورات والمستمرة حتى اليوم بنفس الاتجاه وبنفس الخطاب.. متجاهلة انكشاف السيناريو الإعلامي الموحد المتواكب مع مخطط ثورات الربيع.. لتقول بعض شعوبها صارخة في آذان تلك الوسائل الإعلامية المهتمة.. وخصوصاً القنوات الفضائية - التي كشف الوقت سوءاتها وسقط قناعها عن الوجه الحقيقي للتناول، وتماهي الخطاب والموقف مع مصالح جهات دولية ومحلية هي من تحركها .. إلى درجة الفضيحة في الزج والتحريض على خلخلة المجتمعات بإثارة النعرات الطائفية والفئوية والمناطقية والجهوية ..
تقول شعوب الربيع المزعوم.. لم نر زهرة واحدة في هذا الربيع لم يتبدل لدينا شيء كما قيل لنا.. بل نحن في معاناة أشد، نجتر أحلام اليقظة في ربيع موهوم، لأن معاناتنا في ازدياد، وربما تسير بنا غصبا عنا إلى درجات مأساوية مع ما نشهده من انتشار فوضى هدامة، وتجاوز الخطوط الحمراء , وانعدام ضوابط التحكم بحركة المجتمع .. وتحطيم الحواجز أمام كثير من الثوابت والأهداف والمثل والقيم الدينية والأخلاقية التي نؤمن بها وتحكم علاقاتنا ببعضنا، ونقف عند حدودها وتوارثناها جيلاً بعد جيل، بل إن هذه القيم والمثل الأخلاقية السامية هي عنوان شخصيتنا وكينونتنا التاريخية والحضارية.
بل والأخطر أن الأوضاع الجديدة في ظل ربيع هلامي موهوم.. زادت من شعور قطاعات كبيرة من المجتمعات العربية المستهدفة بالربيع.. بالإحباط واليأس، والأكثر خطورة من ذلك فقدان ثقة هذه الشعوب بمصداقية نخبها الثقافية والعلمية والدينية إلى الدرجة التي تنتفي معها أية مرجعية !! الأمر الذي يعني حدوث التفكك والفوضى وعدم الاستقرار.. حيث لا مكان لأية قيم أو مبادئ تحكم وتضبط حركة المجتمع وهي كلها نتائج للفوضى (الهدامة) وتصب كلها في الأهداف المرسومة في المخطط الخبيث لتمزيق وتفكيك عرى الأمة ليسهل التحكم بها، والوصاية عليها - (وكل ذلك حسب أنصار نظرية المؤامرة).. فهل أصابوا أم جانبهم الصواب؟ربما علينا التضحية بالمزيد من الوقت المأزوم، مع ما ينطوي على ذلك من نتائج مكلفة .
ومن حكم الله تعالى في خلقه: (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله).