د. عبدالعزيز المقالح -
حقاً، إن ما حدث ويحدث بين الأشقاء الفلسطينيين، هو فضيحة بكل المعاني والمقاييس إلا أنها فضيحة لا تخصهم وحدهم بل هي فضيحتنا جميعاً، فنحن الذين هيأنا وشاركنا في صنع هذه الكارثة البشعة، إما بالصمت على الأخطاء المتراكمة أو بإغراء طرف على آخر، وكأننا لا ندري أن النار التي تشتعل في غزة والضفة بين الإخوة الأعداء قريبة منا، وسوف تدخل المدن العربية واحدة بعد الأخرى، وتنال من كل عاصمة عربية شاركت في إذكاء النار وتأجيج الخلافات بين إخوة كانوا إلى وقت قريب يوجهون بنادقهم إلى صدور الأعداء لا إلى صدور الأهل والأشقاء.
ما يحدث قبيح وبشع وخارج عن قوانين الأخوة وقيم الأخلاق والأعراف والتقاليد، لكن من المسؤول هل هم الفلسطينيون وحدهم أم أن كل الأنظمة العربية والمنظمات الدولية مسؤولة مباشرة عن هذا الذي حدث ويحدث، فقد مر وقت طويل وأصحاب القرار والأنظمة والمنظمات يتفرجون على المأساة ولا يحركون ساكناً، ولم يعد خافياً أن بعض الأنظمة العربية وجدت في الخلافات الفلسطينية أولاً، ثم الاقتتال ثانياً، مجالاً للتخلص من مسؤوليتها وسارعت في هذه الأوقات العصيبة إلى أن تنفض يدها من القضية برمتها، فلا احتجاج ولا مساندة وكأن كل ما كان بينهم وبين فلسطين قد انتهى.
والسؤال هو: إذا كانت الاختلافات والاقتتال الفلسطيني الفلسطيني قد وصلا بأبناء القضية أو بالأصح المأساة إلى هذا الحد من الجنون فهل التفرج هو الإمكان الوحيد؟ وهل الصمت على ما يقوم به الكيان الصهيوني في هذه المرحلة من قتل وهدم للمباني وملاحقة للناشطين الفلسطينيين، هو الحل؟ أم أنه مشاركة غير معلنة للعدو الصهيوني، وتمكين له في مواصلة تصفية الشعب الفلسطيني وقضيته؟ وهل أن صب جام الغضب على الأغبياء من مثيري الفتنة داخل صفوف الفلسطينيين هو البديل عن صب جام الغضب على الكيان الصهيوني المستمر في عدوانه ومواصلة جرائمه؟!
إن اللوم والإدانة لا ينبغي أن يكونا من نصيب القيادات الفلسطينية وحدها وإنما ينبغي أن يكون اللوم الأكبر والإدانة الصارخة للكيان الصهيوني، هذا الاخطبوط الذي ما برح يقتل ويدمر ويزرع الخلافات والإرباكات داخل البيت الفلسطيني بما يقوم به من حصار واستعداء دولي، فلا يجد الفلسطيني المأزوم مجالاً لتفجير انفعالاته أحياناً إلا على نفسه، وهذه هي القراءة الصحيحة لما حدث ويحدث، بالإضافة إلى وقوع بعض أفراد الفصائل المتنازعة تحت تأثيرات ذاتية وخارجية لا يمكن تغافلها أو إنكارها.
إن الصهيونية المسكونة بالانتقام والحقد التاريخي هي مصدر الداء، ليس في فلسطين والأرض العربية فحسب، وإنما في أماكن كثيرة من العالم. وحيث توجد حرائق مشتعلة يجوز البحث عن المخلب الصهيوني فهو الذي من مصلحة قياداته أن ينعدم التعايش في المجتمعات، وأن تشتعل الصراعات الدورية بين الفلسطينيين وغيرهم، وأن يكون أكثر ضحاياها من الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل في المنافسات الدائرة هنا وهناك. والملاحظ أن الكيان الصهيوني في وسط هذا الاقتتال الفلسطيني لم يفوت الفرصة وبدأ في تصفية الساحة الفلسطينية من العناصر الفاعلة والقادرة على مواجهة غطرسته. والملاحظ أيضاً أن الذين يتم اختيارهم للتصفية بعناية هم من كل الفصائل دون استثناء.
ويبقى سؤال أخير: هل اقتصر دور الأنظمة العربية على المصالحات الفاشلة أم أن في جعبة البعض، حلولاً أخرى ناجعة وقادرة على أن تعيد المقاومة إلى الشارع الموحد ضد العدو بدلاً من ترك الشارع والصعود الى كراسي السلطة الفارغة من كل معنى؟ إن الأمة العربية تنتظر بفارغ الصبر إلغاء السلطة الصورية الكاذبة والعودة الى ما قبل اتفاقيات “أسلو” وما جرته على الفلسطينيين والعرب من كوارث كانوا في غنى عنها. وعلى الذين يفتشون عن حل خارج إلغاء السلطة أن ينتظروا مزيداً من الاقتتال وكثيراً من الدماء تمسكاً بسلطة لا معنى لها ودفاعاً عن كراسي تافهة، الجلوس على التراب أشرف وأجل منها.
الخليج الاماراتية