محمد علي عناش -
< لم يكن من فراغ أن تجد نفسها جماعة الاخوان المسلمين في مواجهة مباشرة مع الشعوب العربية التي خرجت ثائرة عليها بل كان نتيجة طبيعية لفشل الاخوان في الحكم وإدارة شؤون البلدان العربية ولممارساتها التعسفية وعدم قدرتها على التعايش السلمي مع الآخر المختلف، ولمرارة التجربة التي عاشتها هذه الشعوب في ظل حكم الاخوان القصيرة في مدتها الكبيرة في انعكاساتها السيئة على جميع المستويات.
كان يفترض بجماعة الاخوان أن تتجه الى مراجعة حساباتها وتقييم نفسها ومواقفها ومحاولة الخروج من هذا المأزق السياسي والشعبي الذي وقعت فيه بأقل كلفة ممكنة، وبما يكفل إعادة مد جسور الثقة بينها وبين الشعوب العربية، وإعادة اندماجها في الحياة السياسية بشكل طبيعي.
ما يحدث في مصر من فوضى وعنف وسفك للدماء أكد أن جماعة الاخوان لم تستوعب الدرس والمأزق الذي تعيش فيه، وأصرت الا أن تفقد ما تبقى من رصيد شعبي وسياسي واختارت الطريق الشائك الذي يقضي عليها نهائياً.
كان بإمكان الذي حدث أن لا يحدث لو أن الجماعة قربت المسافة بينها وبين الأطراف الأخرى التي تمثل غالبية مكونات الشعب المصري، وآمنت بنقطة التقاء يلتف حولها الجميع، غير أن الجماعة لم تكن مستعدة أن تقدم أية تنازلات، فلم تستجب لكل دعوات المصالحة الوطنية، وسدت كل المنافذ لحلول وطنية جادة والتهيئة لانتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة للخروج من هذه الأزمة العاصفة.
أصرت الجماعة الا أن تفرض أمراً واقعاً بمختلف الوسائل والامكانات وهو اسلوب متبع لدى جميع اتباع الجماعة في كل مكان، من أجل إعادتهم الى السلطة مستخفة بإرادة ثلاثين مليون مصري خرجوا الى الشوارع لاسقاط حكم الجماعة الفاشل، حتى تلك الملايين التي كانت منحت مرسي أصواتها في مواجهة الفريق أحمد شفيق، خرجت كي تسترد أصواتها وتشارك جموع الشعب المصري في صنع ثورة 30 يونيو العظيمة.
لم تراهن جماعة الاخوان على إجراء مصالحة وطنية مع الشعب، وإنما راهنت على ممارسة مزيد من الارباك والتأزيم وعلى مزيد من العنف والدماء وتقديم الضحايا من الاطفال والمغرر بهم من العامة لاستجداء تعاطف شعبي ودولي وتسويق مظلومية ماكرة تتكئ على أهداف وطموحات في قمة الانتهازية السياسية والتجرد الاخلاقي، وبالطبع كان رهانها كبيراً على أمريكا وتركيا وقطر لممارسة الضغط السياسي والدبلوماسي على حكومة مصر الحالية، ولتشويه الحدث الثوري الكبير فيها، وعرقلة مسار نجاحاته الوطنية والثورية على جميع المستويات حيث وهو يتطلب أجواء هادئة ومستقرة، ويتطلب تفاعلاً شعبياً وسياسياً من جميع القوى السياسية والمكونات الاجتماعية، غير أن الاخوان الذين تمرسوا طويلاً على إنتاج الأزمات ولديهم خبرة متراكمة في الإرباك والعرقلة وزعزعة الأمن والاستقرار والقدرة على التخفي وراء كل الظواهر السلبية والمدمرة، سواء ظاهرة التطرف والارهاب بكل أشكاله، أو البرغماتية الدبلوماسية في كل الاتجاهات، لم يوفروا هذه الاجواء ولم يهيئوا البيئة المناسبة للحوار الوطني المسؤول، وإنما احتكموا الى إرادة التنظيم التي تطغى على الإرادة الوطنية والشعبية، كانت رهانات الاخوان خاسرة بكل المقاييس، أولاً لأنها استندت الى شرعية فقدت صلاحيتها ومضامينها الأخلاقية خلال سنة من الفشل والسيطرة والاستحواذ والتجاوزات للقانون والدستور، فاسترد الشعب المصري في 30 يونيو هذه الشرعية وأسقطها عن مرسي والاخوان، وثانياً: لأنها استندت على تأليب الخارج في مواجهة إرادة الشعب المصري، واستندت الى أدوات العنف والتطرف والارهاب والتحريض الطائفي والقوة المسلحة في سيناء وغيرها من المناطق، كما استندت الى التعطيل والارباك باحتلال الساحات والاعتصام بها كساحة رابعة العدوية وساحة النهضة التي لا تتوافر فيها الصفات والشروط القانونية للاعتصامات السلمية.
حقيقة نحن لا نحبذ العنف واستخدام القوة في مواجهة الاعتصامات، ولم نكن نتمنى أن تصل الأمور الى ما وصلت اليه في رابعة العدوية والنهضة وغيرها من المحافظات المصرية، لكننا في نفس الوقت ضد تعطيل مصالح البلد ضد منطق الضغط وفرض الأمر الواقع وحصر القضايا في بؤر ضيقة، من أجل تنفيذ مصالح وأهداف جماعة أو حزب على حساب المصلحة العامة، فالاخوان يتحملون المسؤولة الكاملة عما حدث ويحدث في مصر، كونهم تصلبوا في مواقفهم وسدوا كل المنافذ أمام الحلول الوطنية المسؤولة، ودفعوا بالوضع في اتجاه حل وحيد وهو الذي حصل في رابعة والنهضة.
سوء نوايا الاخوان وحقدهم ونزعاتهم التآمرية وقدرتهم على التضليل ومخادعة الرأي العام تجلت بوضوح في ردود أفعالهم الهستيرية والفوضوية واللا أخلاقية في جميع أنحاء مصر، فهم في حين يتباكون على الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، ويسوقون مظلومية ماكرة عبر الدماء والجثث التي تحوم حولها الشبهات، كما كان يعمل الاصلاح في اليمن في جمعة الكرامة وحي الزراعة وجولة كنتاكي، نجدهم يمارسون العنف الطائفي ضد الأقباط بقتلهم واختطافهم وإحراق كنائسهم وبيوتهم ومحلاتهم التجارية، ويمارسون الفوضى والإرهاب باقتحام وإحراق المنشآت العامة وأقسام الشرطة واستهداف الجنود.. أي وعي هذا الذي يتحلون به! وأي روح هذه التي تتملكهم؟
وببساطة ما دخل الكنائس حتى يتم إحراقها؟ وما دخل الأقباط حتى يتم استهدافهم؟
لي صديق محسوب على حزب يساري تقلب خلال اسبوع في مواقفه من أحداث مصر أكثر من عشر مرات، ولمست هذه الظاهرة بشكل واضح على صفحات الفيسبوك، أدركت حينها مدى قدرة الاخوان في الانحراف بمواقف الآخرين وفي تسويق الحدث المأساوي وتجييره لصالحهم، وفي حصر القضية أو المشكلة في بؤرة ضيقة وطمس بقية أركان المشكلة، كما أدركت قدرتهم الفائقة في مخاطبة العواطف لا العقول والنجاح الذي يحققونه في انتزاع مواقف من الآخرين نابعة من عواطفهم لا عقولهم.
من ناحية أخرى وقفت على سر مهم وجوهري، حول أسباب وعوامل سيطرة الاخوان على ثورات الربيع العربي، رغم أنهم لا يمثلون أغلبية وإنما قلة لا يتجاوز 25% الا أنها قلة فاعلة ومنظمة ولديها قدرة كبيرة في التأثير على مواقف وقناعات الآخرين، وفي تشويه الوعي بالقضايا، وبما هو كائن وما يجب أن يكون..
من هنا تتجلى عظمة ثورة 30 يونيو في أنها وضعت حداً لمثل هذا التفوق الانتهازي واستمرار هذه الأساليب وهذه المسارات المنحرفة، وفي أنها ثورة حملت في طياتها يقظة شعبية كبيرة تجاه ما يهدد أمن مصر ووحدتها وهويتها التاريخية، حيث صححت أخطاء وتناقضات مرحلة ثورة 25 يناير وملأت الفراغات التي كانت سائدة فيها.
ومن ناحية أخرى أنها حولت الفعل الثوري من مجرد عاطفة ثورية سادت مرحلة 25 يناير ولم تفض بها الى نتائج منطقية كثورة الى فعل ثوري واعٍ ومنظم وواسع الطيف وواضح المعالم والاهداف والمعالم، ويكفي أنها جسدت الوحدة المصرية في أرقى معانيها لأنها جمعت المسلم والمسيحي والعلماني وجميع مكونات الشعب المصري، بينما في الطرف الآخر لا يوجد إلاّ الاخوان وموالي الشرعية فاقد الشرعية.
استقالة البرادعي نائب رئيس الجمهورية والذي وصل الى هذا المنصب على أكتاف ثوار 30 يونيو، لا نريد أن نقول إنها ربما جاءت بتوجيهات من واشنطن لكنها هروب من تحمل المسئولية الوطنية في ظرف حساس وصعب وفوق امكانية البرادعي القيادية والاخلاقية غير أن الأهم فيها أنها عبرت عن استمرار الحالة العاطفية وحالة عدم الوضوح والتناقضات الكثيرة التي تستوطن الكثير من الشخصيات المحسوبة على ثورة أي شعب.
كان «لينين» قد اكتشف مبكراً خطورة مثل هذه الشخصيات والعقليات الضبابية والقلقة على الثورة البلشفية واستمرار نجاحاتها الثورية، فبدأ بإزاحة هذا النمط بدءاً من رفيقه «تروتسكي» وهذا ما يجب أن تفعله ثورة 30 يونيو، فإلى جانب البرادعي هناك أيمن نور وبعض قيادات حركة 6 أبريل، فمثل هذا النمط الذي يشبه الى حدٍ كبير توكل كرمان وخالد الآنسي ويجاريهم أحياناً دكتور ياسين سعيد نعمان.