عبدالرحمن مراد -
< تمر الذكرى الثانية لحادث مسجد دار الرئاسة وهو الحادث الذي جرح وجدان المسلمين وخدش وجه الفضيلة، ولم يكن يتوقعه جمهور المسلمين، وقد استنكره كل ذي لبّ، وذي عاطفة دينية خالصة، لم يخالطها دنس السياسة، حتى التيار السلفي من ذوي العقائد الصافية سمعنا منهم أصواتاً تستنكر وتدين الفعل الإجرامي الذي استهدف جموع المصلين في مسجد الرئاسة ومن بينهم أركان الدولة وأقطابها. وفي ظني أن حوادث تفجير المساجد واستهداف عباد الله الآمنين في بيوته التي أذن أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه، لم تكن فعلاً عابراً أو تفكيراً انفعالياً طائشاً بل كان فعلاً ممنهجاً ومتداخلاً مع عقائد ثلة من أولئك الذين يدّعون الاسلام ويعلنون في ملأ الله أنهم يريدون تحقيق حاكمية الله في الأرض ويسعون الى فناء الناس ليخلقوا من أعقابهم جيلاً يشبه الرعيل الأول من المسلمين، مثل هؤلاء الناس الذين يستهدفون الأبرياء الموحدين بالضرورة يذكّروننا بالخوارج الذين كانوا يرون في قتل المسلم الموحد ضرورة جهادية ويعتبرون ترك المشرك المعاهد والكافر المتربص فضيلة أمر بها الله وحثت عليها الشريعة، ومثل هذه العقيدة رأينا بُعدها في سوريا حين ضربت اسرائيل سوريا على إيقاع التكبير للجماعات الجهادية وبمباركة ثلة من أصحاب الطاقيات الحمراء، من أصحاب العقيدة الخوارجية التي تقول بجواز قتل الناس والعلماء في مساجد الله كما حدث في مسجد دمشق، ذلك الحادث الاجرامي الذي أودى بحياة ثلة من المسلمين ومن بينهم رجل الدين العالم البوطي، وأمثال تلك الحوادث كثر في اليمن وفي العراق، وفي سوريا، فمسجد دار الرئاسة لم يكن وحيداً بل كان واحداً من بين عشرات الحوادث في اليمن التي تستهدف الناس والمصلين وتستهدف بيوت الله، ومثل تلك الحوادث التي شاعت في عصرنا لم تأتِ من أقوامٍ ملحدة أو مشركة بل من أقوام يؤمنون بالإسلام ويتحدثون لغتنا ويناصبون المجوسية العداء في خطبهم ومواقفهم ولكنهم ينهجون منهج أبو لؤلؤة المجوسي في ترويع الآمنين وإراقة دم أقطاب الدولة وعلماء الدين الذين يختلفون معهم رأياً ولا يختلفون لغة أو عقيدة. ما حدث في جامع النهدين كان عملاً جباناً، والذين خطبوا في الستين وقالوا أثناء خطبتهم إنهم يرون الدخان يتصاعد من الرئاسة فعزفت حناجر اتباعهم بالتكبير، وحين تناقلت وكالات الانباء خبر الحادث فرحوا ورقصوا وذبحوا وأولموا.. لم يكونوا خارجين عن النص المسرحي بدليل أن ذات السيناريو تكرر في أكثر من مكان ومن جغرافيا.. وهو نفس السيناريو الذي شاهدناه في سوريا بعد الاعتداء الاسرائيلي. لقد أرادت عصبة الموت أمراً وأراد الله غيره، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم، ومعجزة الله تجلّت في النهدين لو كان يعقلون، فالمتفجرات من حيث كميتها وخارطة توزيعها كانت كفيلة بإحداث الفناء الشامل للبشر وللمكان ولكن الله أراد أن يقول «لهم: «لن يضروك إلا أذى»، بل وأراد أن يفضحهم، وكم من واردٍ ومن وجدٍ ومن مكاشف - حسب المصطلح الصوفي - قد جاءت على لسان الشيخ مقبل الوادعي - رحمه الله- وفي حديثه عن بعض رموز عصره أسرار أو سر يدركه المتأمل في خطاباته التي بدأت تنتشر في الوسائط الالكترونية وبدأت تستعيد قيمتها في الآونة الأخيرة- والسر عند الصوفية يعني سر الحال بإزاء معرفة مراد الله فيه - ومن خلال هذا المصطلح يمكن تأمل ما قاله الشيخ مقبل الوادعي في حق عبدالمجيد الزنداني وفي حق يوسف القرضاوي من قبل سنين قد مضت ولن يجهد كثيراً حين يسقطه على الصيغ التفاعلية للرجلين في العواصف الأخيرة التي مرّت بالأمة تحت جنح الربيع العربي. لاشك أن تلك المكاشفة - وهي الإبانة بالقهر عند الصوفية - قد ألهم الله بها لسان مقبل الوادعي، وإلا كيف يمكننا تفسير موقفه من القرضاوي والزنداني من قبل سنين وتحذيره منهما ومن خطرهما على الإسلام والمسلمين، ولا ندرك نحن مثل ذلك الخطر الا بعد سنين من تحبيره الكتب وسنين من وفاته. ماحدث في مسجد دار الرئاسة وفي كل مساجد المسلمين كشف الغطاء عن الجماعات الدينية السياسية التي تدس تحت لحاها المكائد والدسائس وتنهمر دموعها على الدنيا ومتاعها من فوق منابر الدين القويم الذي جاء بالحق والعدل والخير والسلام وقصر الدين في المعاملة أي في البعد الاخلاقي، ولعل الحركة الاسلامية اليمنية تدرك الآن أن علاقتها بالشيخ الاجتماعي قد أضرت بها كثيراً وتحولت في يده الى لعبة مطاطية لضرب الخصم السياسي وخسرت معه كل قيمتها التفاعلية والتأثيرية في الحاضر والمستقبل المنظور. ألم يكن من الأفضل لتلك الجماعات أن تراجع موقفها انطلاقاً من حكمة الله ومعجزته التي تجلّت في تفجير مسجد دار الرئاسة ، فالله يدعوهم الى أخذ العبرة والعظة إن كانوا به يؤمنون.. وأحسب لو أن الذي حدث في النهدين حدث لهم لكانوا ملأوا الدنيا وشغلوها بالمعجزات المبهرة التي حدثت، «وما الله بغافلٍ عما يفعل الظالمون»، وأولئك موتى أحياهم الله فأروني ماذا أنتم فاعلون؟!!