د. طارق أحمد المنصوب -
اعتقد، أننا في مجتمعنا اليمني، لا ينقصنا «بعض»، أو «كل» مقومات بناء الدولة اليمنية الحديثة، ولا يعوزنا «كثير» أو «قليل» مما يمكن أن يؤسس لمشروع نهضوي وحضاري جديد وشامل. لأننا لا نفتقد في بلد «الإيمان» و»الإسلام» و «الحكمة»، و «الإرث والعمق التاريخي» كل الظروف اللازمة لإعادة بعث الحياة في «مشروع اليمن السعيد»، حلم كل الأجيال في الماضي والحاضر والمستقبل.
بقدر ما نحتاج إلى تغيير أسلوب أو نمط تفكيرنا وتعاملنا فيما بيننا ومع الآخرين «قليلاً» أو «كثيراً»، وإلى تبديل أسلوب حياتنا «بعض الشيء»، وإلى مراجعة والتراجع عن «كثير» من عاداتنا السيئة، وإلى التخلص من «كل» أفكارنا الهدامة والسلبية عن أنفسنا وعن الآخرين، ومحاربة كل أوهامنا وعقدنا.. نحتاج إلى «الإيمان» وعدم «الاستهانة» بأهمية ما نملكه من إمكانيات وقدرات وموارد مادية وبشرية على المستوى الفردي والجماعي والوطني، وعدم الاستكانة أو «الاستسـلام» إلى قدرنا أو إلى الواقع اليومي بكل مشاكله وتحدياته.. نحتاج إلى «الحكمة» في تصريف شئوننا الفردية والجماعية، وحسن إدارة أمورنا وخلافاتنا و»أزماتنا»، وإلى الاستفادة من «تعددنا» وتنوعنا» و»اختلافنا»، وإلى تذكر واستلهام العظة والعبرة من كل السلبيات والتجارب السابقة، والاستفادة من كل «الإرث والعمق التاريخي والحضاري» للشعب اليمني، و»النبـش» في أعماق «الوعي الفردي والجمعي» عن كل مقومات إعادة بناء « الحلم اليمني أو مشروع اليمن السعيد».
ربما قد اختلف في هذا الشأن مع قليل أو كثير من النظراء والزملاء، واختلافي معهم ليس نابعاً من الرغبة في المغايرة أو الاختلاف، بقدر ما يرجع إلى مسألتين؛ تتمثل الأولى في عدم رؤية الأمور دائماً من نفس الزاوية «الأحادية» أو بالطريقة السهلة التي ينظر بها غالبية الناس، ومحاولة رؤيتها من أكثر من زاوية، وتقليب الأمر على أكثر من ناحية أو جانب، وصولاً إلى مرحلة الاطمئنان التام لصحة ما جاءوا به، أو ما توصلت إليه، والبحث المستمر والدؤوب عن كل الأدلة الواقعية، والمؤشرات المؤكدة الدالة على صحة وصدق ما جاء به الآخرين؛
والثانية، تتعلق بعدم التسليم ببساطة بكثير من الأمور أو»الإشاعات الذائعة» على أنها «حقائق ساطعة» لمجرد أنها صدرت عن «سين» أو «صاد» من الناس، أياً كان، وأياً كانت الواسطة أو الوسيلة التي نشر فيها ما جاء على لسان ذلك «السين» أو «الصاد»، وأياً كان المصدر «داخلياً» أو «خارجياً»، «محترفاً» أو «هاوياً»، حسن النية أو سيئها، وبغض النظر عن «موقفي» أو «موقعي» منه، وكذلك، عن مساعيه «الحميدة» أو»الخبيثة»، وعن «أهدافه» و»مراميه» القريبة والبعيدة.
ولعل واقعنا المعاصر يحبل بكثير من «الروايات» و»الحكايات» و»الأساطير» و»الأباطيل» ...إلخ، كما يطرح علينا -أفراداً وجماعات- يومياً وبشكل متزايد عدداً كبيراً من القضايا التي لم أستطع - وربما يشاركني آخرون نفس القناعة - أن «أهضمها» أو «أتقبلها» أو «أتمثلها» لتخطيها حدود «المنطق» و»المعقول» و»المقبول»، وأعني منها خاصة «الأخبار» المتعلقة باحتياطي الموارد النفطية «المكتشفة» أو «المتخيلة» في محافظة «الجوف»، أو «الأنباء» المتداولة المرتبطة بكميات الموارد الأولية والمعادن الثمينة «المعلنة» و»المحتملة» في غيرها من مناطق اليمن.
لقد علمتنا الأيام والتجارب أن العيش في منزل متواضع على أرض «الواقع» أفضل من بناء أبراج في عالم «الخيال والأحلام»، وأن «القرش» المستقر في الجيب أفضل من «ملايين الدولارات في علم الغيب»، وأن «عصفوراً في اليد، خير من عشرة على الشجرة»، وأن الممكن والمعاش والمتاح، أحسن من أن نطلق «لخيالنا الجماح», وعشرات الأمثال والخبرات والتجارب التي أحسب كثيرين يعلمونها أكثر مني.
وفوق كل هذا، أليس من الغريب و»المعيب» أن نتحدث بقدر كبير من الإسفاف والمبالغة عن بعض الثروات والكنوز والآثار «المزعومة» أو «المتوقعة»، أو «المدفونة» بعيداً في أعماق الأرض اليمنية، والتي قد تصدق «التسريبات» عنها أو تكذب، وننسى أهم «كنز» وأثمن مورد تمتلكه اليمن، ولا يحتاج إلى «تقارير غربية» لاكتشافه، أو «خبراء تنقيب» للبحث والنبش عنه، ولا إلى «دراسات» وبحوث للإعلان عنه؟
وأعني المورد البشري اليمني، أليس هو أثمن مورد نمتلكه، لو أحسنا استخدامه، وإعادة توجيهه، وتقدير كل ما يقوم به، واستشعار أهمية دوره في إعادة تشييد وإعمار بلادنا؟
أما آن الأوان أن يتحول شعار «الإنسان هدف التنمية ووسيلتها» من رؤية استراتيجية مثالية، إلى برنامج عمل واقعي ويومي، يتيح لكل أبناء هذا الوطن العودة إلى وطنهم من أجل الحصول على عيشٍ آمن، وكريم؟
أليس مجتمعنا اليمني أحق بالاستفادة من كل نقطة عرق تسيل فوق الثرى، وباستثمار جهود كل أبنائه وسواعدهم؟ هل سننتظر في كل مرة تلوح بها «دول الخارج» بهذا العنصر للضغط من أجل الحصول على «تنازلاتٍ جديدة» في حقوق أجيال المستقبل؟ هل سنعيد التفكير في كيفية الاستفادة من مواردنا البشرية، وعدم تركها نهباً لاستغلال الآخرين كورقة يلوحون بها عند كل «خلاف»؟ أما آن للإنسان اليمني أن يرجع «لحوله»، و»أهله» موفور الكرامة؟