محمد علي عناش -
تعتبر مؤتمرات الحوارات الوطنية من أرقى وأفضل الأدوات السياسية لإدارة الأزمات وتسوية الاختلافات والنزاعات في أي مجتمع يعيش أوضاعاً مختلة ومضطربة ويعاني من مشاكل عميقة، والهدف من إقامة هذه المؤتمرات هو وصول جميع أطراف الحوار الى صيغة مشتركة لمعالجة هذه المشاكل وتسوية هذه الأوضاع المضطربة وتجاوز مخاطرها ومخاطر الحلول الأخرى القائمة على العنف والصراعات والانقلابات.
من هنا فاشتراك جميع أطياف ومكونات المجتمع وجميع قواه الفاعلة يعتبر من الأسس الجوهرية والمبادئ الرئيسية لإقامة أي مؤتمر حوار وطني، كما أن نجاحه مرهون بحسن النوايا وبارتكازه على المعيارية الأخلاقية المتمثلة في تحقيق المصلحة العليا للوطن والشعب وبأمن واستقرار وتقدم المجتمع. من المؤكد أن الحوار الوطني بالنسبة لليمنيين في الوقت الراهن هو سفينة النجاة لعبورهم إلى شاطئ الأمان ونحو المستقبل المنشود، كما أنه يعتبر خيارهم الوحيد لتجاوز هذه الأزمة والمنعطف الخطير، وبدونه سوف تطغى الحلول الاخرى القائمة على العنف والدمار- كما هو حاصل في سوريا- لا قدر الله. الشعب اليمني يتطلع الى نجاح مؤتمر الحوار الوطني وإلى أن يكون 18 مارس 2013م محطة استثنائية فارقة في تاريخهم يحمل دلالات التسامح والحكمة وإرادة التغيير والتحولات الشاملة، لا دلالات المآسي والأحقاد والمتاجرة بدماء وأرواح الشباب من شهداء ساحة التغيير. وبقدر ما يتفاءل شعبنا اليمني الصابر والمجاهد، بقدر ما ينتابه القلق والخوف من فشل مؤتمر الحوار الوطني خاصة وأن هذا المؤتمر ينعقد في ظل ظروف بالغة السوء والتعقيد على جميع المستويات وعلى امتداد الخارطة اليمنية بكاملها، وفي ظل استمرار الانتهاكات والاستفزازات التي ترتكبها مليشيات الاصلاح ومعسكرات الفرقة وعدم التزامها بتنفيذ ما تبقى من بنود المبادرة الخليجية وآليتها، وفي ظل حكومة وفاق لم تقدم أي شيء ولم تأت بشيء جديد وإنما بما هو أسوأ فساداً وفشلاً وعجزاً وعدم احترام للنظام والقانون واللوائح والتشريعات، حكومة هي أعجز عن أن تضبط بعض قطاع الطرق وبعض مفجري أبراج الكهرباء وأنابيب النفط، فما بالك أن تدير وترعى مؤتمراً لحوار وطني شامل.. المؤشرات الميدانية تؤكد أن هناك قوى حزبية وقبلية وعسكرية تنتمي لحزب الاصلاح تسعى سعياً حثيثاً الى عرقلة مؤتمر الحوار الوطني من خلال ما تقوم به من تصعيد إعلامي ومن ندوات تحرض على الطائفية والمناطقية وتبث ثقافة الكراهية والأحقاد، وكأن هذه القوى متجهة الى فتح جبهات صراعية هنا وهناك، لا الى مؤتمر حوار وطني، لأنهم لا يريدون حلولاً ومعالجات لمشاكل وقضايا الوطن، ولا يريدون للشعب أن ينعم بالأمن والاستقرار، وإنما يريدون أن تحقق لهم كافة أدوات التمكين والاستحواذ على الحكم والسلطة والثروة. فالذين قرعوا طبول الحرب في صيف 94م وأعادوا قرعها ست مرات في حروب عبثية في صعدة، وفي كل هذه الحروب كانت هذه القوى حاضرة بقواها وفتاواها وإعلامها المضلل والمزيف والغارق في أتون ثقافة الكراهية والعنف وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب اليمني الموحد.. ها هم يقرعونها من جديد عبر مؤتمراتهم وصحفهم وقنواتهم وبنفس الأدوات والطريقة، مضافاً إليها هذه المرة خطاباً ثورياً أجوف ومليئاً بالمتناقضات، يصنع من تجار الحروب والسلاح والدين ومن القوى الفاسدة والانتهازية رجال مرحلة وقادة مستقبل، لتبقى الاشكالية اليمنية التاريخية حاضرة في واقعنا بفصولها وأدواتها وأسبابها، وتستمر الذهنية اليمنية في التفاعل والنشاط خارج وعي الدولة والمؤسسة والعقد الاجتماعي وبعيداً عن منظومة الحقوق والحريات ودائرة التفكير والوعي التنموي.. بمعنى أن هذه الذهنية في معظمها مازالت تنشط وتتفاعل في إطار عصبوي وصراعي قائم على وعي الحيلة والغلبة والسيطرة والعنف بأشكاله ومرجعياته المتعددة.. طوال عامي الأزمة طغت ذهنية وعي الحيلة والغلبة والعنف على ذهنية التغيير السلمي ووعي المؤسسة والدولة، فشهدنا الفوضى والخراب والتقطعات والاغتيالات وشهدنا المواجهات العسكرية والقبلية والعقائدية، وارتفعت حدة جغرافية التفكير والانتماء، وشهدنا التحالفات وحشد الطاقات القائمة على وعي المنفعة والإقصاء والمصالح المشتركة الضيقة، رغم ما تحمله هذه التحالفات في بنيتها الثقافية والسياسية من تناقضات حادة. مؤتمر الحوار الوطني هو في حقيقته حشد للطاقات النوعية، من أجل إعادة الذهنية للتفكير في مجال وعي المؤسسة والدولة والتنمية للإنسان اليمني ومحيطه المادي والاجتماعي، ولتفادي النتائج الكارثية التي سوف تحدثها الذهنية التي تنشط في دائرة وعي العصبية والحيلة والإقصاء والعنف. من هنا فهذه القوى تشعر بالخوف والتوجس من نتائج مؤتمر الحوار الوطني وما ستفضي اليه من مخرجات وقرارات قد لا تلبي طموحاتهم وأجندتهم الحزبية والشخصية، دل على ذلك تصرفات هذه القوى ومواقفها وتصريحاتها التي لا تتوافق مع الاهداف والغايات الوطنية لمؤتمر الحوار الوطني، وإنما مع أهدافها في التأثير على مخرجات المؤتمر أو إفشاله بطرقٍ التوائية وكيدية. هذا ما أكده اللواء علي محسن الاحمر في لقائه الصحفي مع صحيفة «الشرق الأوسط» والذي وجه فيه رسائل استباقية قبيل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الى مختلف الاطراف في الداخل والخارج، وهي رسائل ذات خلفية ابتزازية واشتراطية وتهديدية متعلقة باستكمال هيكلة الجيش والامن والحوثيين والحراك الجنوبي وشكل الدولة ونظام الحكم.. والهدف منها هو الضغط على الرئيس هادي لكي يحسب حساب هذه المسائل بما يتوافق مع توجهات هذه القوى والمحافظة على نفوذه العسكري والاجتماعي والدور الذي سيلعبه في المرحلة القادمة، لأن الاوضاع التي تمر بها البلاد لا تستلزم ذلك وتفترض بقاءه لمواجهة التحديات والمخاطر التي حددها في ايران والقاعدة. وبقدر ما تحمله هذه التصريحات والتهديدات المبطنة من رفض مسبق لأي قرارات قد يتخذها الرئيس هادي لاستكمال هيكلة الجيش وتقلص من نفوذه العسكري، بقدر ما تحمل من تقرب للولايات المتحدة بأن يكون رجلها في المرحلة القادمة لمواجهة أعدائها في اليمن. ولا يقتصر الامر على علي محسن في وضع المطبات أمام مؤتمر الحوار الوطني، فمواقف الكثير من قيادات الاصلاح وقواه القبلية والدينية والسياسية من الحوار بدأت تتجلى وتتضح، فمن رفض الشيخ حميد المشاركة وغياب البعض الى استقالة اليدومي، الى تصريحات الزنداني، الى التصعيدالاعلامي، والمبررات واهية، الا أنها تصب في نفس الهدف والغاية، إنها عقلية الوصاية وذهنية الحيلة والتربص التي تريد أن تسيطر على مؤتمر الحوار وتؤثر على مخرجاته، وعندما اصطدمت بالآليات والضوابط والمعايير تملَّكها التوجس والخوف مما سيفضي اليه مؤتمر الحوار من قرارات ومخرجات وطنية وفي مقدمتها المتعلقة ببناء دولة المؤسسات والنظام والقانون وشكل نظام الحكم وهيكلة الجيش، لذا جاءت مواقفها تعبيراً عن توجسها من أن مصالحها ومواقعها ومراكز نفوذها سوف تتزحزح لصالح الوطن والشعب والنظام والقانون.