عبدالرحمن مراد -
< يكثر الحديث هذه الأيام حول الفيدرالية باعتبارها الصيغة المثلى التي تناسب اليمن في قابله الحضاري، والحقيقة هناك نماذج متعددة في العالم وكلها طبعاً من إنتاج العقل البشري وكل فيدرالية راعت الظروف التي تحيط بالبلد في مستوياتها وأبعادها المتعددة، ولذلك كان مبدأ التباين والإختلاف بين بلد وآخر.
وأنا أستغرب لكل أولئك الباحثين في النماذج العالمية عن نموذج ويسطرون الابحاث والكلمات ويرصون العبارات والمصطلحات دون أن يجهدوا أنفسهم في التأمل ولو قليلاً في المساق التاريخي للدولة اليمنية وبنيتها الثقافية والاجتماعية، ومن خلال القراءة الواعية للنماذج العالمية والنموذج التأريخي والبنى الثقافية والطبيعية الاجتماعية لليمن يمكننا إنتاج نموذج نذهب نحن كيمنيين ببراءة اختراعه، فنحن نملك امتداداً تأريخياً ومقومات حضارية ولا نقل شأناً عن غيرنا، ومثلما ابتكر العالم من حولنا نماذجه وأشكاله وأنماطه نحن لدينا القدرة الكاملة أن نبتكر نظامنا ونحدد شكله ونمطه.
فالتأريخ القديم يتحدث عن أنماط معينة لشكل الدولة لا يختلف كثيراً عن النمط الفيدرالي، ونظن أن ابتكاره كان يمنياً محضاً إذ أنه لم تكن في ذلك الزمان نماذج عالمية كالتي نبحث عنها اليوم، وثمة نماذج في التأريخ الوسيط في عهد الدويلات المتعددة يمكن التأمل فيه والإضافة إليه وقراءة فكرته، ولا أكتم سراً إن قلت إن فكرة المخاليف تستهويني أكثر من فكرة الأقاليم وبحيث تقسم الجغرافيا الوطنية الى عدد من المخاليف وكل مخلاف الى عدد من القضوات وكل قضاء الى عدد من الوحدات الإدارية (مديريات) ويكون لكل مخلاف مجلس محلي يختص بالتشريع وإقرار الموازنة ومناقشة الخطط الإنمائية ويتمتع بسلطة رقابية قادرة على سحب الثقة من المجلس التنفيذي، واستجواب أي أحد من المجلس التنفيذي، ويكون للمخلاف أيضاً مجلس تنفيذي معني بتنفيذ الخطط الإنمائية وتقديم الخدمات للمواطن، وبدلاً عن مصلحة القبائل يكون هناك مجلس شورى يضم في عضويته كل الرموز الاجتماعية والاعتبارية ورؤساء التيارات السياسية وتحدد مهامه في تحقيق الاستقرار وإنهاء المظاهر غير الحضارية وحل الاشكالات التي تطرأ واقتراح المشاريع ومناقشة أوضاع المخلاف الأمنية والاقتصادية والقيام بدراسات الجدوى وعرضها على المجلس المحلي لإقرارها ضمن برنامجه الانمائي وإلزام المجلس التنفيذي بالتنفيذ، ويكون للمخلاف أيضاً مجلس الشؤون الدينية ويختص بالأوقاف وموارد الزكاة وتقتصر عضويته على خطباء المساجد وسدنتها وعلى أمناء تحصيل الزكاة ويختص بإدارة الشأن الديني والضمان الاجتماعي، وتنمية قدرات المجتمع من خلال دعم المشاريع الصغيرة وبما يساعد على القضاء على الفقر وتجويد تحصيل الزكاة وأموال الأوقاف وبشكل محدَّث ووفق رؤية ومنهجية أكثر تحقيقاً للنماء الاجتماعي وأكثر معالجة لظواهر الفقر والعوز في المجتمع وخاصة الريفي وبحيث يركز على الوعي الانتاجي عند أفراد المجتمع.
وبمثل ذلك نكون قد استطعنا تحقيق الشراكة الوطنية واستطعنا تنظيم البنية الثقافية والبنية الاجتماعية وبما يتوافق وغايات التنمية وأهدافها الإنسانية النبيلة.
فوجود الشيخ الاجتماعي في بنية الدولة والسلطة وبصورة تفاعلية يحد من ظواهر الاختطاف والتقطع ويساهم في تحقيق الأمن ويوفر بيئة آمنة للاستثمار، ووجود الشيخ الديني في السلطة وشعوره بالمسؤولية واحتكاكه بقضايا الناس والمجتمع وبقضايا الفقر والتنمية يجعله في محك التجربة والمسؤولية ويكون أكثر تفاعلاً مع البعد الحضاري والبعد الإنتاجي وأكثر بعداً من أفكار الهدم والدمار التي تجتاح المجتمع في الراهن الحديث، فالشيخ الديني لو ساهم في تحمل مسؤوليته الوطنية والاجتماعية من حيث الإسهام في البناء ومعالجة قضايا الناس المختلفة ومن حيث الاسهام والمشاركة لما تحول الى منتج لفكر التطرف والدمار، كما أن تكافؤ الفرص بين الكوادر العلمية والمؤهلة في المجلس المحلي والمجلس التنفيذي يخفف من حدة الصراع ويعمل على تنمية الفكر الإبداعي والابتكاري ويعمل على تحويل الأحزاب من دائرة المكايدات الحزبية والسياسية الى دائرة التنافس بلغة المشروع والابتكار وطالما حضر مثل ذلك الإحساس تحضر القيم الحضارية وتتغير اليمن ويتغير وجهها الحضاري، أما في ظل ما هو قائم فإن الواقع قد شل القيمة الابداعية والابتكارية للقوى السياسية وعزز من روح المكايدات والعداء مما أفضى الى إراقة الدم ولاتزال تتمحور في دائرة الثبات، فالأحزاب لا تستطيع أن تجدد وتحدث من رؤيتها إلا حين تشعر أن حركة المجتمع قد تجاوزتها.
هذه الرؤى والخواطر نضعها على طاولة المتحاورين فقد تكون بذرة لمشروع وطني كبير من خلال الإضافة والحذف والإثراء.. وحسبنا نحن أجر الاجتهاد، وشعورنا بالرضى والاسهام في قضايا الوطن.