ابن النيل -
قبل الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.. لم يكن يدور بخلد أحدنا- على وجه الإطلاق- أن هناك في الأفق ما من شأنه أن يحمل لنا في طياته بشارة خير.. نستمد منها بعضاً من تفاؤل مشروع طال افتقادنا للحد الأدنى من حيثياته، بفعل ما آلت إليه أوضاع أمتنا في زمن التراجع والانكفاء.. حيث لم يعد في سماء أمة العرب من بارقة أمل آنذاك، سوى تلك التي شكلتها الانتفاضة الشعبية الفلسطينية في مواجهة مغتصبي حقوق أهلنا في الوطن المحتل، وقد جرى الالتفاف عليها من وراء ظهورنا في حينه.
غير أن ما تحقق لإنساننا العربي في »بلاد اليمن« صبيحة ذلك اليوم الذي لايُنسى.. حيث الإشهار التاريخي لاكتمال الشخصية الوطنية لبلاده بعد طول تشرذم وانقسام.. إنما كان كفيلاً بأن يمنحنا نحن الوحدويين العرب- على وجه الخصوص- مزيداً من القدرة على التشبُّث بصريح أحلامنا الإنسانية المشروعة والمتواضعة، باعتباره فاتحة لابد منها لبلوغ ما نبتغيه في قادم أيامنا.. متمثلاً في وحدة وطننا الأم من خليجه وحتى المحيط، حيث السبيل الوحيد لتأكيد حضورنا المستحق على خارطة الفعل الكوني أينما كان، وبما يتناسب شرفاً مع خلاصة ما انطوت عليه ملامح سيرتنا الأولى.. الممهورة بطيب حضارتنا العربية والإسلامية العريقة.
وتكمن حكمة التاريخ في مثل هذا المكتسب الوطني والقومي الخلاق في كونه جاء بمثابة السباحة عكس التيار.. من حيث توقيت لحظة ولادته، فبينما الأمة بكاملها تدور في فلك ما مُنيت به من انكسارات متلاحقة على كافة الصعد والمستويات، بفعل قبول نظامها الرسمي مهانة تسليمه بالعجز في مواجهة التحديات المفروضة على جميعنا منذ أمد بعيد، وإذ بأنصار الوحدة وصُنّاعها على أرض أجدادنا الأوائل.. وهم ينسجون بسواعدهم الفتية مراسم فرحتنا وبهجتنا بعد طول ترقُّب وانتظار، ليبقى مهد عروبتنا- وعلى مر العصور- حاضنة خصبة لكل ماهو مشرق وأصيل في تاريخنا كله.. وإلى حديثٍ آخر.