عبدالفتاح علي البنوس -
< الحديث عن الثورة كفعل ثوري يتطلب أن تتوافر فيه الأسباب والمقدمات والوقائع والأحداث والنتائج أو النهاية الحتمية والتي دائماً تكون الانتصار، لا يمكن أن نسقطها على ما حصل في بلادنا رغم تشدق البعض وتمترسهم خلف مسمى الثورة واستغلالهم صفة الثوار من أجل التكسب الرخيص وتحقيق الاهداف الشيطانية، فما نشاهده اليوم من إصرار لدى بعض القوى السياسية على تحويل اليمن الى فيد أو غنيمة بحجة ثوريتهم المزعومة تحت شماعة الثورة والثوار يأتي في إطار مخطط شيطاني شرير الهدف منه الوصول الى السلطة والاستحواذ عليها واستغلال كافة خيرات ومقدرات البلاد.
< لقد قلنا منذ الوهلة الأولى بأن ما حصل في بلادنا عبارة عن أزمة سياسية جاءت نتيجة تأثرها بالأحداث التي شهدتها بعض الدول العربية فيما عُرف باسم الربيع العربي والذي لم تجنِ منه شعوب هذه الدول سوى الخراب والدمار والفوضى، وكنا نطالب بالعمل على استيعاب مطالب الشباب الحقوقية والوظيفية وغيرها من المطالب ولمسنا استجابة ولو متأخرة لهذه المطالب واستعداداً لإجراء إصلاحات شاملة تلبي سقف المطالب الشعبية، ولكن ظهر جلياً أن الغاية أكبر من مطالب حقوقية، فهناك مخطط لإثارة الفوضى تحت مسمى التغيير وإسقاط النظام وما هي الا ايام قلائل حتى تسابق الفاسدون ولصوص الثروات وأعداء النظام والقانون ومعهم كل من تضررت مصالحهم جراء بعض الاصلاحات التي قامت بها الحكومات السابقة- إلى إعلان الانشقاق عن النظام والانضمام.
حيث مثل انضمام هؤلاء منعطفاً خطيراً ألقى بظلاله السلبية على العملية السياسية وظهر التباين في مواقف الشباب في الساحات والميادين المؤيدة للنظام والمطالبة بإسقاطه، فهناك من اعتبر انضمام هؤلاء بمثابة مؤامرة على مطالب الشباب وأنها محاولة للقوى المشبعة بالفساد والإفساد التي عاثت وعبثت في البلاد طيلة الفترة السابقة السطو على الساحات وذلك من أجل ضمان الحفاظ على مصالحهم وتمكينهم من الحصول على المزيد من الامتيازات وهو ما حصل لاحقاً وتحول الشباب الى مطية لهذه القوى استخدمتها من أجل الوصول الى السلطة وبسط نفوذها على الوطن.
مرت الأيام وتعاقبت الأحداث وجاءت المبادرة الخليجية التي توافقت عليها الأطراف السياسية لتضع نهاية لما كان يُسمى بالثورة الشبابية حيث احتكم لها النظام السابق وقوى المعارضة وعلى إثرها تم تشكيل حكومة الوفاق بالمناصفة وأعقبها إجراء الانتخابات الرئاسية.. وكان من المنطقي هنا التعامل بمصداقية وشفافية فيما يتعلق بالعمل الثوري، انطلاقاً من كون المبادرة اسقطت هذا المسمى، ولكن المواقف المتخاذلة لبعض القوى المحلية وتدخلات بعض الدول جعل من الثورة الشبابية السلمية المزعومة هي صاحبة الفضل في كل ما حصل في البلاد ومنحت المناصرين لها الحق في إقصاء واستعباد واستبعاد كل من وقفوا إلى جانب الشرعية الدستورية رغم أكثريتهم ورغم أنهم قدموا التنازلات والتضحيات ووافقوا على المبادرة من أجل طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة.
وها نحن اليوم نشهد حالة غير معقولة لاستغلال مسمى الثورة والثوار من أجل خدمة حزب الاصلاح والقوى القبلية والعسكرية المتحالفة معه، حيث ينسب هؤلاء كل المتغيرات التي شهدها الوطن لأنفسهم ويصرون على ادّعاء تمثيلهم للثورة والثوار، متجاهلين أولئك الذين رفضوا المبادرة الخليجية وكانوا من أوائل من خرجوا للساحات للمطالبة بإسقاط النظام، حيث من المفترض أن يطالب هؤلاء بتمثيل الثورة لأنهم لم يقبلوا بالمبادرة والتسوية السياسية، وإذا ما سلَّمنا بما حصل بأنها ثورة فإن هؤلاء هم الثوار الحقيقيون لأنهم حتى اللحظة على نفس المسار، أما من تقاسم السلطة وصار العنصر المؤثر فيها فلم يعد يمتلك الحق في الحديث عن الثورة والثوار، فلا يُعقل أن يكون له قدم في السلطة وأخرى خارجها، وبمجرد أن قبل بالتسوية السياسية فإن حق تمثيل الثورة ينتقل لشركائهم في الثورة الرافضين للتسوية، لا أن يوجهوا لهم النقد ويشنوا عليهم الدعايات المغرضة ويمارسوا في حقهم أقذع صور الإقصاء والاستبعاد والتنكر.
اليوم نسمع مطالب بعلاج الثوار، وتوفير الوظائف لهم، ومنح الامتيازات، ولا نعلم أي ثوار يقصدون؟!، لأن المبادرة وُقّعت بين طرفين لإنهاء أزمة ولا يُعقل أن يتم إلغاء طرف وتمكين الطرف الآخر، فالمبادرة قامت على أساس لا خاسر ولا منتصر ولا غالب ولا مغلوب، وللأسف تحولت الثورة المزعومة والشباب المغدور بهم الى أرقام مضافة لا قيمة لها، فالفائدة كانت للإصلاح وأولاد الأحمر وعلي محسن ودائماً تحت شماعة الثورة والثوار، لقد «أوجعوا» رؤوسنا بالحديث عن شباب الثورة وتضحياتهم وضرورة الوفاء لها وتقديرها ولم يعد هناك أي حديث عن شهداء القوات المسلحة والأمن الذين قُتل العديد منهم على أيدي مليشيات مسلحة من بينها عناصر تتلقى العلاج على نفقة الدولة باعتبارها من شباب الثورة، ولم نعد نسمع عن دعوات لرعاية أسر الشهداء من العسكريين وعلاج المصابين منهم وكأنّ هؤلاء كانوا يقاتلون مع دولة أخرى، ولا يوجد من يدافع عنهم ويتبنى قضيتهم، بعد أن تحولت حكومة الوفاق الى حكومة لأدعياء الثورة تُلبي كل مطالبهم وتحقق كل رغباتهم.
أعرف الكثير من المناضلين الذين كانت لهم اسهامات وأدوار بارزة في الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر ونوفمبر» ويعيشون في ظل أوضاع مزرية بلا وظائف وبدون أي اهتمام أو رعاية ومع ذلك يلزمون الصمت ولا يزايدون على الثورة، كما يفعل أدعياء الثورة والنضال اليوم..
إذاً لا داعي للمزايدة واستغلال الأزمة التي شهدها الوطن من أجل جني مكاسب سياسية وحزبية وشخصية رخيصة، ويجب أن يعي الجميع ذلك فلا مجال للتفضيل أو التمييز تحت شماعة الثورة، وصار من الضروري جداً التعامل من منطلق منظور وطني في إطار صفحة جديدة دونما حاجة للاستفزازات والتأزيم لأنها لا تخدم المرحلة الراهنة واستحقاقاتها القائمة... ونتمنى ألا يتم استرضاء بعض الأطراف السياسية وخطب ودهم على حساب المصالح الوطنية العليا.