عبدالرحمن مراد -
< تحدث البعض عن معجزة إصدار قرارات هيكلة الجيش خاصة على صفحات التواصل الاجتماعي وكأن الخلود هو الثابت وما سواه هو المتغير والمتحول، ولم يدرك أولئك النفر من الناس سنن الله في كونه أو أنهم تناسوا ذلك في لحظة شجن أو لحظة فرح غامرة ما تغير من الوجوه والاسماء في المشهد السياسي أو المشهد العسكري أو أي مشهد كان لابد أن يتغير، إذ لا ثابت إلا الله في ملكوته ومَنْ سواه هالك، وإنما هي أدوار يقوم بها الأفراد في مسرح الحياة قد يحالفهم الصواب فيكون خلودهم (بقدر عطائهم وحرصهم على خدمة الناس)، في الوجدان وفي الذاكرة، وقد لا يحالفهم الحظ فتكون عاقبتهم هي البوار والخزي والويل والثبور، فالقضية لا تتجاوز البعد الأخلاقي والقيمي والرؤية وسلامة النية، والتاريخ سوف يتحدث عن كل أحد فإما أن يكون جزاؤه الشكر والامتنان وإما اللعنات والدعاء بعظائم المهلكات وبذات الآلية التي حدثت مع الأمم السابقة.. تلك هي سنن الله ولن تجد لنسة الله تبديلاً.. غادر اللواء علي محسن الفرقة أولى مدرع بعد أن عاش ردحاً من الزمن في ذلك المكان وبعد أن استخدم ظل الله في أرضه في الاعتداء والنهب والبسط والتحريض وأصبح يملك الأسواق والمباني والثروات الطائلة، فهل سيغني عنه كل ذلك من الله شيئاً؟ وهل سيضمن له ذلك خلوداً أبدياً؟ «قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المجرمين» في كل زمان، وكل مكان العاقبة هي الفناء.. ومثل هذه الصيرورة لن تكون خاصة بالجنرال علي محسن ولكنها قد تنال كل أحد ممن هم على شاكلته أو ممن هم دونه أو ممن هم أعلى رتبةً وصيتاً، وقد نالت من كان قبله وسوف تنال من يأتي بعده، وكذلك هي سنة الله حتى يوم الدين، والقيمة في العظة والاعتبار، ومن كانت ذمته واسعة حسابنا وإياه يوم الدين يوم لا تنفع وساطة ولا وجاهة ولا مال ولا حسب ولا نسب ولا سلطة ونفوذ، ولا أي شيء من أدوات الدنيا.. المحكمة عادلة والشهود منك عليك وربك عدل، ما يحب ظلم أحد مثلما نحب نحن حين نتمادى في الغي.. نَعْمَهُ عن حقائق الله ونواهيه وموجباته ونستمر في طغياننا دون بصر ولا بصيرة.. لذلك أقول لأولئك الذين ابتهجوا وتظاهروا وفرحوا ببقاء اللواء علي محسن في السلطة ولو بمنصب مستشار: إن الله لا يحب الفرحين الذين يتلذذون بمصائر غيرهم، وكان من الأجدى بهم أن يسألوا الله حُسن الخاتمة، فالعبرة بالخواتم وما أدراهم حين يصلوا إلى ما وصل إليه اللواء علي محسن من السلطة والنفوذ أن يصبحوا أكثر منه طغياناً وجبروتاً وأكثر نهباً وتسلطاً وأكثر الناس اشتغالاً على آلات الموت والدمار، فالإنسان هو الإنسان، وكل إنسان بداخله الشيطان الذي يحاول أن يجرهُ إلى المهالك.. ولا أبرئُ نفسي إن النفس لأمَّارةُ بالسوء. وأظن أننا قد لمسنا كم من دعوات الرحمة تمطر قبور الناس الطيبين كإبراهيم الحمدي، وكم دعوات مظلومة تخترق أسوار السماوات العلى في سود الليالي.. ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب «يعني توصل بسرعة».. والتقي من اتعظ. وبالعودة إلى معجزة قرارات الهيكلة- كما يرى البعض- أقول إن اللواء علي محسن والعميد أحمد علي هما في الأول والأخير موظفان مع الدولة ويخضعان لقوانين وأنظمة الدولة.. وإقالتهما وبقاؤهما لا يعني بأي شكل من الاشكال ظاهرة استثنائية في الكون. كما أن الرئىس- وحسب الصحف طبعاً- قد وافق على صفقة في مقابل الرحيل، فاللواء معه 25 مليوناً شهرياً، واحمد 10 ملايين شهرياً وحراسة واعتمادات، وفي المقابل تحدثت الصحف عن ظاهرة زيادة الأرصدة عن أدعياء الثورة إذ طالعتنا «الأولى» بالوثائق عن مبالغ مهولة تم صرفها من الخزينة العامة للدولة ناهيك عن الاعتمادات والمعونات القطرية التي كانت تمطر الاخوان واللواء علي محسن وتوكل، وهذه الأيام قد دخل صخر الوجيه الذي كنا نظن فيه ظناً حسناً، والحقيقة الإنسان يظل إنساناً، والطمع صفة لازمة فيه، بيد أن مشكلة صخر معنا أنه إمتهن الكذب وخرج في وسائل الإعلام يكذب ما تنشره الصحف ثم جاءت «الأولى» بالأرقام والوثائق لتكشف كذبه وزيفه، ولله عاقبة الأمور، فالذين تحدثوا عن ثورة، أضمروا في أنفسهم الثروة وقد حصلت وتمت من الداخل والخارج، والذين وقعوا فريسة التضليل والزيف من البؤساء والعاطلين كان نصيبهم الموت، ومن بقي منهم ينتظره أمام مجلس الوزراء.. والحقيقة التي كشفت عن ساقيها أمام صرحنا الممرد «السلطة» تقول إن الذين كانوا أطهر، وما هو كائن أبشع وأمرّ، والفائدة كلها في الصلاة على النبي.. أما نحن- عموم الجماهير- قد عيدنا العافية من الطرفين، والحمد لله رب العالمين الذي لا يُحمد على مكروه سواه.. أما الهيكلة فهي تفضي إلى هيكلة.. وربنا المخارج.