< عبدالفتاح علي البنوس -
< نردد باستمرار نشيدنا الوطني الرائع.. «رددي أيتها الدنيا نشيدي..».. الذي أبدعه تأليفاً شاعر اليمن الكبير الراحل عبدالله عبدالوهاب نعمان.. وأبدعه لحناً وأداءً فنان اليمن الكبير أيوب طارش العبسي.. وسأقف اليوم عند عبارة مهمة في إطار هذا النشيد الذي تشرئب أعناقنا وتخفق قلوبنا عند سماعه، وهي: «لن ترى الدنيا على أرضي وصيا»، والتي تحمل في مضمونها النفي والتأكيد على أن اليمن ستظل محتفظة بسيادتها واستقلاليتها ولن تقبل بوصاية أو انتهاك سيادتها من أي طرف كان لأننا تربينا على العزة والشموخ والكبرياء والاستقلالية والحرية.
ولكن الحاصل اليوم يتنافى مع هذا التوجه الذي يُعد من الثوابت الوطنية حيث استغلت بعض القوى السياسية المحلية وبعض الأنظمة العربية والغربية الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد وما نجم عنها من تبعات وإفرازات عفنة، وذلك من أجل التدخل في شؤون اليمن وتنصيب نفسها وصية على اليمن واليمنيين، مستغلةً الأوضاع الاقتصادية الصعبة والحالة المعيشية المريرة والوضع الأمني غير المستقر، فها هي أمريكا تحولت الى وصية على بلادنا من خلال ممارستها غير المتزنة، فهي اليوم تشرف على هيكلة الجيش، وهي بطائراتها تقصف المناطق وتقتل أبناء اليمن تحت شماعة الحرب على الإرهاب، وسفيرها يتجاوز مهمته واختصاصاته الدبلوماسية.
وفي ذات السياق نسمع ونقرأ ونشاهد المواقف القطرية والتركية والايرانية وغيرها من الدول والهيئات الدولية التي جعلت من المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية أشبه بمسمار جحا، الذي يتيح لها التدخل في شؤون اليمن ورسم ملامحه الجديدة من خلال أجندة غير منطقية تصب في خدمة مصالحها أولاً ومن ثم مصالح الأطراف اليمنية المتحالفة معها والتي تدين لها بالولاء والطاعة أكثر من ولائها للوطن اليمني الحبيب.
أمريكا تهيكل الجيش، وفرنسا تصيغ الدستور، وتركيا تغدق علينا بمسدساتها الكاتمة للحياة ودعمها لمشروع أخونة الدولة اليمنية، وقطر تواصل استفزازاتها لليمن واليمنيين بالإصرار على دعم ومساندة قوى الفيد والنهب والإفساد واستخدام ورقة المساعدات لتمكين هذه القوى من السيطرة والاستحواذ على ثروات وخيرات ومقدرات البلاد والعباد..
لسنا ضد أن تدعمنا هذه الدول وتساهم في حل مشاكلنا وأزماتنا ولكننا لا نريد أن يكون ذلك على حساب كرامتنا وعزتنا وسيادة وطننا، ولا نريد أن يكون هذا الدعم وهذه المساعدات مقتصرة على التخريب والقتل والدمار والفرقة والانقسام وإذكاء الصراعات والمناكفات السياسية والطائفية والمذهبية، في الوقت الذي لا نلمس أي أثر للدعم في الجانب الاقتصادي والمعيشي والخدمي والتنموي.. من المؤسف أن تحجم الدول الشقيقة والصديقة عن دعم بلادنا في الجوانب السالفة الذكر، في الوقت الذي نسمع فيه عن دعم لأفراد وجماعات وهيئات ومنظمات محلية من قبل بعض الدول، رغم أنها لاتخدم الوطن ولا تعالج مشاكله وإنما تعود عليه بالضرر.
لسنا ضد أمريكا أو تركيا أو إيران أو قطر أو فرنسا أو الأمم المتحدة أو جامعة الدول العربية، فهذه الدول وغيرها تربطنا بها علاقات ثنائية جيدة، ومن مصلحتنا تقوية وتدعيم هذه العلاقات بما يعود بالنفع على اليمن واليمنيين، لا بما يعود بالنفع على الأحزاب والأفراد، ويجب أن يكون كافة أبناء اليمن ضد أية ممارسات تصدر عن أية دولة تلحق الضرر بالوطن أياً كان مصدرها على اعتبار أن الوطن خط أحمر لا يمكن السماح لأحد بتجاوزه.
لا نريد أن يكون الدعم المالي والاقتصادي لبلادنا مشروطاً بتسهيلات وامتيازات ومطالب تمس السيادة والاستقلالية الوطنية، فلا حاجة لنا لهذا الدعم على الاطلاق.. الوطن ليس سلعة يتسابق على الترويج لها وعرضها للبيع في المزاد من قبل النفعيين والاستغلاليين وأصحاب الضمائر الميتة من أجل الحصول على الـ«كٌمِّشَن» وتوثيق أواصر العمالة والارتهان للخارج..نحن ضد سياسة الكيل بمكيالين ونرفض أي تدخل سافر في الشؤون اليمنية بعيداً عن مضامين المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
فمن ينتقد الوصاية على اليمن يجب عليه أن لا يفرّق بين عدو وحليف أو داعم ومعادٍ، فمن غير المقبول مثلاً أن أدين التدخلات الايرانية في اليمن، وأدافع وأشرعن في الوقت ذاته للتدخلات التركية والقطرية والامريكية والعكس.. وصدقوني وبدون زعل إنني أشعر بالحسرة وأنا أشاهد علماء يمن الايمان والحكمة يلزمون الصمت أمام ماتقوم به طائرات أمريكا بدون طيار من قتل وإرهاب للمواطنين، في الوقت الذي يتسابق فيه هؤلاء على إصدار فتاوى يستبيحون بها دماء اخوانهم اليمنيين.
لا للوصاية، لا لانتهاك السيادة الوطنية.. ولتظل قلوبنا تخفق بحب اليمن وتعزف سيمفونية الولاء والإخلاص، مرددةً بعزيمة أمضى وإرادة لا تلين: «عشت إيماني وحبي أمميا.. ومسيري فوق دربي عربيا.. وسيبقى نبض قلبي يمنيا.. لن ترى الدنيا على أرضي وصيا».