محمد أنعم -
يقال إن الفنان اليمني الكبير أبوبكر سالم بلفقيه عندما غنى أغنيته الشهيرة «يا حامل الأثقال خففها شوي» كانت موجهة بشكل مباشر لنقد مسؤول كبير في الشطر الجنوبي من الوطن في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كان يتقلد عدة مناصب منها رئيس لمجلس الشعب، ووزير للدفاع وأمين عام للحزب الاشتراكي اليمني ورئيس لاتحاد نساء اليمن واتحاد الفلاحين ورئيس اللجان الشعبية وأشيد وغيرها.
وكانت هذه الأغنية إعلان رفض واضح لتكريس العديد من السلطات والمسؤوليات في شخص واحد، وهذا يعتبر نقداً بنّاء ومسؤولاً، لكن يقال إن ذلك المسؤول منع بث تلك الأغنية.. واعتقد أن بإمكانه تحمل أثقال المسؤوليات كلها وتجاوز «النجود.. والسهول والجبال..»
ولم تمض بضع سنوات حتى تفجرت الأوضاع في المحافظات الجنوبية وتحولت عدن الى بحيرة ممتلئة بدماء الأبرياء.
اليوم المؤتمر الشعبي العام بحاجة الى أن يتوقف أمام مدلول هذه الأغنية كثيراً.. إن كانت الرواية صحيحة.. ويدرك أن الرحلة صعبة وحمل الأثقال في هذه المرحلة المليئة بالحفر والمطبات والألغام والأشباح مهمة شاقة.. لذا لابد أن تخفف الأحمال على البعض وإن كانوا أهلاً لذلك.. حتى نضمن أن المؤتمر سيؤدي واجبه الوطني والتنظيمي كحزب معاصر يصنع القيادات الميدانية والسياسية الفذة، ويعد قادة المستقبل ايضاً للتنظيم وللدولة كذلك.. لأن الاعتماد على أشخاص هم أنفسهم يخوضون معارك الحوار في مؤتمر الحوار، وفي الحكومة وفي البرلمان وفي.. وفي.. الخ، أمر يثير القلق والخوف على المؤتمر الشعبي العام الذي يجب أن يعلن حالة استنفار استعداداً لخوض الانتخابات التي توشك أن تقرع أبوابنا..
وما يحز في النفس أن معظم رؤساء فروع المؤتمر في المحافظات يشاركون في مؤتمر الحوار الوطني الذي سيستمر ستة أشهر، هذا في الوقت الذي لم يتبقَ لانتخابات 2014م إلا عشرة أشهر تقريباً، وهذا يعني أن الساحة ستكون خالية للآخرين والذين يستعدون ميدانياً لخوض الانتخابات القادمة بوتيرة عالية، سواء من خلال تغيير مديري المديريات أو القيادات الأمنية أو بتجنيد الشباب وإقصاء أعضاء المؤتمر، هذا علاوةً على استغلال المال العام والإعلام الرسمي ومنابر المساجد لمواصلة التحريض ضد المؤتمر.
اليوم مازال بإمكان المؤتمر أن يثبت أنه الأقوى ولابد أن يبرهن على ذلك للداخل والخارج في انتخابات 2014م ويؤكد أن شعبيته حاضرة بقوة في الميدان، وهذا هو رهانه الوحيد.. ولإسقاط المزاعم التي ظل أصحابها يتقولون إن فوزه في الانتخابات السابقة كانت بسبب سوء استغلاله للمال والإعلام والجيش والأمن.. وهذا يتطلب من المؤتمر إعادة النظر في أدائه ميدانياً وألا يظل يتحرك في إطار العاصمة أو يكرس جهده لصفحات الفيسبوك، في الوقت الذي تعيش اليمن بدون كهرباء واليمنيون لا يملكون الانترنت.. وهذا يعني أن رسالته لابد أن تصل عبر عدة أساليب.
صراحةً انني قلق من الانتخابات القادمة إذا ظل نشاط المؤتمر محصوراً في العاصمة خصوصاً وأن مسؤولي لجنة الانتخابات في أغلب المحافظات أصبحوا من حزب واحد.
ولعل الأسوأ من هذا أن المؤتمر الشعبي العام حتى الآن لم يحدد مواقفه الوطنية بشجاعة ووضوح من القضايا المطروحة أمام مؤتمر الحوار وخصوصاً المتعلقة بالقضية الجنوبية ومشكلة صعدة، ونظام الحكم والدستور وغيرها، وهذا التردد قد جعل المؤتمريين يشعرون بخيبة أمل وتساورهم الشكوك بأنه يتم دفعهم الى الصفوف الخلفية وسحب البساط من أيديهم وترك الآخرين -باسم استكمال مهام الثورة- يتقدمون الى الأمام حاملين شعارات براقة لمغالطة الجماهير بأنهم قوى التغيير وبُناة المستقبل ومحاربو الفساد والمدافعون عن آمال وتطلعات الشعب.. والخ.
أقول: إن جماهير الشعب خرجت الى الميادين والساحات تتحدى الرصاص والموت دفاعاً عن المؤتمر والشرعية الدستورية والقيم والمبادئ التي حملتها قياداته وجسدتها قولاً وعملاً في ظروف تختلف تماماً عن واقعنا الذي نعيشه.
وإذا لم يدرك المؤتمر حقيقة هذه التحديات واستمر يقف متفرجاً إزاء مشكلة تزايد رقعة الفقر الذي ينهك الشعب اليمني، ولا يحرك ساكناً أمام النهب المنظم للمال العام.. ولا تُستنفر قياداته أمام مسلسل اغتيال أعضائه وأنصاره.. وإذا واصل اللامبالاة عن جرائم إقصاء إعضائه من الوظيفة العامة وتسريح الجيش والأمن.. وإذا لم يتبنَّ المؤتمر الدولة المدنية والحكم الرشيد ودولة النظام والقانون ويطرح مشروعاً يجسد المواطنة المتساوية.. إذاً فعماذا يدافع المؤتمر الشعبي العام، وما هي القضية التي تجعل أعضاءه وأنصاره وجماهير الناخبين يدلون بأصواتهم لمرشحيه في الانتخابات القادمة..؟
مركزية تقتل الفروع
إن المؤتمر الشعبي العام، مطالب بأن يواكب التغيير ويتخلص من المركزية التي أوصلت البلاد الى هذه الأزمة، ولا يجب أن يسمح للمركزية أن تشل حركة التنظيم في الفروع ودوائر الأمانة العامة.. ولابد أن يستشعر الجميع حجم المسؤولية وألا يسمحوا باجتثاث المؤتمر عبر إسقاطه في الانتخابات بعد أن فشلوا بقوة السلاح وأعمال الفوضى.
ونقول للمزايدين: إن من يؤمن بالمؤتمر الشعبي العام ويدافع عنه لا يمكن في يوم من الأيام أن يفرط بقيادته، لكن التفريط بالمؤتمر الشعبي العام في هذه المرحلة وترك فروعه مغلقة وقياداته مفرغة لأعمال أخرى يعني أن ثمة مخططاً يستهدف قيادات المؤتمر أولاً..
أعتقد أن تخفيف الأعباء وإشراك كل أعضاء المؤتمر في تحمل مسؤولية التنظيم ضرورة ملحة في هذه المرحلة المهمة.