علي حسن الشاطر -
من البدهي القول بأن النجاح الذي تحقق في المرحلة الأولى من الفترة الانتقالية التي حددتها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنَة لحل الأزمة في اليمن قد شكّل حافزاً كبيراً أمام اليمنيين لاقتحام دروب المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية بالتئام كل فرقاء العملية السياسية والفكرية والاجتماعية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي يعلّق عليه كل أبناء اليمن الآمال العريضة والطموحات الكبيرة لإخراج وطنهم من الوضع المتردي الذي آل إليه بسبب الأزمة والوصول به إلى بر الأمان، ليعيشوا حياة آمنة ومستقرة تسودها العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية، وتُصان فيها الحقوق والحريات، وتُحقن الدماء والأرواح.
مؤتمر الحوار بالنسبة لليمنيين لا يُشكّل نهاية المطاف ولكنه محطة تاريخية واستراتيجية هامة لخلق الوئام والوفاق والاتفاق على منظومة الدولة المدنية الحديثة المرتكزة على مبادئ ومعايير الحكم الرشيد والمواطنة المتساوية، وسيادة الدستور والقانون وبناء اليمن الجديد، وتحقيق مبدأ الشراكة الوطنية الحقيقية.
بعد التئام مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي يمثّل البداية الحقيقية والمنطقية لإنجاز كل متطلبات واستحقاقات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي المؤيدة والداعمة لعملية التسوية السياسية في اليمن يبرز سؤال مُلح: ماذا بقي لدى الدول المانحة من شروط حتى تفي بالتزاماتها التي أعلنتها في مؤتمر المانحين المنعقد في الرياض يوم الرابع من شهر سبتمبر من العام الماضي، وأكدها اجتماع أصدقاء اليمن المنعقد في السابع والعشرين من نفس الشهر في نيويورك بحضور رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي؟ باعتبار أن دعم اليمن اقتصادياً يعزز استقراره سياسياً واجتماعياً وأمنياً خاصة وأن الجانب اليمني أكد حرصه والتزامه بشفافية المعلومات وأُنشئ الجهاز الفني الموكل إليه متابعة عملية استيعاب المنح والمساعدات والقروض وتخصيصها والإشراف على سير تنفيذ المشاريع التي سيتم تمويلها من المانحين بهدف دعم جهود بلادنا في مضمار التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبما يساعد على تأمين فرص عمل ووظائف للشباب العاطل عن العمل والاستفادة من قدراتهم واستغلالها في عملية النهوض بوطنهم، والتخفيف من البطالة والفقر اللذين يعتبران من أكبر المشاكل التي تواجه اليمن وبالذات في الوقت الراهن.
لاشك أن هناك من الأسباب والعوامل الداخلية ما جعل بعض الدول المانحة تحجم أو تتأخر عن الإيفاء بتعهداتها المالية لليمن، ومن أهم العوامل عدم اقتناع المانحين بقدرة الحكومة على استيعاب تلك الأموال وتخصيصها، وتباطؤها في تقديم الدراسات لبعض المشاريع المطلوب تمويلها، إلى جانب استمرار تردي الحالة الأمنية واستمرار بعض المُناكفات والمُكايدات السياسية والحزبية، ومحاولة بعض القوى النافذة - حزبياً وقبلياً وعسكرياً - عرقلة جهود التسوية السياسية؛ من خلال عدم الالتزام بالقوانين والأنظمة والقرارات الصادرة من القيادة السياسية، وتشجيع أعمال الفوضى والتخريب والتدمير للبنى التحتية، ولمشاريع الخدمات الأساسية كالكهرباء والنفط والغاز، والتقطعات المتكررة في الطرق العامة التي تربط المحافظات والمُدن بعضها ببعض، ناهيك عن أعمال الاغتيالات والاعتداءات المتكررة في شوارع العاصمة صنعاء وغيرها من المُدن.
صحيح أن اليمنيين مسؤولون مسؤولية مباشرة عن استرداد عافية وطنهم والنهوض به، واستغلال موارده وطاقاته المتاحة بما يُسهم في تأمين الاحتياجات الضرورية والمُلحة في الجانب الخدمي والتنموي؛ لكنهم بحاجة إلى مساعدة الأشقاء والأصدقاء في الأخذ بأيديهم حتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم وينهضوا بوطنهم ويهيئوا الأجواء الآمنة والبيئة المناسبة لاستقطاب الاستثمارات الوطنية والعربية والدولية التي من شأنها إحداث نهضة تنموية حقيقية.
ان الشعب اليمني يقدّر كل التقدير للأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي استعدادهم وجاهزيتهم للوفاء بتعهداتهم لتمويل المشاريع الخدمية والتنموية المقرة، اسوة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة التي كانت السباقة في الوفاء بما تعهدت به من عون لليمن، وفي دعمها السخي سواء في هذه المرحلة أو ما سبقها، لكنه ينتظر الوفاء من بقية الدول العربية والدول الصديقة والمنظمات الدولية المانحة وفي المقدمة البنك الدولي وتفهمهم لحاجة اليمن إلى التعجيل بتدفّق تعهداتهم لتمويل المشاريع والتي من شأنها مساعدة اليمن في تحريك عجلة التنمية الكفيلة بكبح جماح التطرف والإرهاب الذي يستغل بيئة الفقر والحاجة والبطالة للتغرير بالشباب العاطل عن العمل واستقطابهم والزج بهم في أعمال إرهابية تدمّر وطنهم ومقدراته وتزهق أرواح الأبرياء من الناس بما فيها أرواح تلك العناصر المغرر بها، وزعزعة الأمن والاستقرار سواء في اليمن أو المنطقة.
إن اليمن تعيش وضعاً استثنائياً غير مسبوق بسبب الأزمة السياسية وما صاحبها من احتجاجات وأعمال فوضى وتخريب وتدمير وصراع، وما خلّفته من تداعيات كارثية وسلبية تتطلب من بقية الأشقاء والأصدقاء والمنظمات والصناديق العربية والدولية الاسراع بتقديم الدعم والمساندة الاقتصادية لليمن، لأنه إذا لم يتم الإيفاء بتعهداتها في هذه الظروف الحرجة فمتى سيتم تقديم الدعم؟ لأن أي دعم يُقدم لليمن في هذه الظروف من شأنه أن يلمس اليمنيون التغيير الذي ينشدونه، ويُمكّن الدولة من القيام بواجباتها ومسؤولياتها الدستورية والقانونية، تجاه أبناء الشعب الذين يريدون أن يلمسوا نتائج الدعم العربي والدولي في واقع حياتهم، ويتطلعون إلى وجود دولة قوية بمؤسساتها الدستورية تبسط نفوذها ووجودها في كل مناطق البلاد.. وتعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار وسيادة النظام والقانون، وتُطبّق مبادئ العدالة والمساواة بين جميع المواطنين الذين يجب أن يكونوا جميعاً أمام القانون متساوين في الحقوق والواجبات، لا فرق بين شيخ ومزارع، ولا بين وزير وموظف، ولا بين غني وفقير، وهذا ما ينشده كل اليمنيين بما فيهم الذين يقودون البلاد ويتربعون على كراسي السلطة.