محمد شرف الدين - التحالف مع «الاخوان المسلمين» أشبه بمن يصطحب في رحلة طويلة دباً جائعاً، أو يبيت مع كوبرا في سرير واحد.. فالنهاية الدامية لقصة غرام المؤتمر الشعبي العام بحزب الإصلاح والتي امتدت لحوالي ثلاثة عقود دفع ثمنها غالياً المؤتمر وفي مقدمتهم الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر الشعبي العام.. والذي ظل يحرص على إشراك الاخوان في الحكم لتمثل بذلك اليمن حالة استثنائية بعد ان واجهوا في كل الدول العربية إما السجون أو المنافي أو العمل تحت الأرض..
فذلك التحالف لم يكن بالنسبة للاخوان الا مجرد تكتيك لتنفيذ مخططهم التآمري الذي كشفوا عنه في عام 2011م بخروجهم الى الساحات وحمل السلاح وسفك دماء قيادة المؤتمر وغيرهم بدم بارد ، بل لقد اقاموا الولائم واطلقوا الزغاريد فرحاً بمذبحة مسجد الرئاسة ونكثوا بالعهود وخانوا الأمانة وافتوا بجواز الخروج عن ولي الأمر.. كما أنكروا في ليلة وضحاها شراكتهم في السلطة مع المؤتمر...
كانت تجربة التحالف بين المؤتمر والاخوان في اليمن جديرة ان تتوقف امامها القوى الثورية في مصر وغيرها وألا تخوض في تحالفات معهم لتكرر نفس الاخطاء الكارثية الذي وقعت فيها اليمن أو بالأخص المؤتمر الشعبي العام..
لذا فمن الطبيعي جداً أن تدفع مصر اليوم ثمن تحالفهم مع الاخوان باهظاً ليس من لقمة عيش الشعب وإنما من دماء المصريين أيضاً، فقد دفع اليمنيون قبلهم ومازالوا حتى اليوم ثمن مثل هذا التحالف..
اليوم وبعد ثورة مصر نجد ان الاحزاب اليمنية التي تحالفت مع الاصلاح لاتزال تكابر وتتحمل الضيم وتتغاضي عن تدمير مؤسسات الدولة ونهب المال العام وكل ذلك حتى لا تعترف بخطأ تحالفها مع الإصلاح.. بمعنى انها تريد ان تقول انها معصومة من الاخطاء . ومع ذلك فقد شجعتها ثورة مصر على اطلاق تصريحات توهم الناس من خلالها انها تمثل قوى الثورة .وحتى لايسبقها احد الى هذا المعترك ..
ومهما يكن فالمتغيرات السياسية في المنطقة العربية أخذت اليوم منحى آخر تماماً بعد انتصار ثورة الشعب المصري واسقاط مرسي، حيث كشفت عن حقيقة حجم الرفض العربي لحكم الاخوان ويتضح ذلك بموقف دول الخليج والدعم السخي الذي قدموه للثورة المصرية.. هذه المتغيرات بالتأكيد تبشر برسم خارطة سياسية للقوى الجديدة في المنطقة ، خصوصا وان المواجهة مع جماعة الاخوان قد أصبحت مشتعلة على الواقع ومعلنة أيضاً.. ويجب عليهم إدراك أبعاد هذه التطورات جيداً لأنه لا قبل لهم على خوض معركة ضد الجميع بعد اليوم..
وما يعنينا بهذا الشأن أن »الاخوان« في حزب الاصلاح يواجهون أخطر مأزق في تاريخهم، ولابد أن يستوعبوا جيداً الرسائل التي وجهها الاشقاء لتنظيم الاخوان بشكل عام..
بمعنى أوضح أن دول الجوار لن تقبل بسقوط اليمن بيد الاصلاح بعد أن وقفت بقوة مع ثورة الشعب المصري ضدهم، أي أن الطريق مسدودة أمام الاصلاح مهما حاولوا تقديم أنفسهم بأنهم يختلفون عن الاخوان في مصر أو الإمارات أو غيرها...
نعتقد أن الظروف العربية والدولية تفرض على قيادة الاصلاح أن لا تتحدى الداخل والخارج في آن واحد، وعليهم أن يدركوا أن المانحين لم يثقوا بهم ولم يوفوا بتعهداتهم وهي رسالة اخرى يجب الا تغيب عن بالهم ويدركوا انهم غير مقبولين لحكم اليمن ، إلا إذا قرروا أن يكرروا إنتاج إمارة طالبان من جديد.. حتى هذا الخيار أيضاً سيسقط حتماً...
لذا فمن المنطقي أن لا تقبل دول الخليج «اخونة» اليمن بعد ان اعلنت الحرب بقوة واسقطت الاخونة في مصر، خصوصا والجميع يدرك ما تمثله اليمن من عمق استراتيجي مهم لدول الخليج..
إذاً لقد فقد حزب الاصلاح بسبب سياسته الانتهازية ومغامراته الصبيانية خصوصياته اليمنية التي ميزته عن التنظيم العالمي للاخوان. واصبح تنظيما غير مأمون الجانب بعد الحرب الوحشية التي شنها على قيادة المؤتمر الشعبي العام وعدم اكتراثه بقياداته التي ظلت تفضل قيادات الاصلاح حتى على المؤتمر نفسه .. وليس هذا فحسب بل ان الاصلاح قد سرق امال واحلام الشباب اليمني وقدم نفسه على انه حزب انتهازي ومتامر ومخادع ايضا ...
وهو بذلك فرض على نفسه نهاية قاتلة ان لم يقدم على عملية جراحية مؤلمة تضمن تغيير هذا الانطباع السيئ عنه لدى الاخرين من خلال اتخاذ قرارات شجاعة ومنها التخلص من القيادات المتشددة والمتطرفة من التيارين الديني والقبلي داخل التنظيم كونهم أصبحوا يمثلون خطراً حقيقياً عليه على مستوى الداخل والخارج، ويجب ترك الفرصة أمام القوى الجديدة والمعتدلة وغير العقائدية...
فهذا ضمان لبقاء حزب الاصلاح كشريك فاعل في الحياة السياسية اليمنية ما لم فانه يسير الى الموت الحتمي خصوصا وحالة الاحتقان والسخط داخل المجتمع اليمني والقوى السياسية مهيئة للثورة ضد الاخوان في أية لحظة..
|