|
|
تحقيق/ عبدالولي المذابي- منصور الغدره- جمال مجاهد - في الوقت الذي تلهب الأسعار ظهر المواطن نتيجة الغلاء الكبير والمفاجئ الذي بلغ نحو 90٪ عما كان قائماً قبل نحو شهرين، تتجرد كل الجهات عن مسئوليتها وتلقي باللائمة على الأخرى، وترتفع بعض الأصوات لتقول إن ارتفاع الأسعار ليس مبالغاً فيه، وانه نتيجة لغلاء عالمي في أسعار السلع، في ظل غياب استراتيجية للأمن الغذائى واستيراد قرابة 70٪ من احتياجات اليمن الأساسية من الخارج..
أصابع الاتهام تشير إلى التعرفة الجمركية وضريبة المبيعات وجشع التجار ووزارة الزراعة ووزارة التجارة والصناعة واتحاد التجار والمصنعين، وغياب آلية حقيقية للرقابة على الأسعار..
ويبقى المواطن تحت وطأة الغلاء منتظراً ما ستقوم به هذه الجهات، وعندما تسأل عن الرقابة والتدخل لضبط الأسعار سيرد اتحاد التجار بأن ذلك يتعارض مع الدستور..جولة ميدانية ولقاءات مع المسئولين في الجهات المعنية أسفرت عن الحصيلة التالية..
> اخترنا مصلحة الجمارك كوجهة أولى في هذا التحقيق للتأكد من حقيقة ما يقال حول دور التعرفة الجمركية في ارتفاع الأسعار وهناك التقينا الأخت انتصار عبدالله عاطف نائب مدير عام التعريفة الجمركية التي أكدت ان التعريفة الجمركية لم يعد لها أي دور في رفع الأسعار، نظراً للتعديلات الكثيرة التي طرأت عليها لتشجيع المنافسة في السوق بعد تحرير أسعار السلع الأساسية والاستهلاكية ورفع الدعم عنها، وبالتالي فإن الرسوم الجمركية المفروضة على السلع لم تعد تمثل مشكلة في هذا الجانب.
وتشير انتصار إلى أن هناك أكثر من 82 سلعة معفية من الرسوم الجمركية من بين أكثر من ستة آلاف مجموعة سلعية، منها الأرز والقمح، والأدوية المستوردة عن طريق صندوق الدواء التابع لوزارة الصحة، بالإضافة إلى الذهب الخام لتشجيع الانتاج المحلي للمشغولات، كما تقع ضمن السلع المعفية الكتب والألعاب الرياضية في سبيل تشجيع انتشار الثقافة والرياضة ودعمها.. كما أن هناك سلعاً عليها رسوم جمركية مخفضة إلاَّ أنها تعفى من الرسوم الضريبية وضريبة المبيعات مثل الدقيق والسكر ولاتتجاوز الرسوم الجمركية نسبة 5٪ فقط..أما بالنسبة للسلع ذات المنشأ العربي فإنها تحظى بخصم خاص قدره 48٪ من الخصم السائد وفقاً لاتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة، وبالتالي فإن السلعة ذات المنشأ العربي لايدفع عنها سوى نصف الرسوم المفروضة على غيرها في الجمرك.
وتستغرب الأخت انتصار من اشتعال الأسعار بشكل مفاجئ وفي أغلب السلع الاستهلاكية وغير الاستهلاكية، مع أن أسعار الدولار والعملات لم تشهد أي تحرك ملحوظ، نافية وجود أية علاقة من قريب أو بعيد بين التعرفة الجمركية وارتفاع الأسعار.
الضرائب تنفي علاقتها
> وحول العلاقة بين ارتفاع الأسعار وتطبيق ضريبة المبيعات.. نفى الأخ أحمد غالب رئىس مصلحة الضرائب أن يكون لضريبة المبيعات علاقة بارتفاع الأسعار.. مؤكداً أن ضريبة المبيعات معمول بها ومطبقة منذ شهر يوليو 2005م، ولم يطرأ أي تغيير بشأنها.. والادعاء أو الترويج بأن ضريبة المبيعات سبب في ارتفاع أسعار السلع كان في السابق فقط للمماحكات عندما كان الخلاف قائماً بين الحكومة والقطاع الخاص حول آلية تطبيق القيمة المضافة لضريبة ا لمبيعات، فكان التجار يدعون ان ضريبة المبيعات هي السبب في ارتفاع الأسعار، بينما المواد التي كانت أسعارها مرتفعة، بل والتي بدأت بالارتفاع هي المواد الأساسية المعفية أساساً من الضريبة والجمارك..
> وأضاف: هناك دراسة علمية توضح أسباب ارتفاع اسعار بعض السلع- ربما يتفق حولها الاقتصاديون من الحكومة والتجار والتي ترجع أسبابها إلى عدة عوامل- منها الارتفاع العالمي لأسعار بعض السلع كالقمح.. بالإضافة إلى زيادة الطلب مع قلة العرض لبعض السلع، والسبب الثالث زيادة معدل النمو للسيولة المحلية والتي بلغت 30٪ تقريباً ما يسبب تضخماً وارتفاعاً في الأسعار. ويرى غالب أن سوء إدارة المتوافر من السلع جراء احتكارها وتخزينها وعدم عرضها للسوق والناس والمغالاة في أسعارها، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الاسعار غير المبرر.
واذا ما كان هناك علاقة ارتفاع الاسعار بضريبة المبيعات يصف المعنيون في الإدارة الضريبية ذلك بالإدعاءات الواهية، خاصة وان ضريبة المبيعات نُفذت سابقاً وتُنفذ حالياً وفق الآلية التي حددها وطلبها التجار أنفسهم، بحيث يقدمون إقراراتهم كل شهرين- أي خلال عشرين يوماً من الشهر الثالث، وبنسبة 5٪ فقط..
ويتساءل هؤلاء إذا كان الارتفاع شمل عامة السلع في الوقت الذي نجد فيه أن هذه السلع معفية من ضريبة المبيعات وفي مقدمتها المواد الأساسية، والأدوية والحليب، بل ان ارتفاع أسعار السلع في السوق اليمنية تمت ثلاث مرات متتابعة وخلال فترة وجيزة وكلها تحت مبرر ضريبة المبيعات، التي جعلوها شماعة يعلقون عليها التصاعد المتسارع في ارتفاع الأسعار لمواد أساسية معفية من الضريبة والجمارك..
وفي الوقت الذي لزم فيه الجانب الحكومي الصمت تاركاً للتجار اقناع المستهلك- المواطن- ان الارتفاع الكبير الذي شهدته كل السلع في السوق بنسبة 90٪ من قيمتها السابقة- كان نتيجة الارتفاع العالمي للأسعار، فإن مجمل التقارير الدولية عن أسعار السلع في السوق العالمية تؤكد ثبات الأسعار في معظم السلع وعلى رأسها المواد الأساسية..
مختصون في وزارة التجارة والصناعة أعدوا تقريراً عن مؤشر تغير أسعار السلع الأساسية في (15) دولة إقليمية ومجاورة لليمن خلال الأشهر الأربعة الماضية، أكدوا فيه أن أسعارها ثابتة ولم تتغير ارتفاعاً أو انخفاضاً، خاصة أسعار القمح والسكر والأرز.. وهذا ينفي القول بأن ارتفاع الأسعار في اليمن ماهو إلاّ نتيجة الارتفاع العالمي.. كما قال محفوظ سالم شماخ رئيس الغرفة التجارية بأمانة العاصمة.. داعياً الناس إلى التقشف لمواجهة ارتفاع الأسعار، تحت مبرر أن غرفته لاتستطيع السيطرة على الأسعار وتثبيتها لأنها تحت رحمة الدول المصدرة، بل انه ذهب إلى التحذير من أن تحدد أسعار السلع من قبل وزارة التجارة والصناعة وفقاً لقانون التجارة الداخلية الذي خولها مهمة ضبط وتحديد الأسعار، وإذا ماتم ذلك- حسب قوله- سينتج عنه مشكلة أكبر وهي احتكار التجار للمنتجات.
جدل وليست مبالغة
> وللوقوف أكثر على رأي القطاع الخاص التقينا الدكتور محمد الميتمي مدير اتحاد الغرف التجارية والصناعية الذي نفى أن تكون هناك مبالغة في الأسعار وسماه جدلاً حول ارتفاع الأسعار في اليمن بين من يرى أن هذه الأسعار مرتفعة وآخر يقول إنها طبيعية..
وأضاف: ينبغي أولاً توضيح قضية أساسية ان السوق الاقتصادي اليمني سوق حر محددة في الإطار الدستوري وفي القوانين والتشريعات، ليس هناك مجال للاحتكار وليس هناك لاتدخل حكومي ولا تدخل غير حكومي في الأسعار من الناحية الدستورية والتشريعية.. وأي تصرف من هذا النوع هو مخالف للبنية الدستورية.. وعندما نقول اقتصاد حر يعني أن قوانين السوق هي التي تحدد أي أن قوانين العرض والطلب هي التي تحدد أسعار السلع والخدمات، ومن هذا المنطلق هناك فعلاً ارتفاع حقيقي وكبير جداً لأسعار أهم ا لمواد الغذائية فسعر القمح على سبيل المثال يتراوح الآن بين 3500-4000 ريال من سعر كان أقل من 2000 ريال خلال الأشهر الستة الماضية.. لكن هذا السعر له مبرراته الاقتصادية البحتة، اليمن بلد مستورد صافي للغذاء وتعتمد على استهلاك القمح بدرجة أساسية من خلال استيراده من الخارج وبالتالي سعر القمح يُحدد من المنتج وليس من المستورد.. إذا أردنا أن نوضح هذه الصورة أكثر فإنه في مارس عام 2006م كان سعر طن القمح الواحد حوالي 151 دولار، وهذا العام وصل هذا السعر في مارس بالذات القمح الأمريكي إلى 296 دولار وإلى 305 دولارات.. وعليه فقد تضاعف سعر القمح في السوق المحلية استجابة للتغير في أسعار السوق العالمية التي لها مبرراتها أيضاً كثير من الدول المنتجة للقمح كأستراليا وكندا أصيبت بفترة جفاف وانخفض المخزون العالمي من القمح وكذلك الصين والهند اللتان كانتا مصدرتين أصبحتا مستوردتين للقمح.
ربح أعلى
> وحول التقرير الذي صدر مؤخراً عن مجلس النواب حول أسباب ارتفاع الأسعار وأكد أن نسبة الارتفاع في السوق اليمني أكثر من نسبته في أسواق العالم.. يقول الميتمي: لايوجد تاجر في العالم مستعد أن يستورد قمح ويبيع بخسارة، ثانياً، سوق الغذاء سوق مفتوح لأي مستورد يريد أن يستورد القمح.. سوق تنافسية قائمة على مبدأ المنافسة وليس هناك قوانين أو آليات تحول بين المنافسة، ومادام هناك سوق وفيه ربح عالي فمعناه أن كل المستوردين للسلع الأخرى- إذا كان هامش الربح بهذا المستوى- سوف يتجهون إلى استيراد القمح، ومن هنا سوف تنخفض الأسعار لأنه سوف يزداد عرض القمح على المطلوب، لكن في الوقت الراهن السوق التي تحدد السعر وعندنا 8 شركات أو وكالات مستورة للقمح أي أنه ليس هناك احتكار، الاحتكار هو أن يكون هناك شركة واحدة تستورد القمح وتحدد سعره.. فكيف يمكن أن يكون هناك سعر احتكاري في ظل وجود هذه الشركات، وكيف يمكن أن يكون السعر مبالغ فيه وإذا تضاعف سعره في السوق العالمية خلال سنة، وتضاعف سعره في اليمن بنفس الطريقة وبالتالي أي قول غير هذا يخلو من المنطق.
استراتيجية غذائية
> وعن الدور الذي سيقوم به مجلس الغذاء الذي تشكل مؤخراً من الحكومة والقطاع الخاص لضبط الأسعار وإعادة الاستقرار إلى السوق.. يقول: الأمن الغذائي في اليمن مهدد، لأن أكثر من 70٪ من حاجة اليمن من الغذاء يأتي من الخارج، يعني نحن بلد مستورد صافي للغذاء، والحكومة اليمنية هي المعني الأول بوضع استراتيجية غذائية صحيحة.. لو تتبع أي أحد الاستراتيجية الغذائية في اليمن سيجد أنها ضعيفة.. خلال العشرين سنة الماضية، الأمن الغذائي في اليمن أصبح أكثر عرضة للتهديد واستيرادنا للغذاء من الخارج صار أكثر، وتنتج محاصيل خارجة عن إطار استراتيجية الأمن الغذائي لو أخذنا القات مثلاً، ينبغي على الدولة اليمنية أن تتبع استراتيجية لتحسين مقومات الأمن الغذائي في اليمن، وبالتالي إذا كان هناك من طرف ينبغي توجيه اللوم إليه فهو تلك الجهة المعنية بوضع استراتيجية غذائية وهي الحكومة اليمنية.
الأمن الغذائي تدخل في إطاره سيادة الدول، والدولة معنية بوضع استراتيجية للأمن الغذائي في اليمن، القطاع الخاص في أي مكان في العالم يعمل وفق آليات السوق وفق آليات أهمها الميزة النسبية والربحية وإذا ما اتيحت له فرصة للاستثمار في قطاعات تدريجية عالية بما فيها الأمن الغذائي فإن الاستثمارات سوف تتهرب من القطاعات التي تستثمر فيها إلى قطاعات الأمن الغذائي والدليل على ذلك إنتاج القات معدل الربح فيه 50 مرة مقارنة بالقمح، ولما كان المنتج الزراعي أو الفلاح يهتم بالعائد فبالتأكيد أنه سوف يتجه للسلعة التي تدر عليه عائد أكبر، ولو وضعت استراتيجيات لتغيير آليات هذه الربحية لعولجت المشكلة.
وبالتالي استراتيجية الأمن الغذائي والتنمية الزراعية هي مسئولية الحكومة بالدرجة الأولى.
ضريبة المبيعات
> واما عن دور الضريبة العامة على المبيعات، في هذا الارتفاع.. يقول الميتمي: لقد دار الجدل ليس بشأن قانون الضريبة ولكن حول آليات تطبيقها، وللقطاع الخاص وجهة نظر لأن هذه ضريبة على المستهلك بالدرجة الأولى، والقطاع الخاص يرى أنه كلما زاد العبء الضريبي على المستهلك اقتطع من قدرته الشرائىة على شراء السلع والخدمات، ولهذا فإن القطاع الخاص متضرر من العبء الضريبي على المستهلك ومن هذه الزاوية كان يدافع عن المستهلك لأنه خفض الضريبة على المستهلك يسمح له برفع قدرته الشرائىة.. ثانياً القانون أقر ووافق عليه مجلس النواب ولايمكن تعديله.
والنقاش كان يجرى حول آليات الضريبة بحيث يذهب العائد من ضريبة المبيعات إلى الخزينة العامة دون أن يتسرب إلى قنوات غير مشروعة، وهذا كان هم القطاع الخاص لأن ذهاب العائد الضريبي إلى الخزينة العامة سيجعل الدولة أكثر قدرة على تقديم الخدمات للناس أي المواطن- المستهلك.
ضبط السوق
> وحول وجود آلية للرقابة على السوق تختص بمحاسبة المسئولين عن السلع الفاسدة والمغشوشة والمقلدة، وكذا الذين يبيعون بأسعار فيها هامش مضاعف من الربح؟ في ظل عدم وجود نص تشريعي أو قانوني يجيز محاسبة هؤلاء يستشهد مدير عام الغرف التجارية والصناعية بعبارة شهيرة لأحد الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل، تقول »السوق يقظة بشأن الكفاءة لكنها عمياء بشأن العدالة«.. ويضيف: دور الدولة هنا هو إحداث توازن بين المصلحة الاقتصادية والمصلحة الاجتماعية، وهناك مؤسسات وآليات للرقابة على جودة السلع، الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس التابعة لوزارة الصناعة، المعني الأول بالحفاظ على دخول السلع المستوردة إلى اليمن وفق مقاييس الجودة العالمية أو إنتاج السلع المحلية وفقاً لمقاييس الجودة العالمية.. ضبط الجودة مسئولية الدولة، وليس مسئولية القطاع الخاص، وإلاَّ لما وجدت الدولة، ولماذا تأخذ ضرائب من الناس؟.
أما أسعار السلع والخدمات فهي مسئولية السوق مادام هناك سوق حرة وأُعتمدت في دستور الجمهورية اليمنية وفي كافة التشريعات والقوانين ولذا فإن التدخل في تحديد الأسعار يتعارض مع الدستور.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|